سلامة الصدر
ينظر الله تبارك وتعالى إلى العباد من خلال قلوبهم، فإذا كان المرء نقيا من الغش والضغينة، برئيا من العوج والغل، أقبل عليه برحمته، وضاعف نصيبه من بركته، وكان إليه بكل خير أسرع, أما إذا كان محصورا في مطامعه، ضائقا بخير الله عند خلقه، فهيهات أن يصح له عمل أو ينجح له أمل أو يستقيم له خلق.
إن المسلم الحق هو ذلك الإنسان الذي تمتد مشاعر حبه فتغمر ما حوله، وتفيض على الآخرين سلاما وأمنا، والجماعة المسلمة حقا هي التي تقوم على عواطف الحب المشترك، والود الشائع والتعاون المتبادل فهي كما وصفها الله تعالى بقوله عن المؤمنين الأولين: { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} .
إنَّ العناية بسلام الصدور وصفاءِ القلوب من أهمّ المهمّات، فكيف ينجَح الداعي إلى الله إن لم يحمِل صفاءَ القلب ونقاءَ المشاعر؟! وكيف يلتَذّ بمناجاةِ الله من لم يَصفُ قلبه تجاهَ إخوانه المسلمين؟! كيف يرجو التوفيقَ من امتلأ قلبه ضغينةً على إخوانه المسلمين؟! إنّ الأخلاق الزكيةَ ضرورةٌ لصلاح الدنيا والفوزِ في الآخرة، والحقُّ أنه يستحيل قيامِ حضارة سليمة على قلوبٍ عليلة، وأنّه ما لم تستَقِم الضمائر وتَصفُ النيات فلن يكبحَ جماحَ البشر شيء، ولن تصلُح الأحوالُ ولن تنجَحَ الحضارات ولا الدعواتُ، ولن يمكِنَ بناء إنسان كبير دونَ أخلاقٍ متينة وجملة من الخلال تورِث الثقةَ وتبني الفرد الصالح.
إن أصحاب القلوبِ النقيّة والصدور السليمة لا يبحَثون عمّا تكنّه صدورُ الناس وتنطوي عليه سرائرهم، حبٌّ للخَير وسترٌ على المخطئ وسَعيٌ لإقالة العَثرة وسرورٌ بتوبةِ العاصي، وفي الصحيحَين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عن قال: بايعتُ رسولَ الله على إقامِ الصلاة وإيتاء الزكاةِ والنصح لكلّ مسلِم، وقيل للنبي : أيُّ الناسِ أفضَل؟ قال:{كلّ مخمومِ القلب صدوقِ اللسان}، قالوا: صدوقُ اللسان نَعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: {هو التقيّ النقي، لا إثمَ فيه ولا بغيَ، ولا غلّ ولا حسد} رواه ابن ماجه والبيهقيّ بسند صحيح .