الوصايا العشر
للعاملين بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى


افتتاح وبدء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد‏:‏ فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار‏.‏

مدخل
نحن نتمنى بحمد الله تعالى إلى أمد الهداية الأمة المختارة من الله سبحانه وتعالى لحمل رسالة السماء، الرسالة الخاتمة، رسالة محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه، والدعوة إليها والتبشير بها إلى يوم القيامة، وهذه الأمة المهتدية قد مرت عليها أيام سعد وعز ونصر وتمكين لما قامت بهذه المهمة، التي جعلها الله السبب والسبيل إلى هذا النصر والتمكين، أعني لما قامت بالإسلام أعزها الله سبحانه وتعالى، ثم مرت عليها أيام محن وألام ومصائب، وذلك لا شك قد كان بسبب تركها لهذه المهمة العظيمة‏:‏ مهمة الإيمان بالله والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحالنا اليوم لا يخفى على عاقل، وأنتم بحمد الله أهل الإيمان وأهل الإسلام من أهل العلم والفطنة لا يخفى عليكم ما الحال التي آلت إليه الأمة، وبالتالي لا نطيل في ذلك، بل نركز الكلام في القواعد التي يمكن بها أن تبعث الأمة من جديد، وأن تعود كما كانت، تتسلم راية الله عز وجل لتكون خير أمة أخرجت للناس، سأركز إن شاء الله في عشر نقاط أرى بحكم تجربتي أن هذه النقاط لو أخذت بها الأمة فإن النتيجة الحتمية بحول الله تبارك وتعالى وقوته هي العز والنصر والتمكين، والفوز برضوان الله بالآخرة، والسعادة والفلاح، وهذه الوصايا العشر سأسند كل وصية فيها إن شاء الله إلى دليل من كتاب الله أو سنة نبيه صلوات الله عليه وسلامه، وكذلك وقائع السير والتاريخ، وسترون إن شاء الله أن هذه النقاط العشرة من البديهات، ولكنها للأسف تغيب عن كثير من المسلمين العاملين في حقل الدعوة، بل عموم المسلمين قد لا يهتمون بشؤون الدعوة إلى الله تبارك وتعالى‏.‏


الوصية الأولى

البدء بدعوة الناس إلى تحقيق غاية وجودهم‏:‏ عبادة الله وحده لا شريك له
أول محطة في طريق الدعوة أن نستطيع أن نقول‏:‏ إنها نقطة المنطلق، لابد أن نعرف غاية الخلق وسر الوجود، وهذه النقطة قد فصَّلها الله تفصيلاً كاملاً في كتابه، وبينها النبي بياناً كاملاً، وهي النقطة التي يدور عليها عمل الرسالات جميعاً، بل ما أقيمت السماء ووضعت الأرض إلا من أجلها، وهي باختصار‏:‏ عبادة الله تبارك وتعالى وتوحيد الله عز وجل، فالله ما خلق الخلق إلا ليعبدوه، الخلق كله بعلوه وسفله‏:‏ سماواته وأرضه، ملائكته، وإنسه وجنه، ما خلق الله شيئاً إلا ليكون هذا الشيء عبداً له ومؤتمراً بأمره ومنفذاً لحكمه، ومشيئة الله تبارك وتعالى نافذة في كل خلقه سواء كان كافراً أو مؤمناً‏:‏ ‏{‏أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون‏}‏ لا خروج لأحد عن دين الله عز وجل، حتى الكافر فهو في دين الله، وفي حكم الله، وفي قهر الله، وفي جبروت الله، وفي قبضة الله سبحانه وتعالى، لا انفكاك لأحد منا عن حكم الله وتصريفه، فتصرف الله في الكائنات نافذ، وأمر الله عز وجل الكوني القدري لا رادّع له، السموات والأرض مسلمة لله عز وجل، والكافر مسلم رغماً عنه‏:‏ بمعنى أنه لا ينفك عن قضاء الله وقدر الله فهو يولد بأمر الله، ويمرض بأمر الله، ويموت بأمر الله، ويرزق برزق الله، وكل ما يعمله إنما هو بمشيئة الله عز وجل‏:‏ ‏{‏والله خلقكم وما تعملون‏}‏ ‏{‏ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم‏}‏ ‏{‏ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون‏)‏، يعني لو شاء الله ألا يفعل الكفار كفراً لما فعلوا، فهذه القضية الأساسية‏:‏ أن الله عز وجل ما خلق الخلق إلا ليعبدوه، وأنه سبحانه شاءت حكمته أن يصطفي من البشر من يعبده، ويكرمه الله بهذه العبادة، ويرشده إليها ويوفقه إليها، وأن الله شاءت حكمته أن يكون هناك المتأبي على الله الذي لا يتبع هذا المنهج ويعارضه، ويكون مصيره الخذلان والنار، وهذه مشيئة الله النافذة‏:‏ ‏{‏هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن‏}‏‏.‏
فهذه النقطة ينبغي أن تكون هي المنطلق الأول في الدعوة إلى الله عز وجل‏:‏ الانتماء إلى هذه الأمة التي أوجدت لمهمة وهي‏:‏ أن تدعو إلى عبادة الله التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وقامت المعركة بين الكفر والإيمان، والهدى والضلال‏:‏ كل هذا من أجل هذه الكلمة ‏{‏قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ إنما إلهكم إله واحد‏}‏ ‏{‏وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون‏}‏، فالوحي يصيب في هذه النقطة ويبدأ من هذه النقطة ‏{‏قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين‏}‏، وبالتالي الأمة الإسلامية‏:‏ يقولون عنها ‏(‏أمة الفكرة‏)‏ يعنون أمة العقيدة، والمعنى أن تجمع هذه الأمة ليس على أرض، ولا على وطن، ولا مبدأ اقتصادي كشيوعية ورأسمالية، ولا على نظام اجتماعي وسياسي كديمقراطية وغيرها، التجمع على أساس لا إله إلا الله، هذا هو نبينا محمد صلوات الله عليه، هذا أول المسلمين كيف اجتمع الناس إليه، هل قال لهم‏:‏ أنا عربي، هلموا إليَّ، أو أنا قرشي وليأتني كل قرشي، أو نحن أهل الجزيرة فلنتكتل على أساس أنَّا أهل الجزيرة ‏(‏‏.‏‏.‏‏)‏ كلا إنما بدأ الدعوة بلا إله إلا الله، وانضم إليه من آمن بهذه القضية، فأصبح صاحباً له وأخاً للنبي على هذا الأساس، فقام نظام المولاة والمعاداة على هذه القضية‏:‏ فمن دخل حزب النبي صلوات الله عليه دخل حزب الله ‏{‏ألا إن حزب الله هم المفلحون‏}‏ من دخل في هذا الحزب دخل على أساس هذه الكلمة، ومن خرج من هذا الحزب، كان كذلك من أجل هذه الكلمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حدد موقفه من القرشيين ومن العرب ومن غيرهم على هذه الكلمة، وبالتالي ينبغي أن نفهم أن المنطلق لغز الأمة إنما هو الاجتماع على عقيدة يسميها الناس بلغتهم ‏(‏الفكرة‏)‏، ونسميها العقيدة، هذه أمة العقيدة، أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، نجتمع على هذه الكلمة ونفترق على هذه الكلمة، فالاجتماع والافتراق والموالاة والعمل كله، والمنطلق كله، من هذه القضية، وبالتالي هذه هي النقطة الأولى‏.‏
إذن الخطوة الأولى نحو عز الأمة ونصرها وتمكينها في الدنيا، ثم سعادتها في الآخرة وفوزها برضوان الله عز وجل ينبغي أن تكون من لا إله إلا الله، أي تجمع ينبغي أن يكون على هذه النقطة الأساسية، والعمل في البداية عليها، ولا شك أن تحت هذه الكلمة علم عظيم وهو أن لا إله إلا الله ليس بالمعنى، الذي نصوره نحن ونخترعه نحن ونتخيله نحن، إنما بالمعنى الذي أراده الله وبينه الله عز وجل، ووضحه الله، وذلك أن كثيراً من الناس يدَّعي الإيمان بلا إله إلا الله حتى الهنادك يقولون لا إله إلا الله يعني أن لكل هذا الكون إله ورب واحد ويقولون نحن من أهل التوحيد أهل لا إله إلا الله‏.‏
ومعلوم أنهم من أكثر الناس نجاسة وشركاً، لأنهم يعنون بالإله وحدة الوجود‏.‏
وقد اختلف المسلمون أيضاً في مفهوم لا إله إلا الله اختلافاً بعيداً‏:‏ فبعض هؤلاء المسلمين عندهم أن الرب معنى لا حقيقة له، ولا يوصف بأن له عُلواً كما جاء في الكتاب والسنة، يقولون ‏(‏هو لا فرق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا داخل هذا العالم ولا خارج هذا العالم‏)‏، ولا يوصف عندهم بصفة ثبوتية بتاتاً، والمستوى على العرش عندهم هو جبريل، ويقول بعضهم هو النبي محمد عليه الصلاة والسلام، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فيجب أن نؤمن بالله بالصفات الموجودة له سبحانه في كتاب الله والموجودة في أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ أعني أن يكون التوحيد بحسب مواصفات الكتاب والسنة، وليس بحسب ما يتخيله الجاهلون‏.‏
فالله هو الرب الرحمن الرحيم، العزيز الكريم المستوي على عرشه سبحانه وتعالى، الذي بيده مقاليد كل شيء، والذي لم يقم آلهة تعبد من دونه، فلم يأذن بهذا ولم يرض بهذا سبحانه وتعالى، الرب السميع العليم المراقب لحركات عباده الذي لا يغفل ولا يسهو عن شيء من فعل خلقه وعباده سبحانه وتعالى، ولا يرضى سبحانه أن يُعَقَّب على أمره ونهيه، فنؤمن بالرب على هذا النحو، ليس الرب الذي يُزعم أنه ترك الناس هملاً ليتخذوا من المناهج ما شاؤوا ويدعوا من كلامه من شاؤوا، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً‏.‏
ليس هذا هو رب المسلمين، لأن الله عز وجل في حكمه وفي صفاته لا يرضى أن ينازع الأمر سبحانه، هل يقول ‏:‏ افعل ويأتي مخلوق ويقول‏:‏ لا تفعل، ثم نطيع ذلك المخلوق‏!‏‏!‏ الرب لا يرضى هذا، ليس هذا من صفاته، فالذي يعبد رباً على هذا الأساس يعبد رباً من انتحاله هو، ومن فهمه هو، وليس هو رب العباد سبحانه وتعالى، رب العباد حقاً هو الذي يقول عن نفسه‏:‏ ‏{‏والله يحكم لا معقب لحكمه‏}‏{‏إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏}‏‏.‏

إذن لابد من فهم هذه القضية كما بيَّنها الله في كتابه وفي سنة نبيه‏:‏ هذه قضية ونقطة لا أطيل فيها وإن كانت هي في ذاتها تحتاج إلى إطالة‏.‏
ولسنا في مقام التفصيل وإنما القصد الإجمال حتى لا يشط بنا المقام‏.‏


منقول / يتبع