الخالق يتجلى والملحدون يتخبطون
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا
أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية سابقاً
يحلم الدارونيون والملحدون أن ينتزعوا الإيمان بالله الخالق العليم الخبير مدبر الأمر من نفوس المؤمنين الموحدين، لذلك نراهم يحاولون محاولات مستميتة في إثبات إمكانية خلق جزئ حيوي ودب الحياة فيه، وهذه المحاولات بدأت منذ أن ظن الفلاسفة أنهم قادرون على تحويل التراب إلى ذهب، ووجدوا أن الأمر في منتهى الصعوبة، والأمر مستحيل مع الكائنات الحية، فقد ينجح الإنسان في تكوين جزئ بروتين من خاماته الأولية كما فعل (ميلر) منذ عشرات السنين، وقد يستطيعون بناء غشاء صناعي شبه منفذ، وقد يستطيعون بناء بعض القواعد النيتروجينية كالموجودة في جزئ الحمض النووي (DNA) , وهذا أمر وارد وغير متعذر , ولكن المستحيل والمتعذر أن تدب الروح في هذا الجزيء، وأن تجعل الغشاء الصناعي شبه المنفذ تجعله اختياريا إراديا كما هو الحال في غشاء الخلية الحية الذي يختار ما تحتاج إليه الخلية من الوسط الخارجي ويدخله إلى الخلية ضد ممال التركيز، لأن هذه العملية تحتاج إلى خلية حية وطاقة حيوية والدليل على ذلك أنه بمجرد موت الخلية الحية يفقد الغشاء الخلوي النفاذية الإختيارية فتدخل المركبات والمواد إلى الخلية وتخرج منها من دون حسيب أو رقيب من الخلية وتموت الخلية، وهذا ما تفعله المطهرات والمعقمات الكيمياوية وغيرها فإنها تعمل على إتلاف النفاذية الإختيارية لغشاء الخلية الحية فتموت الخلية.
لذلك نحن لا ننبهر من خلق الجزيئات وتكوينها، ولا نشك في عقيدتنا عندما يفعل الباحثون ذلك , ففي تاريخ علوم الحياة آلاف التجارب القادرة على فعل ذلك فمضادات الحيوية الصناعية تقليد لمضادات الحيوية الناتجة من الكائنات الحية، والروائح الصناعية تقليد للروائح الحيوية التي ينتجها النبات والحيوان والكائنات الحية الدقيقة، ولذلك يقول الله تعالى: (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}) (المؤمنين/14).
فالخلق الآخر هنا هو دب الروح في الجنين وهذه هي العملية الفاصلة بين خلق الله أحسن الخالقين وبين خلق البشر للأشياء والمركبات والجزيئات الكيمياوية والفيزيائية، وقد فطن علماء الخلية لهذه الحقيقة العلمية منذ فجر التاريخ الحقيقي في مجال علم الخلية فقالوا: (إن الحياة لا تتولد إلا من الحياة) يعني لا نستطيع دب الحياة والروح في أي جزئ ميت إلا إذا أخذناه من خلية حية، كأن تولد نوعا جديدا من البكتيريا بخلط جينات أنواع مختلفة منه، ومن دون استخدام الخلية الحية لن يستطيع أحد أن يدب الحياة الحقيقة في أي جزئ ميت، هذه بدهيات العلم وأسس علم الأحياء التي دَرسناها ودرّسناها لطلابنا عشرات السنين , والتي عملنا وتعاملنا معها في بحوثنا في مجال الكائنات الدقيقة عشرات السنين لتخليق جزيئات حيوية ومضادات للحياة جديدة من الكائنات الحية الدقيقة.
أما قول المرجفين كما ورد في مقال لأحد الشيوعيين نقلا عن الدكتور (فينتر) : (كثير من الناس يستنكرون مثل هذا المخطط لأنه الخطوة النهائية للعلماء ليلعبوا دور الإله) انتهى , هذا كلام لا يمت للعلم بصلة فهل مجرد ترتيب محتويات القواعد الوراثية (الأدنين والجوانين والثيمين والسيتوسين) هي الخطوة النهائية ليلعبوا دور الإله؟ أنظروا إلى الجهل في كلمة (الخطوة النهائية) إنه التدليس العلمي فبدلا من أن يقول هي الخطوة الأولى يقول هي الخطوة النهائية، الله سبحانه وتعالى يتحداهم ويعجزهم ويقول لهم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ{73} ) (الحج/73).
و( لَن ) في الآية السابقة جازمة وقاطعة فالذين يظنون من الشيوعيين العرب أنهم سيحفظون عليهم ماء وجوههم بعد فشل الشيوعية الإلحادية لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له من كل أنحاء العالم، لم يقل الله لن يخلقوا جزيئا ولكن قال ذبابا تدب فيه الحياة ويتوالد بالجزيئات الوراثية وهذا التحدي قائم إلى يوم الدين في كتاب الله، الله سبحانه وتعالى يتحداهم أن يخلقوا ذبابا ونحن نتحداهم أن يخلقوا ذبابا لأننا نثق في الخالق وفي كتاب الله المعجز وفي حدود المخلوق وقدرة الخالق سبحانه وتعالى. اسمعوا إلى الكلمات غير العلمية الواردة في مقال أحد الشيوعيين العرب الذي يحاول زرع الشك في نفوس الناس أن للكون خالقا عليما خبيرا مدبرا قال: (ولنقرأ معا على سبيل المثال بعض ما جاء في المجلات والدوريات العلمية والانترنت) وعندما نقرأ الهوامش التي استند إليها الكاتب تجد العجب العجاب وهو الغياب شبه التام للمجلات والدوريات العلمية وقد ذكر موقع BBC وجرائد الجارديان والعلم اليومية وكلها مصادر لا ترقى إلى مستوى المصادر العلمية المحكمة والمعتمدة في عالم العلوم.
أما محاولته الإيهام بأن نظرية التطور صحيحة فيكفي أنها منذ عشرات السنين لازالت وستظل نظرية حائرة تبحث عن دليل علمي ويلفق لها أنصارها الأدلة ولكن للأسف ولدت هذه الفكرة ميتة، وقد ماتت منذ زمن بعيد، ومحاولة إلباسها ثوب العلمية محاولة أخرى فاشلة فالنظرية تقوم على المصادفة والعشوائية في الخلق والتطور بالطفرة (وهي عشوائية أيضا).
والانتخاب الطبيعي وهو خرافة فلسفية والجزيء الوراثي DNA قائم على الحكمة والتدبير والإتقان والتنظيم والإبداع، وهي صفات في حد ذاتها تقضي على نظرية المصادفة والعشوائية الداروينية وهذا ما فندناه منذ ثلاثين عاما في كتابنا (نظرية التطور بين المؤيدين والمعارضين) وما فندته أيضا عشرات الأدلة والكتابات العلمية
الداحضة لنظرية المصادفة والعشوائية الداروينية.
يقول الكاتب الشيوعي إن الباحثين يقولون: (نحاول خلق نظام جديد للحياة) وعندما نقرأ كل المحاولات الواردة في المقال نجدها محاولات تقليد فاشلة لجزيئات الحياة مثل الجزيء الوراثي والريبوسومات والأغشية الخلوية والتكاثر الحيوي وكلها موجودة في الحياة منذ بدء الخليقة فأين نظامهم الجديد في الحياة؟ وقد امتلأ المقال بكلمات: (محاولات، يعتقدون، نحاول) وكلها عبارات غير علمية وغير قاطعة.
أما تهليل الكاتب بقول الباحثين بكلمة تركيب نفسها بنفسها في الريبوسومات وقال:
(لاحظوا: نفسها بنفسها أي من دون تدخل أي قوة ميتافيزيقية خارجية)
وإذا كان الكاتب لا يؤمن بوجود خالق عليم خبير مدبر للكون فعليه أن يعلم أننا نؤمن بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والجنة والنار والموت والبعث والحساب وكما قال تعال: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ{78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ{79}) (يس/77-79) ثم يتبع الله تعالى الآيتين السابقتين بحقيقة علمية غاية في الإعجاز والإبداع فقال سبحانه: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ{80} أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ{81} إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{82} فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{83}) (يس/80-83).
وقد أثبت العلم الحديث أن الخضر أو اليخضور أو الكلوروفيل في النبات هو المصدر الحيوي للنار على الأرض , وفي هذا إفحام علمي للدارونيين والشيوعيين ولكن أكثرهم لا يعلمون. مازلت أتحدى كل الشيوعيين والملحدين أن يأتوا بدليل علمي واحد وقاطع يثبت نظرية التطور، والتحدي مازال قائما بإذن الله، لا نريد نظريات ولا نريد محاولات وفلسفات ولكن نريد أدلة علمية قاطعة , ومطلوب أيضا أن يلزم كل كاتب تخصصه وما يفهم فيه حتى يكون علميا يفهم حقيقة ما يكتبه، أما محاولات النقل الأعمى من المواقع الالكترونية من دون خلفية علمية أكاديمية يغرق الإنسان بها بين الغث والسمين، والعلم والخرافة والصحيح والخاطئ، فهذا لا يليق بأهل العلم والعلماء , والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحذرنا من ذلك فيقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من الناس ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم والترمذي.
فالذي يتكلم في غير تخصصه العلمي الدقيق وبغير علم ودراية ضال ومضل وفي الحديث السابق تقدير للعلماء والعلم والتخصص ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فمتى نتعلم ألا نكتب إلا فيما نفهم، ولا نعلم إلا ما نتقن؟!