:: انطلاقة معلم الفضيلة ::
إستمدَّ المعلمونَ طرقَ ووسائلَ التّربيةِ الخُلقِيّةِ
من معلمِ البشريةِ الأول الّذي لا ينطقُ عنِ الهوى والّذي تَربّى الصحابةُ الكرامِ على يَدَيهِ
وهكذا كانَ مربوا الأمةِ يُنشئونَ تلاميذهم على ضوءِ ماكانَ يقومُ بِهِ
رسولُ الله- صلّى الله عليه وسلم-.
فنشأةُ التّعليمِ دينيةٌ قبلَ أن تكونَ أكاديمية، فالأخلاقُ أولاً و العلمُ ثانياً.
وقد كانَ التّابعونَ يتعلمونَ من مشايخهِمُ الأدبَ بالإضافةِ إلى العلمِ الغزير،
فكانت على أيديهم اِنتشارَ الحضارةِ الإسلامية..
فنجدهم يتّصفونَ بأخلاقِ الصّلحاءِ من زهدٍ ، وترفعٍ ، وتعففٍ ، وقناعةٍ ،
فيزهدُ فيما عندَ النّاسِ ، ليطمحَ النّاسُ فيما عندَهُ.
فالمعلمُ هو من أعطاهُ اللهُ القدرةَ على خِطابِ العقولِ
ومعرفةَ أسبابِ الوصولِ إلى المتلقى ،
ولقد أجرى العلماءُ أبحاثاٌ وخرجوا بنتائجَ منها :
أنّ نسبَةَ تأثيرِ الكلماتِ والعِبَارَاتِ في المُستَمِعِ 7 % ،
ونَبراتُ الصّوتِ 38 % ،
بينما تعابيرُ الوجهِ والجسمِ والعيونِ 55 % .
وتاريخُنَا غنيٌّ بمواقفَ رائعةٍ وُصِفَ فيها رسولُ اللهِ- صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-
تارةً بالإبتسامة، وتارةً بالإعراضِ، وتارةً بالغضب، وتارةً بالكراهةِ على وجهِهِ ،
كلُّ ذلكَ وكانَ الرّسولُ- صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- يستخدمُ تعابيرَ الوجه .
ولو قرّبنا المنظارَ أكثر، لوجدنا المدرسة ِالمحمّديّةِ خَرّجت لنا مُختَلفَ التّخصُّصاتِ فمنهم:
- المستشار : أبوبكر وعمر- رضي الله عنهما-.
- الفقيه : معاذ بن جبل كان أعلم أمته بالحلال والحرام
لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه.
- القائد : خالد بن الوليد- رضي الله عن ه-.
- الدعاة : مصعب بن عمير وغيره- رضي الله عنهم- أجمعين.
- التاجر : عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - بالإضافةِ إلى فضائلِِهِ الأخرى.
- القاضي : علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
والّذين ذكرتُهُم لم يقتصر دورُهُم على ما كُتِبَ أعلاه،
وإنّما كانوا خُلفَاءَ في الأرضِ، يَحكمونَ بالعدلِ ويقضونَ بالحق .
هل من بينِ معلمينا اليومَ من يُخرّجُ كلَّ هذهِ القدراتِ من بين تلاميذه ؟!!
سأُخبرُكُم بشيءٍ ستعلمونَ من خِلالِهِ جيداً أنّ الّرسولَ - صلّى اللهُ عليهِ وسلّم -
كانَ يُكَلِّفُ كلَّ تلميذٍ في مدرستِهِ المحمّديةِ بما يُناسِبُهُ،
ولايُكلّفُ أحدًا فوقَ اِستطاعَتِه ،والّسيرةُ شاهدةً على ما أقولُ
وسأذكرُ في نهايةِ الموضوعِ موقفاً شاهدًا على ذلك .
::المصادر التي ينطلق منها معلم الفضيلة::
المصدرَ الإعتقادي لمعلمِ الفضيلة ِهو :
أولاً القرآنُ الكريم ِو السنة ِالنبوية.
- فالقرآنُ الكريمِ :ذلك النّبع الصّافي ،الذي ننهل منه القيم الإسلامية،
لصناعة الأجيالِ الذين يحملون راية الإسلام ِللعالم.
التي تجعلُ الإنسانَ يعطي كل ذي حقٍِّ حقّهُ، ويؤدي واجباتِه ِتجاهَهم .
فعلى المعلمينَ ترسيخَ هذهِ العقيدةِ في قلوبِ التّلاميذ .
فمثلاً يُربّى التلميذُ على خُلقِ الصّدقِ من خلالِ تربيتِهِ على مراقبةِ اللهِ
فالعقيدةُ تعلمُ الطفلَ أو الناشئ أن له هدفاً ورسالة ًفي الحياة ،
وأنّّه لم يوجد عبثاً مما يولّدُ لديه المسؤوليةَ والإنضباطِ والتوازن .
ولذلك لابد من ربط التلميذ بعقيدتهِ لأنها المحور الأساسي ونقطة ُالإرتكاز
لغرس القيم الأخلاقية .
- السنة النبوية : فالسّنة النبوية بيَّنت الجانب النظري، و التطبيقي للقيم الإسلامية،
في واقع المسلمين ، فنجدُ أحاديثاً وردت في فضلِ العلمِ والتعلم،
واحاديثَ وردت في فضلِ حسنِ الخلق ِوالتواضعِ والصّدق ،
فقد جمع بين الجانبين التعليم والتربية.
وبالنسبة للجانبِ العملي والتطبيقي، فيمكننا أن نذكر موقفَ النبي - صلى الله عليه وسلم-
مع الأعرابي الذي بالَ في المسجد، وبعد أن فرغَ من بولهِ،
لم ينهره ،بل أمر صحابته بأن يُريقُوا عليه دلوًا من الماءِ ثم حدثه بلطف
وأخبره بأنّ المساجدَ لا تصلحُ لأمر كهذا .
وهذا أسلوبٌ عظيمٌ في التربية، وأنَّ الرّسول- صلى الله عليه وسلم-
يعلمُ أنّ الأعرابي يجهلُ بالحكمِ فأخبره بلطف .
ثانياً المصدر العلمي:
فالمُعلِم ُمِن خِلاَلِِ تَدْرِيْسِ مُقَرّراتِ الْعُلومِ الطّبِيْعِيةِ يُمْكِن أن يَسْتَثمرَهَا
فِي تَنمِيْةِ الْجَانِبِ الخُلُقِي فِي شَخْصِيْةِ تَلاَميذِهِ،
فََيُمْكنُهُ تَعْمِيْقُ الإيْمَانِ بِاللهِ مِن خِلاَلِِ الأدِلَةِ والْبَرَاهِينِ الْمُسْتَمدةُ مِن الطّبِيعَةِ،
ويُولّدُ لديهِمْ الإتّجَاهَاتِ العِلْمِيْةِ الأخْلاَقِيّةِ مِثل:
الأمَانةَِ، والْمْوضُوعِيةَِ ،والْقَدْرَةِ عَلَى النّقْدِ،
كَمَا تُنَمِّي الرَّغْبةََِ لِتَحْصِيلِ المَعْرِفةِ والإستِفَادَةِ مِنهَا وتَطْبِيقِهَا. (العمرو، 1999، 12)
ثالثاً المصدر الاجتماعي:
ويقصدُ بها عاداتِ المجتمعِ وقيمهِ الأخلاقية .
رابعــاً المصدر التنظيمي (الإداري) .
قوانينُ ولوائحُ المدرسة..
وهكذا أخي المعلم / أختي المعلمة
لاتظن أنّ الدّورسَ العملية َ،أو التجاربَ العملية ،كانت من نِتاجِ الفكرِ الغربي،
بل على العكس ، فقد كان َالمسلمونَ العربَ، هم أولَّ من اِستخدم التجربةَ
للوصولِ إلى النتيجة، وقبل العرب كان القرآنُ الكريمُ الذي كان أول من دعا
إلى التفكرِ والتّأملِ، فذكرَ العديدَ من الآيات التي تدعو إليها،
بل وُسّع َالأمرُ حتى يذكر لنا مواقفَ عمليةً تعليميةً يرشدنا فيها إلى حكمة ِالمعلم،
وصبر المتعلم، وإليكم دروساً عمليةً علميةً نلقي بالظلال الوارفة عليها
في القرآنِ الكريمِ لننعمَ بظلهِ ونأكل من ثمرهِ، وهو الثمرُ الطيبُ الذي لا يبلى .
الموقف الأول من القرآن الكريم :
- الخضر عليه السّلام مع سيدنا موسى عليه السلام، وكيف أنه علّمَ موسى الصّبرَ
وقتَ طلبِ العلمِ في مواقفَ عمليةً دون أن يَذكُرَ له فضلُ الصبرِ،
أو فضلُ مساعدةِ الناس، وذلك أنّ موسى عليه السلام كان نبياً وعالماً ،
ولايخفى عليه الفضل فاختار الأسلوب التدريسي ،
أو التعليمي اللائقِ لموسى عليه السلام وأدخله في مواقف عملية .
- فكان موقفُ السفينة، وكان موقف الجدار، وكان موقف الغلام.
فاعقلها أيها المعلمُ المسلم، وسر على منهج الخضر وعلّم.
الموقفُ الثّاني من الّسنةِ النبوية :
أنّ الّنبي- صلّى اللهُ عليهِ وسلّم -قالَ لأبي بكر: متى تُوتِر ؟
قال : أوتِرُ ثمّ أنام ،قالَ بالجزمِ أخذت
وسألَ عمر فقال: متى تُوتِر؟
قال :أنامُ، ثمّ أقومُ من الليلِ فأوتِر،
قال: فعل القوي فعلت
ولم يَعتَب النّبي- صّلى اللهُ عليهِ وسلم- على أبي بكر، لأنّهُ يُصلّيها قبلَ نَومِه،
ولكنّهُ نظََرَ إلى قُدُرَاتِ أصحابِهِ فأثنى- صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-
على أبوبكر وأثنى على عمر- رضي الله عنهما -.
وهذا مثالٌ واضحٌ يُبَينُ لنا كيفَ كانَ النّبيُّ عليهِ الصّلاةُ والسّلام
يعاملُ كلَّ أحدٍ باستطاعَتِه .
وفي الختامِ نقول :
هي دعوةٌ، أن نعيشَ دينَنَا وشعائِرَنَا في كلّ مكانٍ ،
في البيتِ، وفي المدرسةِ،و في المكتبِ ،و في الشارعِ، وفي كلِّ مكانٍ،
ولن يُفلحَ قومٌ قدّموا قوانينَ البشر على قوانين ربِّ البشر .
قم وبادر بما كانَ عليهِ حبيبنا - صلّى اللهُ عليهِ وسلّم -
امضِ فيقينُكَ بالله ،وسَتنجحُ لأنّ التّوفيقَ فقط مِنَ اللهِ وكَفَى ..
...
بعض النقاط مأخوذة بتصرف من ورقة الأستاذ أحمد الغامدي
" أخلاقيات مهنة المعلم المسلم وأثرها في التربية الخلقية للفرد والمجتمع"