لمدينة الفلوجة العراقية حكاية رائعة كتبت بالدم والتضحيات، وجاءت خاتمتها ذات دلالة رمزية ربما لم يشأ الغزاة ان يقرأوها على نحو صحيح، او ربما لم ينتبهوا اليها اصلا، فيما المرجح انهم اضطروا الى تلك الخاتمة حتى لا تتسع النار وتنتشر اكثر فأكثر في هشيم جاهز لاستقبالها.
البداية كانت بعد ايام قليلة من نهاية الحرب. فقد اصر الغزاة على اقتحام المدينة والتمركز داخل احيائها من دون حاجة مقنعة لذلك، وفيما كانت المدينة المحافظة الهادئة تتوقع ان يبادر الغزاة الى الرحيل بعد التأكد من هدوء الاوضاع جاء الامر خلاف ذلك. فقد جلس القوم وبدأوا يتحرشون بالناس بشكل وآخر، وكان المشهد الاكثر استفزازا ذلك المتصل باستخدام المناظير في التلصص على بيوت الناس في الليل والنهار، الامر الذي دفع وجهاء القرية الى محاولة التفاهم مع قادة القوات الامريكية من دون جدوى، الى ان جاءت حادثة المدرسة »المحتلة«، والمستخدمة من قبل تلك القوات، فكانت المسيرة التي ووجهت بالرصاص وكانت حصيلتها ثلاثة عشر شهيدا وبضع عشرات من الجرحى.
من هنا بدأت فعاليات الرد والرد المقابل، فقد بدأ شباب المدينة بمناوشة القوات الامريكية في اماكن شتى، واستهدفوهم بعمليات كثيرة بالاسلحة المتوفرة لديهم. ويقول بعض شباب القرية انهم متأكدون من ان خسائر الامريكان قد زادت عن ثلاثين قتيلا لم يعلن عنها الا على نحو محدود كأن يقال ان الحصيلة في هذه العملية او تلك بعض الجرحى لا اكثر.
تواصلت العمليات، واكتشف الامريكان انهم قد دخلوا في ورطة وان المسألة قد تتجاوز الفلوجة نحو مناطق اخرى، لا سيما وان الارضية متوفرة على نحو كبير، وهنا جاء القرار الحكيم لقادة القوات الامريكية بالانسحاب من قلب المدينة الى ضواحيها الخارجية، فيما خرج اهالي الفلوجة منتصرين في هذه المواجهة التي جاءت ببركة الدم، حيث فقدوا مائة وعشرين من ابنائهم شهداء فضلا عن الجرحى.
الى دلالتها الرمزية لا تخفى كقصة تشير الى قدرة المقاومة على فرض شروطها في حالات الاحتلال حتى لو كان ميزان القوى مختلا ضدها بتوفر الارادة، فإن الجانب الآخر يشير الى ذلك التخبط الذي تعيشه الادارة الامريكية للعراق والذي لا تشكل حكاية الفلوجة سوى وجه من وجوهه الكثيرة، سواء في عهد »جي غارنر«، ام في عهد »بول بريمر«، وتلك حكاية اخرى.
<marquee direction=right>اخوكم ومحبكم :-
العويد (( ابو البندري ))</marquee>