السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د/ خالد سعد النجاررافقت شجرة الزيتون الإنسان منذ عصور سحيقة، فلقد اكتشف الجيولوجيون وعلماء الآثار بقايا أشجار وبذور زيتون، تعود إلى المرحلة التي بدأ فيها الإنسان يصقل الحجر ويبني الأكواخ ويزرع الأرض. ويقال أن البابليون هم أول من زرع شجرة الزيتون بشكلها الحالي عن طريق التطعيم. يبلغ عدد أنواع أشجار الزيتون 150 نوعاً، وتعيش الشجرة حياة طويلة، حيث يُعتقد بأن حياتها قد تمتد من 300 - 600 سنة، أو حتى أكثر من ذلك. ويتراوح ارتفاعها بين خمسة أمتار واثني عشر متراً، وتحتاج لنموها إلى ظروف مناخية لا تتوفر إلا في محيط البحر الأبيض المتوسط، وتتمتع شجرة الزيتون بأوراق دائمة الخضرة، تتجدد كل ثلاث سنوات، وهي تنمو ببطء وكأنها تستخلص فوائد الأرض على مهل وبتركيز. وتُقّدر أعداد أشجار الزيتون الموجودة اليوم فوق سطح الأرض بحوالي 800 مليون شجرة.
الزيتون في الكتاب والسنة
قال تعالى: "اللّهُ نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزّجَاجَةُ كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاّ شَرْقِيّةٍ وَلاَ غَرْبِيّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيَءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نّورٌ عَلَىَ نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ" [النور: 35] ويقول جل ذكره "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدّهْنِ وَصِبْغٍ لّلآكِلِيِنَ" [المؤمنون: 20 ]، ويقسم تعالى في سورة التين بـ "وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ" [التين: 1]
يقول سيد قطب رحمه الله: ونور زيت الزيتون كان أصفى نور يعرفه المخاطبون. ولكن ليس لهذا وحده كان اختيار هذا المثل. إنما هو كذلك الظلال المقدسة التي تلقيها الشجرة المباركة. ظلال الوادي المقدس في الطور، وهو أقرب منابت الزيتون لجزيرة العرب. وفي القرآن إشارة لها وظلال حولها "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدّهْنِ وَصِبْغٍ لّلاَكِلِيِن" وهي شجرة معمرة، وكل ما فيها مما ينفع الناس. زيتها وخشبها وورقها وثمرها [1]
وتعليقا على قوله تعالى:"وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ }[المؤمنون 20 ] يقول د. نظمي خليل أبو العطا: وقد كشفت في لسان العرب لابن منظور عن معنى كلمة صبغ فوجدت: (الصبغ والصباغ والصبغة: ما يصبغ به الثياب، والصبغ في كلام العرب التغيير، ومنه صبغ الثوب إذ غير لونه وأزيل عن حاله إلى حالة سواد أو حمرة أو صفرة ).
وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على أمور عظيمة. فإذا كان ربنا سبحانه وتعالى قال لنا أن شجرة الزيتون تعطي الدهن فهذا معلوم، ولكن ( وصبغ للآكلين ) ؟! وقد قرأتُ التفاسير وعلمت إنهم يقصدون الغمس للطعام في الزيت، وبالكشف في لسان العرب وجدت أن هذا صحيح، ولكن عندما قالت الآية ( صبغ للآكلين ) نجد هنا ذكر الدهن، وعطف عليه الصبغ، وقد فهمت أن ثمار هذه الشجرة تحتوي الدهن المكون من الأحماض الدهنية ومركبات أخرى.