*هل من منهج السلف التشهير بالولاة على المنابر؟
ليس كذلك، فلا يجوز التشهير على المنابر للأفراد ولا للجماعات، ولا ذكر الأسماء على رؤوس الأشهاد، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يذكر أحدًا باسمه على المنبر، بل كان يقول: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا"، وكقوله: "من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي" فالتشهير بالولاة أو بالأفراد فيه من المنكر: إثارة الفتن وحصول المعاصي، واضطراب الأمن، فعلى الخطباء أن يقتصروا على ذكر المنكرات وتفنيدها، والرد عليها ردًا مقنعًا، وإذا استدعى الأمر ذكر الأفراد فيكون ذلك من باب النصيحة، كما فعل ذلك العلماء في كتب الجرح والتعديل.
نصيحة ولاة الأمر
*ما الطريقة الشرعية لنصيحة ولاة الأمور؟
حيث إن ولاة الأمور من أهل الإسلام ويظهرون الدين، فإنهم يقبلون ويتقبلون النصائح والتوجيهات، فالطريقة السليمة الاستئذان عليهم وإخبارهم بالمقصد الذي يريده الناصح، ثم بعد ذلك يستعمل معهم الرفق في الأمر كله ويرشدهم إلى ما هو الطريق الأمثل، ويبين لهم أن الواجب عليهم قبول النصيحة والفرح بها إذا كانت حقًا، ويتقبل ما يعتذرون به ويناقش بهدوء وبطمأنينة، وبذلك تقبل نصيحته، ولا يجوز له الإنكار بشدة إذا لم يكن هناك عناد ورد للحق، فإن الشدة تكون منفرة وغير مؤثرة واللّه أعلم.
السمع والطاعة
*ما الرد على من يكفر الوالي لإقراره بعض العهود والمواثيق الدولية والاشتراك في المنظمات الدولية؟
نقول إن أمر التكفير ذنب كبير، لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: "من دعا مسلمًا بالكفر أو قال عدو اللّه وليس كذلك إلا حار عليه"، فلا يجوز تكفير المسلمين، سواء ولاة الأمر أو الأفراد الدولة، ولا يسوغ التكفير بالعهود والمواثيق الدولية، فقد اتفق النبي صلى اللّه عليه وسلم مع قريش على العهد وترك الحرب عشر سنين، وقد أمر اللّه تعالى بالوفاء بالعهود بقوله تعالى: فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم (التوبة: 4)، وبقوله: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا (الإسراء: 34)، فولاة الأمر إذا رأوا مصلحة في المعاهدة مع الكفار والمواثيق معهم لأمن البلاد، وكف الشر والعدوان حتى يقوى المسلمون ويقدروا على قتال الكفار، فإن لهم ذلك، ومن كفّرهم بمثل هذه العهود رجع الكفر إليه والعياذ باللّه، وهكذا يجوز الاشتراك في المنظمات الدولية، لما في ذلك من المصلحة من كف الشر وجلب الخير الذي يظهر أنه من المصالح للدين والدنيا.
فتاوى الفضائيات
*ما نصيحتكم لمن تأثر بالقنوات والمواقع المنحرفة في الإنترنت التي يدعو أصحابها إلى نقض البيعة؟
لاشك أن هذه القنوات يتولى بثها من يقصدون الخير أو يقصدون الضرر والشر، وهكذا الذين يبثون في الشبكة العنكبوتية شبهات ومقالات ابتكروها وزوقوها بصياغة بليغة، يعتقدها بعض الجهلة أدلة قوية، فلأجل ذلك ننصح المسلم الذي يريد نجاة نفسه أن يبتعد عن هذه القنوات وتلك المواقع المنحرفة التي تدعو إلى نقض البيعة وشق العصا وخلع اليد من الطاعة، وفي ذلك منكر كبير ومفسدة عظيمة، والواجب على المسلم أن يسمع ويطيع، فقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه: "أوصيكم بتقوى اللّه، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي" وقال لأصحابه: "اسمع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك" وكان يحث على الالتزام بجماعة المسلمين، وترك الخروج على الأئمة وولاة الأمور، وبذلك تجتمع الكلمة وتتوحد الصفوف وتقوى معنويات الأمة.
قضية التكفير عند أهل السنة
*نريد منكم فضيلة الشيخ شرحًا لتفريق أهل السنة في الكلام على الفعل والقول بأنه كفر، وبين قيام هذا الفعل بمكلف هل يكفر أو لا؟
لاشك أن هناك فرقًا بين الأقوال الكفرية والأفعال المكفرة، فإن أهل السنة لا يكفرون إلا إذا كان الفعل أو القول مجمعًا على تكفير صاحبه، وعذرهم في الأفعال أوسع من الأقوال، فالأفعال مثل معاهدة الكفار لوجود مصلحة أو حذر مفسدة بعقد الهدنة حتى يتقوى المسلمون، فيعودوا إلى قتال عدوهم بتمام مدة تلك الهدنة، لقول اللّه تعالى: إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم {التوبة: 4}، وكذلك من الأفعال: التساهل في العفو عن بعض الظلمة، وترك بعض الحدود لمصلحة ظاهرة، والتساهل في شرب الخمور، وسماع الأغاني، وأما الأقوال فإنه يتشدد فيها، وذلك أن من صدرت منه كلمة كفر ولم يكن له عذر ولم يكن جاهلاً فإنه يحكم بكفره، كمن سب اللّه تعالى أو جحد ربوبيته أو ألوهيته، أو سب النبي صلى اللّه عليه وسلم وتنقصه، أو سب القرآن وادعى أنه مفترى أو أنه قول البشر، أو سب عبادة من العبادات المشروعة، وأنكر فرضيتها كالصلاة والصيام، وهكذا من أعلن البراءة من المسلمين وفضل عليهم الكفار، فعرف بأن القول الظاهر يكفر به ولا يكفر بالفعل إلا بعد إقامة الحجة، وحصول الامتناع عن العبادات الواجبة، وعن ترك المحرمات، بحيث يظهر أنه يستحل الحرام ويستحل ترك الفرائض، فهذا هو الذي يحكم بردته ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
لا يجوز تكفير المعين
*هل يجوز تكفير المعين؟
لا يجوز أن يكفَّر إنسان بعينه إذا كان على قيد الحياة، لأننا لا نعلم ماذا يختم له به، ولكن نخبر بأن عمله كفر، وأن أعماله يخرب بها الإسلام، ويعلن سب الدين وأهله أنها أعمال كفرية، فإذا مات وهو على الكفر والعناد فإنه يُكفَّر ويدعى عليه كما يدعى على الكفار بالسب واللعن والبراءة منه.
لحوم العلماء مسمومة
*ما الرد على من يرى أن غيبة العلماء والولاة من باب النهي عن المنكر؟
الغيبة محرمة كما قال تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضا (الحجرات: 12)، بل يجب النصيحة للعلماء وولاة الأمر إذا لوحظ عليهم شيء من المنكرات، ولا يجوز عيبهم وتنقصهم في المجالس، فإن لحوم العلماء مسمومة، لأنهم محل ثقة من الخاصة والعامة، فإذا لوحظ على بعضهم معصية، فإن الواجب نصيحتهم سرًا وستر ذلك عليهم، فالمؤمن يستر وينصح، والمنافق يهتك ويفضح. واللّه أعلم.
أصحاب المناهج المنحرفة
*ما نصيحتكم لمن ترك التلقي عن علمائه وتلقى الأفكار من أصحاب المناهج المنحرفة؟
ننصح طالب العلم أن يتزود من العلم الصحيح وهو علم الكتاب والسنة، وأن يأخذه عن العلماء الربانيين الذين حفظ اللّه بهم شريعته، فإنهم محل ثقة بما ائتمنهم اللّه عليه، وقد أمروا بالبيان، ونهوا عن الكتمان، فلا يجوز العدول عنهم، ولا يجوز الأخذ عن أصحاب المناهج المنحرفة، الذين يتمسكون بظواهر الأدلة، ولا يتفكرون في عواقب الأمور، ولا يعرفون الحكم والمصالح التي شرعت لها الأعمال الصالحة، والتي تترتب على فعل المنهيات، فمثل هؤلاء ليسوا قدوة فيما يقولونه أو يفعلونه لنقص تفكيرهم، وعدم معرفتهم بعواقب الأمور.
^^احذروا هؤلاء^^^
*ما نصيحتكم للذين يتلقون الفتاوى من كل ناعق، ومن الذي يحق له أن يفتي؟
لاشك أن الفتوى في الأحكام تعتبر تشريعًا وتحليلاً أو تحريمًا، فلا يجوز لكل من عرف حكمًا ولم يعرف الحكمة فيه أن يفتي فيه بحِل أو حرمة، ولذلك فإن العلماء يتوقفون كثيرًا عن الفتاوى في كل الحوادث، لقول اللّه تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب (النحل: 116)، وفي الحديث: "من أفتي بغير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه"، وقد اشترط العلماء فيمن يحق له الإفتاء في العموم أن يكون كامل المعرفة بالكتاب والسنة، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، والعام والخاص، وما أشبه ذلك.
^^خصوصية هذه البلاد^^^
*هل يجوز تكفير ولاة الأمر بحجة بعض الكبائر؟
لا يجوز ذلك، فإن ولاة الأمر يتولون البلاد ومصلحة البلاد، ويذودون عنها، ويقاتلون من اعتدى على كيان المسلمين، ويحفظون البلاد وأهلها من كيد الكائدين، ويقيمون الحدود فيقتلون القاتل ظلمًا إذا تمت الشروط، ويرجمون الزاني أو يجلدونه الحد، ويجلدون شارب الخمور ونحوها من المسكرات، ويقطعون يد السارق، ويقتلون الساحر والمرتد، فبهم يدفع اللّه البلاء عن البلاد الإسلامية، ولا يجوز تكفيرهم لمجرد وجود بعض الكبائر منهم أو في مجتمعهم، فإن اللّه تعالى يدفع بهم ظلم الظالمين كما قال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض {البقرة: 251}، وإذا وقعت منهم الكبائر عن اجتهاد وجبت نصيحتهم، ووجب قبول عذرهم إذا كان هناك سبب حملهم على إقرار تلك المعاصي، ولو كانت من كبائر الذنوب فإن بعض الشر أهون من بعض.
^^النهي عن المنكرات^^^
*البعض يستدل بكفر ولاة الأمر بوجود المنكرات كالربا مثلاً، نأمل التوضيح؟
لا يجوز تكفير ولاة الأمور بمثل هذه المنكرات، فإن هذه الدولة قد وظفت الدعاة إلى اللّه تعالى في داخل المملكة وخارجها، والهيئات الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فيغيرون المنكرات، كترك الصلوات وتعاطي المسكرات والمخدرات، والإنكار على النساء المتبرجات، والنهي عن تلقي ما تبثه القنوات الفضائية، ولا يؤثر على ذلك كثرة العصاة وأهل الانحرافات، فإنهم لا يزالون ذليلين مهينين، يستخفون من الناس ولا يستخفون من اللّه، وأما وجود الربا في البنوك فإن هذه البنوك تتعامل مع الدولة ومع بقية الدول، ولابد أن يكون في البنوك الخارجية شيء من المعاملات الربوية، فتضطر البنوك الداخلية إلى التعامل معهم في الصرافة والفوائد الربوية ونحو ذلك، وكذا بعض المعاملات المختلف فيها، والتي يرى الكثير من الناس إباحتها للمصلحة، وعدم دخولها في الربا الذي ذكر في القرآن، والذي فيه ضرر على الغارمين بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة (آل عمران: 130)، وقوله: وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم (البقرة: 279)، فإن هذا قليل وجوده في هذه البنوك، وأكثر ما يتعاملون بالصرف وربا الفضل، وهو أخف من ربا النسيئة، فأقرته الدولة لمصلحة بعض الأفراد، ولوجود الخلاف في حكمه.
^^حالات الجهاد^^^
*متى يجب على المسلم الجهاد؟
يجب في ثلاث حالات:
الأولى:
إذا استنفرهم الإمام، قال اللّّه تعالى:
ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض... {التوبة: 41}، إلى قوله تعالى: انفروا خفافا وثقالا {التوبة: 41}،
ولقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، وإذا استنفرتم فانفروا".
والحالة الثانية:
إذا حضروا الصف وجب عليهم القتال على أعيانهم، لقول اللّه تعالى:
إذا لقيتم فئة فاثبتوا {الأنفال" 45}،
وحرم الانهزام والتولي يوم الزحف لقول اللّه تعالى:
... إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار... {الأنفال: 15}،
وعدَّ النبي صلى اللّه عليه وسلم الفرار يوم الزحف من السبع الموبقات.
والحالة الثالثة:
إذا دهمهم العدو، وأحدق بهم من جوانب البلد، تعين على المسلمين من أفراد ذلك البلد أن يجاهدوا، ليصدوا العدو حتى لا يستبيح بيضتهم.
^^الجهاد بإذن الإمام^^^
*هل يجوز أن يخرج الشخص للجهاد بغير إذن الإمام؟
لا يجوز ذلك إذا كان الجهاد تطوعًا، فقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز القتال إلا بإذن الإمام، إلا إذا فاجأهم العدو ودهم بلادهم، فعند ذلك يدافعون عن أنفسهم إذا لم يتمكنوا من إذن الإمام، وذلك لأن الإمام العام له نظرة واجتهاد فهو أعلم بمصالح البلاد، وقد يكون منه عهد مع الكفار، وقد يخشى على بلاد المسلمين حيث قد ينسب إليه ذلك القتال وإن لم يكن بإذنه، فاشترط إذن الإمام في جهاد الكفار.
^^بر الوالدين مقدم على الجهاد^^^
*هل يجوز أن يخرج الشخص للجهاد بغير إذن والديه؟
لا يجوز ذلك إذا كان الجهاد فرض كفاية، فإن في معصية الوالدين إثمًا كبيرًا،
وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم:
"رضا الرب في رضا الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين"
فمن أسخط أبويه أو أحدهما بسفره ولو إلى حجٍ وقته موسع أو إلى طلب علم من فروض كفاية، فمن أسخط أبويه في هذا السفر سخط اللّه عليه،
وقد روي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يستأذنه في الجهاد
فقال: "أحيٌّ والداك"؟، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد"،
وهو صريح في أن الجهاد في الوالدين بالبر والخدمة
والمساعدة والنفقة عليهما والقيام بشؤونهما أنه يعتبر جهادًا،
ولما جاءه صلى اللّه عليه وسلم رجل مهاجر
وقال: إني تركت أبويّ يبكيان، قال:
"ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما".