الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين
أخيتي الغالية ... السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته
حينما ينعم الله عزوجل على عبده بالتوبة فإنه بذلك ينعم عليه برحمة من رحماته سبحانه وتعالى لينير بصيرته ويملأ دربه بنور الإيمان وتستشعر نفسه الطمأنينة والأمان حتى تكاد روحه تطير من سعادة لا توصف كيف لا وقد تابت عم كان يصدأها من الذنوب والمعاصي فلكم تورث تلك الذنوب الهم والغم لصاحبها ولكم تطبع على قلبه حتى يغرق في بحر الغفلة
نعم إن المسلم أخيتي الغالية لينعم بشيء من الهدوء والسكينة إن عاد وتاب وعرف طريق الحق وسلك درب الهداية ... فالمؤمن من يحافظ على تلك النعمة .. تلك الرحمة التي أحاطت به من كان بعيدا عن الله عز وجل ... لابد من التقرب لله عزوجل بكل عمل يرضيه عنك حتى وإن لقيتي أخيتك بوجه طلق ...
في المقابل يا من أنعم الله عليك بالتوبة لابد من تمحيص لهذه التوبة لا بد من المرور بابتلاءات ليختبر سبحانه وتعالى قوة إيمانك فمن الابتلاء بالصحة إلى الابتلاء بقلة المال وحرمان نعمة الذرية فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني
وهناك أعظم ابتلاء أن يكون الابتلاء في الدين أن تعترضك الفتن يمنة ويسرة فالصبر واحتساب الأجر عند الله عزوجل وتحصين النفس بذكر الله عز وجل ومخافته ومراقبته في السر والعلن هنا يكمن الإيمان الحق
يقول الله عزوجل :: ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )
فمن فتن الشبهات إلى فتن الشهوات وفقد شرح هذه الآية الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في كتابه ( تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن ) حيث قال فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل ، ويدفعها بما معه من الحق
وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله ، يعمل بمقتضى الإيمان ، ويجاهد شهوته ... دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا ،
وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات
دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه ..... انتهى كلامه
وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد ... فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه : أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه " انتهى
ولا أختلف معك أخيتي الغالية في أن الصبر كأس مذاقه مر كالعلقم صعب الاحتمال ندُر من يقواه لكن من يطمع في حسن العاقبة فكل شيء يهون وكل ما كان صعب ، ومر ، وندُر .. يصبح يسيرا ومذاقه حلوا ... نعم أخيتي حينما تستعشرين لذة الصبر على الابتلاء والله حينها تستشعرين السعادة وأنت في قمة الحزن هنا ... الصبر الحق على الابتلاء ،،، هنا يكتمل الإيمان
يا غالية ما ابتلاك الله عزوجل إلا لأنه يحبك يريد أن يسمع مناجاتك ... يريد أن يرى دمعاتك حينما تدعينه وتبكين ،،، يريد أن يفاخر بك بتذللك له وخضوعك ،،، يريد أن يراك وأنتِ تلتجئين له وحده لا لخلقه حينها أنتِ في قمة السعادة حينما تنفردين في ظلام الليل وكل قد نامت عينيه عن ركعتين في آخر الليل ليبث المرء شكواه لخالق السماوات والأرض هنا يا غالية يكتمل الإيمان والله إنها لكلمات صادقة ومشاعر طاهرة تلك التي تستشعرينها إن فررتي لله عزوجل وحده
ولله در القائل
يـــا صـــاحب الهمِّ إنَّ الهــم منـفـرجٌ
أبشِر بخيرٍ فــــــإنَّ الفــــــارج الله
اليــأس يقطـع أحيــاناً بصــاحبــــه
لا تيــأسنَّ فـــــــإنَّ الكــــافي الله
اللـه يُحدِث بعــد العســــر ميســـرة
لا تجـــزعــــنَّ فــــإن القاســم الله
إذا بُـــليـت فثِـقْ باللـه وارضَ بـــــه
إنَّ الذي يكشــــف البلـــوى هـــو الله
واللهِ ما لكَ غير الله مـن أحــــــــــدٍ
فحسبُك الله في كــــــــــــلٍ لك الله
[align=center][/align]
أسأل الله العلي القدير أن يرحمنا ويتوب علينا ويرزقنا الصبر على الابتلاء وأن يكون فرجا من عنده كالدواء الذي يدواي العلل ... اللهم آمين
أختك في الله
نوري