هي أكف حانية.. أعين ساهرة.. أم رؤوم وأب عطوف.. يحز في نفسها أن ترى أبناءها يتجرعون السم من أيدي ضعاف النفوس, ويكدر نفسها أن تضيع زهرات أعمار شبابنا فيما لا يفيد, ويضيق صدرها وهي ترى الصلاة تقام ورجل واقف مكانه لا يتجه للمسجد, ويثير غيرتها على أعراض المسلمين رؤيتها لبنات المسلمين وهن يوجدن بلباسهن المتبرج في مركز تجاري أو مطعم ما في وقت غير مناسب أو بلا محرم أو بلا أدب, بل بتبرج فاضح, ويثير حميتها رؤية الشباب المستهتر وتهافتهم على المعاكسات والنيل من أعراض نساء المسلمين.. نعم هي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثاب الله القائمين عليها.
إنها هيئة للتعديل والتقويم والإصلاح, ليست عدالة جائرة ولا نظاما مفروضا لم يرد واضعه إلا المعاقبة, بل هي أسمى من ذلك بكثير, إنها هيئة بنيت على أحكام الكتاب والسن ة, فما هو مأمور به تأمر به, وما هو منهي عنه تنهى عنه, وضعت نصب أعينها قوله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون )[آل عمران: 110], وقوله صلى الله عليه وسلم : ؛ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره, ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن, ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل«.
هذه الهيئة عندما وضعت سفينة النجاة شعارا لها وطوقت جيدها بقوله تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ )[آل عمران: 104], لم تكن تمزح ولم تكن أهدافها فراغا , بل كانت وما زالت كالقائد الذي يقود دفة الأمة إلى بر النجاة وأكرم به من بر, حيث الأعراض مصانة والخمور مراقة والمعاكسون مقو مون والأمن مستتب ولا متخلف عن الصلاة أو تارك لها..
واسألوا من وقع في قبضة رجال الهيئة, وأنا أتحفظ على استخدام مفردة قبضة, لأن القبضة عادة تطلق على القوي بظلم, ذي البطش غير المأمون تجاوزه الحد في العقاب, والهيئة بعيدة عن ذلك فهي تستعمل الإصلاح بالدرجة الأولى وتطبق حدود الله دون هوادة مع من يستحقها, فهي هيئة تقويمية وليست سجنا .. نعم اسألوا من وقع في أيديهم من الفتيات وهم على حال منكر.. كيف انتشلوهن من بحور الظلمات.. كيف صانوا أعراضهن.. كيف أنقذوهن من براثن الذئاب التي لا ترحم. لم ينهوهن عن تبرجهن في الأسواق تعد على حرية شخصية أو تحكما بهن, بل صيانة لهن وحفظا لهن وتحقيقا لأمر سماوي ومصلحة عليا لا يخطىء في الوصول إليها متأمل.. وكذلك اسألوا الشباب كم تائب تاب على أيديهم وكم ضائع اهتدى بسببهم - بعد الله - وكم حائر أخذوا بيده إلى الطريق القويم.. كم مدمن للخمر ضربوا على يديه حفاظا على دينه وصحته.. وكم من تارك للصلاة أرجعوه إلى حظيرة الدين.. كم من معاكس أوقفوه عند حده ومنعوه من اللعب بأعراض الناس, وكم من متشبه قوموه وأرشدوه , كم من فرد كان على شفا الوقوع في الفاحشة والهاوية فوجد رجال الهيئة له بالمرصاد. كم مروج للأشرطة الفاضحة والسموم وقع في أيديهم فمنع شره عن فتيان كثر.. كم وكم..
ألا تروهم في الأسواق وفي أماكن التجمعات آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.. أهم ينتظرون مكافأة وجزاء? يكفيهم المكافأة التي وعدهم بها القائل: ؛من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا « وحسبك أن تنتشي فرحا وأنت ترى كيف تبدأ بعض النساء هداهن الله بإصلاح غطائهن عندما يسمعن بقرب وصول رجال الهيئة إلى مكان ما في سوق أو مكان عام, ويكفيك أيضا ما تراه من خوف بعض أصحاب المحلات عند الأذان ومسارعتهم لإغلاق المحلات, قد تختلف نيات هؤلاء, ولكن المتفق عليه أن لرجال الهيئة هيبة واحتراما أينما حلوا وفي نظر حتى أصحاب المعاصي ولو أبدوا غير ذلك, لأنهم على حق ويدعون إلى حق وبالحق مساندون وله مساندون!! وعجبا لمن تناول أفرادها سبا وتأثيما , وتعرض لهم قذفا وتلفيقا وحسبه من الإثم أن يقف في طريق من يأمر بحدود الله ونهى عن محارمه وإذا قيل أنها تتعدى على خصوصيات الناس وحرياتهم الشخصية, فنقول أي حرية في التعدي على حدود الله ومحارمه.. أي حرية في التعرض لأعراض المسلمين.. أي حرية في العبث بفتيات الأمة.. أي حرية في شرب الخمر والمتاجرة بها.. أي حرية في التبرج والسفور وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين.. أي حرية في التشبه بالنساء وإضاعة حقوق الله والتعدي على محارمه.. نعم أي حرية هذه? إن الحرية الشخصية لها حدود مقيدة بالكتاب والسن ة ونحن نقرأ قوله صلى الله عليه وسلم : ؛كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه« وإلى متهمي الهيئة بالتعدي على الحرية الشخصية نسوق قوله صلى الله عليه وسلم : ؛مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم« نعم.. لهذا وذاك كان يجب أن يكون هناك من الأمة من يقوم بهذا الدور المهم.. الضرب على أيدي المفسدين وثني الضالين عن ضلالاتهم. وليقل من قال وليبع من باع, وليكتب بقلمه من كتب.. فهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هيئة أساسية في كل منشأة, لا تقبل المساومة على أهدافها ولا تخاف في الله لومة لائم.
لك أن تتصور كيف يتحول حال الأمة إذا تصرف كل فرد فيها على هواه وأتى من المحارم ما أراد ومتى شاء, كم من الأعراض ستنتهك.. وكم من الأمانات ستضيع.. وكم طاقات للشباب ستستنزف.. وكم هو الوقت المهدر من عمر هذه الأمة القصير آجال أصحابها سيكون.. ولك أن ترى حال بعض الدول التي ظلمت نفسها بتركها هذا الواجب وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما جهلا أو تجاهلا , انظروا كيف يعانون ومن تحت الأنقاض يصرخون ويطالبون بالأمان ولا أمن, يطالبون بصون الأعراض.. يطالبون بوقف نزيف تضييع الدين ولكن لا فائدة, فالحمد لله الذي قيض لنا تحقيق هذا الواجب وألهم رجالا مقتدرين على حمله بأمانة, ففي كل وقت تراهم يجوبون الأحياء بحثا عن معروف يؤمر به ومعصية ينهى عنها, قد يقوم بعضهم بهذا الواجب على حساب نفسه, وأكثرهم متطوعون وما زلنا نستشرف أن ينضم المزيد والمزيد من رجال الأمة الصالحين ونسائها إلى ركب هذه الهيئة المنصورة بإذن الله التي تتبع اسما ومضمونا سياسة دولتنا الرشيدة المبنية على الحكم بالكتاب والسنة وتجد منها كل دعم وتعزيز, ومع توسع المدن وأحيائها وزيادة أعداد المراكز التجارية والصروح المختلفة وقوة التيار الخارجي المنحرف المحرق عبر وسائل الإعلام المختلفة, كان لزاما على الهيئة أن تتوسع وتزيد من فروعها ورجالها حتى يكون في كل بقعة مركز إشعاع يشيع نورا وهدى وحقا ..
أخي في الله.. لتتعاون مع هذه الهيئة في تحقيق الخير للأمة, فالتعاون على البر والتقوى أمر واجب مطلوب مقترن بواجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فلا تقصر في التبليغ عن أي مخالفة شرعية في بضاعة أو متجر أو فرد أو منشأة, وتذكر أن هذا من النصيحة والدين النصيحة, فلنتعاون نساء ورجالا في تحقيق هذه الخيرية التي اختصنا الله بها, وتذكروا أنه كم من أب أوقظ من غفلته وكم من أم ذكرت بمسؤوليتها وكم من أخ أوقظ من نومه العميق وكم من عائلة شتت شملها ونالت الأمرين واستيقظت على فاجعة كانت تحاك من تحتها وهي لا تدري, فلنسهم معا في منع الضرر قبل أن يقع ولنحقق معا شعار سفينة النجاة فنحمل أمتنا إلى بر النجاة ودنيا الأمان.. لماذا ننتظر حتى تقع الجريمة لماذا ننتظر حتى ينتشر الفساد.. لنسهم قبل استفحال الضرر وقبل أن لا ينفع معه العلاج ولا يجدي معه حتى العقاب.
وأخيرا جزاكم الله خيرا يا رجال الهيئة.. وبارك الله في جهودكم أيها المحتسبون, اصبروا وصابروا ورابطوا, واحتسبوا الأجر عند الله فحسبكم دعوة أم لكم بالسداد بعد أن أنقذتم ابنتها من غائلة الانحلال, ودعوة أب أنقذتم ابنه من براثن الفساد, ودعوات أسرة سرتم بربها إلى بر النجاة وأنقذتموها من التشرد, والضياع, فكنتم وما زلتم كالأب الذي يتابع أبناءه فيقوم من يخطىء ويرشد من ينحرف وكالأم التي يؤلمها أن يصيب فلذات أبنائها الشر, قد يقابلكم البعض بالنكران والجحود, وقد يتهمكم البعض بالقسوة والجمود, ولكن حسبكم من عملكم دعوة صالحة كما أسلفت وأجركم على الله ولا تسمحوا لمن يثنيكم عن عملكم أن ينال منكم.. سيروا والله يوفقكم ويرعاكم ويسدد على طريق الحق خطاكم.