لا يغفر الله لفلان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. و بعد:
فإن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة، فهو رحب الميدان ليس له مرد ولا لمجاله منتهى وحد، ولهذا ينبغي لكل مسلم أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام: إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة.
ومن فلتات اللسان الخطيرة على المسلم التألي على الله عز وجل ، فقد روى مسلم في صحيحه: عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك » .
قال النووي - رحمه الله - : قوله صلى الله عليه وسلم « أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان وأن الله تعالى قال من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك » معنى يتألى : يحلف، والألية: اليمين، وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها) أ.هـ [شرح مسلم (16/174)].
وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوما على الذنب فقال: له أقصر فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: كنت بي عالما أو كنت على ما في يدي قادرا، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار » قال أبو هريرة والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته) [صحيح الجامع ] .
قال حدثنا ضمضم بن جوس قال دخلت مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بشيخ مصفر رأسه، براق الثنايا معه رجل أدعج جميل الوجه شاب فقال الشيخ: يا يمامي تعال لا تقولن لرجل أبدا لا يغفر الله لك، والله لا يدخلك الجنة أبدا، قلت: ومن أنت يرحمك الله؟.
قال أنا أبو هريرة قلت: إن هذه لكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله أو لخادمه إذا غضب عليها قال: فلا تقلها إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كان رجلان من بني إسرائيل متواخيين أحدهما مجتهد في العبادة والآخر مذنب فأبصر المجتهد المذنب على ذنب فقال له: أقصر فقال له: خلني وربي قال: وكان يعيد ذلك ويقول: خلني وربي، حتى وجده يوما على ذنب فاستعظمه فقال: ويحك اقصر! قال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟! فقال: والله لا يغفر الله لك أو قال لا يدخلك الله الجنة أبدا.
فبعث إليهما ملك فقبض أرواحهما فاجتمعا عند الله – جل وعلا – فقال ربنا للمجتهد: أكنت عالما أم كنت قادرا على ما في يدي، أم تحظر رحمتي على عبدي، اذهب إلى الجنة يريد المذنب، قال للآخر اذهبوا به إلى النار، فوالذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته » [رواه ابن حبان في صحيحه].
قال أبو الطيب – رحمه الله - : (متواخيين أي متقابلين في القصد والسعي، فهذا كان قاصدا وساعيا في الخير وهذا كان قاصدا وساعيا في الشر، أقصر من الأقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه، أبعثت : بهمزة الاستفهام وبصيغة المجهول، أو بقت دنياه وآخرته في القاموس أو بقه أهلكه أي أهلكت تلك الكلمة ما سعى في الدنيا وحظ الآخرة) أ.هـ [عون المعبود (13 /166 – 167 )].
فعلى المسلم أن يحفظ لسانه ويتورع عن إطلاقه فيما لا يعنيه فقد قال صلى الله عليه وسلم: « ..وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم » [رواه الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم: « إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب » [متفق عليه].
اللهم طهر ألسنتنا مما يغضبك، واحفظ جوارحنا عما يباعدنا عن الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يا له من دين