الحساب
فهيا نتابع الأحداث والأخبار .. تعال نتابع بداية حساب ونهايته ، لكن كيف ستكون البداية وكيف ستكون النهاية .. تعال نسمع رعاك الله ..
حسبك أن تعلم .. حسبك أن تعلم .. أن القاضي والمحاسب في ذلك اليوم هو الحكم العدل قيوم السماوات والأراضين ليتبين لك عظم هذا المشهد وجلالته ومهابته (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ) .. نعم سيجيء الرحمن مجيئاً الله أعلم بكيفيته .. نؤمن به ونعلم أنه حق ولا نؤوله ولا نحرّفه ولا نكذب به .. وستجيء الملائكة في هذا الموقف الجليل .. ستجيء ومعها كتب الأعمال التي أحصت على الخلق أعمالهم وتصرفاتهم وأقوالهم ليكون حجة على العباد ..( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ربنا يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً ) ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد )
ومعنى الحساب أن يوقف الحق تبارك وتعالى عباده بين يديه .. يعرفهم بأعمالهم التي عملوها أقوالهم التي قالوها وما كانوا عليه في حياتهم من إيمان او كفر أو استقامة او انحراف أو طاعة أو عصيان ..
فمن سلك طريق الهداية فيُعطى كتابه بيمينه ويحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً ..
ومن سلك طريق الغواية فيُعطى كتابه بشماله ويحاسب حساباً عسيراً ويدعو ثبورا
ستقام محكمة قاضيها الملك الديان ، شعارها : (لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ). شعارها : " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً " .
ستقوم المحاكمة على قواعد وأصول بينّها الله جل في علاه ..
منها : العدل التام الذي لا يشوبه ظلم . قال جل في علاه ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) .
ومنها : لا يُخذ أحد بجريره غيره . قال سبحانه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .
ومنها: إطلاع العباد على ما قدموه من أعمال ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً ) .
ومنها: إقامة الشهود . قال سبحانه ( اليوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما يعملون )، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين )
عن ماذا سيكون السؤال ؟!! سيكون السؤال عن خمس فاستعد للجواب :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزول – أي إلى الجنة أو إلى النار – لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس :
عن عمره فيما أفناه .. اسمع.. أيها الشاب .. عن عمره فيما أفناه ..وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه ،وماذا عمل فيما علم ..
الحساب فيه بالذرة ووالله إنه لحساب شديد ذلك الذي سنحاسب فيه بالذرة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) ..
فتأمل عبد الله .. تأمل عبد الله موقفك غداً بين يدي العزيز القهار تنظر أيمن منك فلا ترى إلا ما قدمت .. تنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت .. تنظر امامك فلا ترى إلا النار ..
إنها والله ساعة لا يخفى على الموقنين رهبتها ولا على المتقين شدتها
تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً
والنار تلهب من غيظ ومن غضب
المشركون غداً في النار يلتهبون
مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
على العصاة وربّ العرش غضبانا
والموحدون بدار الخلد سكانا
فتخيل نفسك عبد الله إذا تطايرت الكتب ، ونُصبت الموازين ، (وعُرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً )..
فتخيل نفسك عبدالله إذا نوديت باسمك على رؤوس الخلائق : أين فلان ابن فلان ! .. فلان ابن فلان..استعد للعرض والوقوف بين يدي الله ! وقد وُكلت الملائكة بأخذك فساقتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك إذا عرفت أنك المراد بالدعاء .. تخيل إذا قرع النداء قلبك فعلمت أنك أنت المطلوب فارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك .. تُخطى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت في أيدي الملائكة قد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك أين يراد بك .. فلا إله إلا الله إذا وقفت بين يدي ربك ليس بينك وبينه ترجمان ، في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولامخبأة أسررتها وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل وقلب منكسر والأهوال محيطة بك من بين يديك ومن خلفك .. فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها ، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها أبداها وأظهرها ، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أمَلك فيه عظيماً .. فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت في طاعة ربك .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه عليه وسلم : يدني الله العبد منه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه – يعني ستره – فيقرره بذنوبه حتى إذا ظن العبد أنه هلك ..اسمع بارك الله فيك ..اسمع رعاك الله .. فإذا كان ممن تاب وسلك طريق الهداية قال الله له بعد أن قرره بذنوبه : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم ، فيُعطى كتابه بيمينه ، فينطلق بين الملأ فرحاً مسروراً ضاحكاً مستبشراً يقول بأعلى صوته ( هاؤم اقرأوا كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه ، فهو في عيشة راضيه ، في جنة عاليه ، قطوفها دانيه، كلوا واشربوا هنئياً بما أسلفتم في الأيام الخاليه ) ( وجوه يومئذ مسفرة ، ضاحكة مستبشرة ) ..
لكن قل لي بالله العظيم كيف لو كان ممن سلك طريق الغواية وجاءته النهاية بلا توبة ولا أوبة .. يقرره الله بذنوبه ثم يقول الجبار :يا ملائكتي خذوه ومن عذابي أذيقوه فلقد اشتد غضبي على من قل حياءه معي .. فيؤتي كتابه بشماله ،فيخرج إلى الملأ وهو يقول : ( يا ليتني لم أوت كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه ، يا ليتها كانت القاضيه ، ما أغنى عني ماليه ، هلك عني سلطانيه ) ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ، ترهقها قترة ، أولئك هم الكفرة الفجرة )
فأي مصير تريد ؟! ..أي مصير تريد ؟! ..
اسلك طريق الهداية وتجنب طريق الغواية .. استعن بالصبر والصلاة .. اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم .. لا تحزن لقلة السالكين ولا تغتر بكثرة الهالكين .. أسهر ليلك بالقرآن والقيام .. واقطع نهارك بالظمأ والصيام .. صم في دنياك عن الشهوات والمعاصي والمنكرات ، وأفطر يوم تلقى الله وتنادى إلى جنة عرضها الأرض والسماوات ..
جعلنا الله واياكم من اهل الجنان
وصلى الله على سيدنا محمد