السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
تعيش البيوت المسلمة أزمةً طاحنةً من جرَّاء الامتحانات التي تطرق الأبواب بين الفينة والأخرى ...
وحالما يقترب موسم الاختبارات حتَّى ترى كثيراً من البيوت قد أعلنت عن حالة التأهب القصوى والاستعداد الكامل والاستنفار المتحفِّز ، لدخول معمعة الامتحان التي يكرم المرء فيها أو يهان !
وهذا جهدٌ مشكور ، وعملٌ مأجور إذا صلُحت النيَّة ، وخلُص المقصِد لله ربِّ العالمين .
ولكننا لو تأملنا هذا الاهتمام المبالغ فيه من أجل هذا الامتحان الهيِّن الدُّون ، ثمَّ قلَّبنا البصر إلى ضعف الاستعداد وقلَّة الاهتمام وشدَّة الغفلة عن ذلك الامتحان الرهيب الذي خلقنا الله تعالى من أجله وأنشأنا له ، لرأيت البصر ينقلب إليك خاسئاً وهو حسير .
قال تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا )
وقال تعالى : ( ولنبلونَّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ..)
وقال تعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشِّر الصابرين )
والفرق واسع والبون شاسع بين امتحان الدنيا وامتحان الآخرة ..
وإليك أوجهاً من ذلك التباين والاختلاف بين الامتحانين ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم )
المـوضـوع
امتحان الدنيا في جزءٍ من كتاب ، وفي ورقاتٍ معدوداتٍ من دفتر ، في مجالٍ من مجالات الحياة ، وضربٍ من ضروب العلم . أمَّا امتحان الآخرة ففي كتابٍ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ أحصاها ، قد حوى الأقوال ، وأحصى الأفعال ، وأحاط بالحركات والسَّكنات ، وألمَّ بالخطرات والهنَّات والزلاَّت !
قال تعالى : ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاَّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحدا )
فالصغائر مسجلة به ، كما أنَّ الكبائر مدوَّنة فيه .
قال تعالى : ( وكلُّ صغير وكبير مستطر )
فالعباد يقولون ويعملون ، والكُتَّاب يكتبون، ويوم القيامة يخرجُون ما كانوا يحصون و يستنسخون.
قال تعالى : ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقِّ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )
فتنشر الفضائح ، وتظهر القبائح ، ويبدو ما كان مخبوءاً من ذنوبٍ وعصيان ، تحت ركام الغفلة والنسيان !
( يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كلِّ شيء شهيد )
عبد اللطيف الغامدي