الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار
[imgl]http://www.aljazeera.net/mritems/images/2004/9/20/1_502304_1_34.jpg[/imgl]
هل الأعمال التي ارتكبت ضد الولايات المتحدة وتدمير مركز التجارة العالمي وتدمير وزارة الدفاع وضرب البيت الأبيض والكونجرس وخطف طائراتها بمن فيها ، هل هذه الأعمال على فرض قيام المسلمين بها هل تجوز لهم أم أنها جريمة محرمة كما يصفها بعض المنتسبين للعلم ؟ .
إن الإجابة على هذا السؤال وبيان جوازه يقرر من عدة حالات ، ويكفي المخالف أن يوافق على حالة واحد فقط ليلزمه القول بجواز هذه الأعمال ، فالقول بالجواز لا يشترط فيه أن تنطبق جميع الحالات التي سنوردها كلها على المسألة ، بل واحدة منها تكفي ليكون الجواز ملزماً لكل من وافق على أن حالة واحدة أو أكثر قد انطبقت على واقعنا .
إن من أهم أدلة المستنكرين لهذا العمل هو أن تدمير مركز التجارة ووزارة الدفاع والبيت الأبيض في أمريكا ، قد أوقعت هذه الأعمال عدداً كبيراً من الضحايا الأبرياء من النساء والأطفال وغير المقاتلة التي حرمت الشريعة قتلهم للأدلة التي قدمنا .
والرد على هذا الإيراد يأتي بذكر عدة حالات خاصة تقضي على هذا العموم الذي احتجوا به :-
لقد سقنا أدلة حرمة قتل النساء والصبيان والشيوخ ومن في حكمهم من غير المقاتلة من الكفار ، إلا أن هؤلاء المعصومين من الكفار ليست عصمتهم مطلقة ، بل إن هناك حالات يجوز فيها قتلهم سواءً قصداً أو تبعاً وسنذكر تلك الحالات بالتفصيل .
الحالة الأولى : من الحالات التي يجوز فيها قتل أولئك المعصومين قصداً أن يعاقب المسلمون الكفار بنفس ما عوقبوا به فإذا كان الكفار يستهدفون النساء والأطفال والشيوخ من المسلمين بالقتل ، فإنه يجوز في هذه الحالة أن يفعل معهم الشيء نفسه ، لقول الله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { وقوله } والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ، ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور { وقوله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون { وهذه الآيات عامة في كل شيء ، وأسباب نزولها لا يخصصها ، لأن القاعدة الشرعية تقول ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) .
فآية } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به .. { نزلت في المثلة ، روى الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي بن كعب t لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً ، ومن المهاجرين ستة ، منهم حمزة بن عبد المطلب t ، فمثلوا بهم ، فقالت الأنصار ، لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربين علهم في التمثيل ، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { فقال رجل : لا قريش بعد اليوم فقال النبي t كفوا عن القوم إلا أربعة ) .
وروى ابن هشام في السيرة " أن رسول r قال حين رأى ما رأى – أي من التمثيل بعمه حمزة t - ( لولا أن تحزن صفية ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ، ولئن أظهرني الله على قريش ، في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم ) فلما رأى المسلمون حزن رسول الله r وغيظه على من فعل بعمه ما فعل ، قالوا والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب .. قال ابن إسحاق .. وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس : أن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول الله r وقول أصحابه } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، واصبر وما صبرك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون { فعفا رسول الله r ونهى عن المثلة " .
روى بن أبي شيبة 7/366 قال لما كان يوم أحد وانصرف المشركون فرأى المسلمون بإخوانهم مثلة سيئة جعلوا يقطعون آذانهم وآنافهم ويشقون بطونهم فقال أصحاب رسول الله r لئن أنالنا الله منهم لنفعلن فأنزل الله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { فقال رسول الله r ( بل نصبر ) .
فالمثلة منهي عنها ومحرمة لقول الرسول r كما جاء عند البخاري عن عبد الله ين يزيد t ( أنه نهى عن النهبى والمثلة ) قال ابن حجر في الفتح 5/120 " المثلة : تشويه خلقة القتيل ، كجدع أطرافه ، وجب مذاكره ونحو ذلك " .
وفي صحيح مسلم من حديث بريدة أن النبي r كان يوصي قادة جيوشه وسراياه بقوله ( اغزوا باسم الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ، ولا تغلوا ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً .. ) .
إلا أن العدو إذا مثل بقتلى المسلمين جاز للمسلمين أن يمثلوا بقتلى العدو وترتفع الحرمة في هذه الحالة ، و الصبر وترك المثلة أفضل للمسلمين ، أما الرسول r فالصبر وترك المثلة في حقه على الوجوب لأن الله سبحانه وتعالى أمره بالصبر وقال له } واصبر وما صبرك إلا بالله { وقال للمؤمنين }ولئن صبرتم { ندباً على الصبر ، فالشاهد من الآية أن المثلة محرمة وارتفعت الحرمة في حال المعاقبة بالمثل ، والآية عامة فيجوز أن يعامل المسلمون عدوهم بالمثل في كل شيء ارتكبوه ضد المسلمين ، فإذا قصد العدو النساء والصبيان بالقتل ، فإن للمسلمين أن يعاقبوا بالمثل ويقصدوا نساءهم وصبيانهم بالقتل ، لعموم الآية .
قال ابن مفلح في الفروع 6/218 نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية " إن المثلة حق لهم ، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر ، ولهم تركها ، والصبر أفضل ، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد ، ولا يكون نكالا لهم عن نظيرها ، فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاءً لهم إلى الإيمان أو زجراً لهم عن العدوان ، فإنه هنا من باب إقامة الحدود والجهاد المشروع " و انظر الاختيارات لشيخ الإسلام 5/521.
قال ابن القيم في حاشيته 12/180 " وقد أباح الله تعالى للمسلمين أن يمثلوا بالكفار إذا مثلوا بهم وإن كانت المثلة منهيا عنها فقال تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { وهذا دليل على جدع الأنف وقطع الأذن وبقر البطن ونحو ذلك هي عقوبة بالمثل ليست بعدوان والمثل هو العدل ، وأما كون المثلة منهيا عنها فلما روى أحمد في مسنده من حديث سمرة بن جندب وعمران بن حصين قال ما خطبنا رسول الله خطبة ( إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة ) .
فإن قيل فلو لم يمت إذ فعل به نظير ما فعل فأنتم تقتلونه وذلك زيادة على ما فعل فأين المماثلة ؟ ، قيل هذا ينتقض بالقتل بالسيف ، فإنه لو ضربه في العنق ولم يوجبه كان لنا أن نضربه ثانية وثالثة حتى يوجبه اتفاقا ، وإن كان الأول إذا ضربه حصول واحدة واعتبار المماثلة له طريقان إحداهما اعتبار الشيء بنظيره ومثله وهو قياس العلة الذي يلحق فيه الشيء بنظيره ، والثاني قياس الدلالة الذي يكون الجمع فيه بين الأصل والفرع بدليل العلة ولازمها فإن انضاف إلى واحد من هذين عموم لفظي كان من أقوى الأدلة لاجتماع العمومين اللفظي والمعنوي وتضافر الدليلين السمعي والاعتباري فيكون موجب الكتاب والميزان والقصاص في مسألتنا هو من هذا الباب كما تقدم تقريره وهذا واضح لا خفاء به ولله الحمد والمنة " .
وكلام العلامة ابن القيم المتقدم رد على من قال : وكيف تقتلون نساء وصبيان المقاتلة إذا فعلوا هذا بنساء وصبيان المسلمين ؟ وكيف تأخذون ثأركم من غير الفاعل ؟ والله يقول } ولا تزر وازرة وزر أخرى { .
وهذا الإيراد باطل و ينتقض حتى لو قلناه على المقاتلة فكيف يقاتل النبي r مقاتلة قريش والذي نقض العهد هم بني بكر بن وائل أو قادة قريش .
وكيف يقتل النبي r رجال وشيوخ وأجراء بني قريظة وهم لم ينقضوا العهد بل نقضه كبراؤهم وأهل الرأي منهم فقتل بجريرتهم سبعمائة نفس ، واسترق من بقي .
وأيضاً كيف يجيز العلماء المثلة مطلقاً برجال العدو ولم يشترطوا أن تكون المثلة بالفاعل ؟ .
ولو أن رجلاً قتل آخر فلماذا تتحمل عاقلته الدية ويغرمون والذي ارتكب الجناية فرد منهم وهم لم يشاركوه ورغم ذلك تحملوا جريرته ؟
وفي مسألة القسامة أيضاً كيف يجيز الشرع لخمسين رجلاً من أولياء المقتول الذين لم يشهدوا القتل ، على أن يقسموا على رجل مشتبه به بأنه قتل وليهم ثم يدفع لهم برمته ليقتلوه ؟ كيف يُقتل في هذه الحالة والإدانة هنا لم تكن مؤكدة بالطبع كما هي في حالة الإقرار أو الشهود ؟
وجاء في الصحيحين كذلك من حديث رافع بن خديج t قال كنا مع النبي r بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فجاء رسول الله r ( فأمر بها فأكفئت ) ، فكيف يعاقب الرسول r هؤلاء بإتلاف اللحم وهو من الغنائم التي لم تقسم بعد وللجيش جميعاً حق فيه ، والذي اعتدى هم الذين أغلوا بها القدور فقط ، فلم تكون العقوبة جماعية ؟ .
قال ابن حجر في الفتح " وحمل البخاري الإكفاء على العقوبة بالمال وإن كان ذلك المال لا يختص بأولئك الذين ذبحوا , لكن لما تعلق به طمعهم ، كانت النكاية حاصلة لهم " .
وأيضاً يرد على الإيراد المتقدم بعموم قول الله تعالى } واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .. الآية { وقوله } وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً { .
و الشريعة جاءت بمثل هذه العقوبات لمثل تلك الحالات من الجرائم ، لأن هذه الجرائم التي حمل الشارع عقوبتها غير الجناة هي معاص تعتبر جماعية بإمكان الجماعة إذا علموا أنهم سيعاقبون بها أن يجبروا الجاني على أن يكف عن ذلك ، لذا جاءت الشريعة بعقاب الجماعة من أجل الفرد ، حثاً للجماعة وتحريضاً لهم على أن يأخذوا على يد الجاني قبل أن يفعل ذلك والله أعلم .
وراجع كلام ابن القيم المتقدم ليتضح لك المعنى .
والآيات المتقدمة لا تقتصر على المماثلة في القصاص فقط بل هي عامة مع المسلم أو الذمي أو المعاهد أو الحربي ضمن ضوابط تؤخذ من أدلة أخرى لا مجال لذكرها قال القرطبي 2/357 " قوله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { وقوله تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { قالوا وهذا عموم في جميع الأشياء كلها وعضدوا هذا بأن النبي r ( حبس القصعة المكسورة في بيت التي كسرتها ودفع الصحيحة وقال إناء بإناء وطعام بطعام ) أخرجه أبو داود ، ثم قال ... لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية أصل في المماثلة في القصاص فمن قتل بشيء قتل بمثل ما قتل به وهو قول الجمهور ما لم يقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر فيقتل بالسيف ، وللشافعية قول أنه يقتل بذلك فيتخذ عوداً على تلك الصفة ويطعن به في دبره حتى يموت ويسقى عن الخمر ماءً حتى يموت ، وقال ابن الماجشون إن من قتل بالنار أو بالسم لا يقتل به لقول النبي r ( لا يعذب بالنار إلا الله ) والسم نار باطنه وذهب الجمهور إلى أنه يقتل بذلك لعموم الآية " .
وأفتى شيخ الإسلام بمقتضى عموم الآية في رد سؤال ورد عليه فقال في الفتاوى 30/ 362 " عن رجل أُخذ ماله ظلما بغير حق وانتهك عرضه أو نيل منه في بدنه فلم يقتص في الدنيا وعلم أن ما عند الله خير وأبقى فهل يكون عفوه عن ظالمه مسقطا لما عند الله أم نقصا له أم لا يكون ، أو يكون أجره باقيا كاملا موفرا وأيما أولى مطالبة هذا الظالم والانتقام منه يوم القيامة وتعذيب الله له أو العفو عنه وقبول الحوالة على الله تعالى ؟ .
فأجاب : لا يكون العفو عن الظالم ولا قليله مسقطا لأجر المظلوم عند الله ولا منقصا له بل العفو عن الظالم يصير أجره على الله تعالى فإنه إذا لم يعف كان حقه على الظالم فله أن يقتص منه بقدر مظلمته وإذا عفا وأصلح فأجره على الله وأجره الذي هو على الله خير وأبقى قال تعالى } وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين { فقد أخبر أن جزاء السيئة سيئة مثلها بلا عدوان وهذا هو القصاص في الدماء والأموال والأعراض ونحو ذلك ثم قال } فمن عفا وأصلح فأجره على الله { .. ثم قال .. وقد قال تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { وأباح لهم سبحانه وتعالى إذا عاقبوا الظالم أن يعاقبوه بمثل ما عاقب به ثم قال } ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { فعلم أن الصبر عن عقوبته بالمثل خير من عقوبته فكيف يكون مسقطا للأجر أو منقصا له ؟ " أهـ مختصراًَ .
وإذا كانت المماثلة جائزة في حق المعتدي المسلم في القصاص فكيف بها في حق المعتدي الحربي ؟ ، قال النووي في المهذب 2/186 فصل إذا قتل بالسيف لم يقتص منه إلا بالسيف لقوله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { ولأن السيف أرجى الآلات فإذا قتل به واقتص بغيره أخذ فوق حقه لأن حقه في القتل ، وقد قتل وعذب فإن أحرقه أو غرقه أو رماه بحجر أو رماه من شاهق أو ضربه بخشب أو حبسه ومنعه الطعام والشراب فمات فللولي أن يقتص بذلك لقوله تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { ولما روى البراء رضي الله عنه أن النبي r قال ( من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ) ولأن القصاص موضوع على المماثلة والمماثلة ممكنة بهذه الأسباب فجاز أن يستوفى بها القصاص وله أن يقتص منه بالسيف لأنه قد وجب له القتل والتعذيب فإذا عدل إلى السيف فقد ترك بعض حقه فجاز " .
قال الشوكاني في نيل الأوطار 6/39 " قوله تعالى } وجزاء سيئة سيئة مثلها { وقوله تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { وقوله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { والحاصل أن الأدلة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الثلاث الآيات " أهـ مختصراً
قال ابن القيم في إعلام الموقعين 1/328 " قوله } فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { وقوله } وجزاء سيئة سيئة مثلها { وقوله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { يقتضي جواز ذلك - إي العقوبة بالمثل في الأنفس والأعراض والأموال - وقد صرح الفقهاء بجواز إحراق زروع الكفار وقطع أشجارهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا وهذا عين المسألة وقد أقر الله سبحانه الصحابة على قطع نخل اليهود لما فيه من خزيهم وهذا يدل على أنه سبحانه يحب خزي الجاني الظالم ويشرعه ، وإذا جاز تحريق متاع الغال بكونه تعدى على المسلمين في خيانتهم في شيء من الغنيمة فلأن يحرقوا ماله إذا حرق مال المسلم المعصوم أولى وأحرى ، وإذا كانت المالية في حق الله الذي مسامحته به أكثر من استيفائه فلأن تشرع في حق العبد الشحيح أولى وأحرى ، ولأن الله سبحانه شرع القصاص زجرا للنفوس عن العدوان وكان من الممكن أن يوجب الدية استدراكا لظلامة المجني عليه بالمال ولكن ما شرعه أكمل وأصلح للعباد وأشفى لغيظ المجني عليه وأحفظ للنفوس والأطراف ، وإلا فمن كان في نفسه من الآخر من قتله أو قطع طرفه قتله أو قطع طرفه وأعطى ديته والحكمة والرحمة والمصلحة تأبى ذلك وهذا بعينه موجود في العدوان على المال " .
وبعد هذه النصوص المنقولة عن أهل العلم وبيان أن العقوبة بالمثل الواردة في الآيات ليست خاصة بالمثلة التي كانت سبباً لنزول أحدها ، بل هي عامة في القصاص والحدود والمعاملة مع الكفار ومع فساق المسلمين الظلمة ، فإذا جاز الاقتصاص من المسلم بمثل جريمته ، فلأن يجوز معاملة الكافر الحربي بمثل معاملته للمسلمين من باب أولى .
ومن المشاهد أن الكفار اليوم لا سيما أمريكا تقتل أبناء المسلمين ونساءهم وشيوخهم بغير ذنب اقترفوه ، فهاهم يحاصرون العراق منذ عقد من الزمان ولم يقتل إلا الشعب المسلم ، وفي قصفهم للعراق لم يضروا الحكومة العراقية بضرر بالغ بل أضروا المسلمين فقتلوا مئات الآلاف منهم ، ولو أن المسلمين عاملوا أمريكا بالمثل لجاز لهم أن يقتلوا بضعة عشر مليون مدني ، فبصاروخ واحد قتلت أمريكا ما يربوا على خمسة آلاف مسلم في ملجأ العامرية ببغداد أثناء حرب الخليج ، لو كان الفاعل لعمليات أمريكا مسلما لكانت هذه العمليات فقط رد دين مقابل حادثت ملجأ العامرية التي فجعت المسلمين ، ناهيك عن الحصار الذي أودى بحياة أكثر من مليون ومئتي ألف مسلم ، وأيضاً فعدوان أمريكا لا زال مستمراً على الأبرياء في العراق ، فإن آثار الأسلحة الفتاكة التي أصابت أرض المسلمين بالفساد وأصابت مئات الآلاف من الأبرياء بأمراض غريبة أشهرها سرطان الدم لا زالت ظاهرة للعيان ، بسبب اليورانيوم المنضّب وقد بلغت وفيات الأطفال فقط خلال هذه السنوات بسبب ضربات أمريكا مع الحصار أكثر من 750000طفل (ثلاثة أرباع مليون!) ، إن إفساد أمريكا في العراق يعادل مئات الأضعاف مما أصابها في عمليات الثلاثاء المبارك
وإذا نظرت إلى حصار أمريكا لأفغانستان فإنك ترى العجب العجاب فضحايا الحصار يصل إلى سبعين ألف مسلم ، أما الأوبئة والأمراض والفقر فإنه ارتفع إلى نسبة 95% في الشعب الأفغاني المسلم كل هذا تسببت به أمريكا بالدرجة الأولى ، وقد أُمطرت أرض المسلمين بسبعين صاروخ فلم نجد من يستنكر هذا الإرهاب ولا قتل الأبرياء .
وأدر طرفك إلى فلسطين لترى منذ أكثر من خمسين عاماً حرب أمريكا للمسلمين من خلال اليهود ، نتج عنها خمسة ملايين مشرد و 262 ألف شهيد بإذن الله و 186 ألف جريح و 161 ألف معوق ، ولا زال الحصار على إخواننا في فلسطين بعون أمريكا مشدداً منذ أكثر من عشرة أشهر قتل خلاله من جراء الحرب الصهيوأمريكية على المسلمين أكثر من ألف ومائتي مسلم وجرح ما يزيد على واحد وعشرين ألف مسلم .
وفي الصومال تدخلت أمريكا بحجج إنسانية لتفسد في الأرض فقتلت ثلاثة عشر ألف مسلم وحرقت أبناء المسلمين ، وفعل الجنود الأمريكيون بأبناء المسلمين وبنسائهم الفواحش ، ودفنوا نفياتهم النووية في أرض الصومال المسلمة ، ولا زالت أرض المسلمين تعاني من العدوان الأمريكي عليها .
والسودان حاصرتها أمريكا سنين ولا زالت وضربتها بالصواريخ عازمة على قتل أهل الخرطوم جميعاً ، لأنها ضربت ما كانت تزعم أنه مخزون أسلحة كيماوية ولو كان توقعها صحيحاً لتسربت تلك الغازات من جراء الضربات الجوية ولقتلت أهل الخرطوم جميعاً ، ولا زالت أمريكا تقف بشكل علني وراء الصليبيين في جنوب السودان وتسعر الحرب التي راح ضحيتها أبناء المسلمين واقتصادهم .
هذه بعض قضايا المسلمين التي دخلت أمريكا فيها بشكل علني ومباشر لقتل الأبرياء والإفساد في أرض المسلمين ، ناهيك عن القضايا التي تقف وراءها أمريكا كما هو الحال في الفلبين وأندونيسيا وكشمير ومقدونيا والبوسنة وغيرها ، وبإمكان المسلم أن يقول كل مصيبة تحصل للمسلمين فإن لأمريكا يد طولى فيها إما مباشرة أو غير مباشرة .
فهذه أمريكا لا تأبه بشعب ولا بشعوب لا إسلامية ولا غير إسلامية بل لا تحرص إلا على مصالحها حتى على حساب قتل البشرية جميعاً ، فضحاياها عشرات الملايين منذ أن تسلطت على العالم منذ نصف قرن ، فكيف تُوقف أمريكا عند حدها وكيف تكف يدها عن العدوان ضد المسلمين ؟ ، إن الشريعة الإسلامية لم تكن ناقصة أبداً ففي الشريعة حكم بالقصاص من كل معتدٍ أثيم ، فأمريكا تقتل المسلمين بأسلوب بطيء ولا يمكن للضعفاء من المسلمين أن يعاقبوها لأنها لا تواجه أحداً بل تضرب عن بعد أو تحاصر ، فالحل الأمثل لهؤلاء الطغاة أن يعاقبوا بمثل ما عاقبوا المسلمين واعتدوا عليهم به ، فكيف تُطلق يد أمريكا لقتل نسائنا وصبياننا وتشريد المسلمين وضربهم متى شاءت وكيف شاءت وأين شاءت ؟ ويحرم على المسلمين أن يعاملوها بالمثل ؟ إن الذي يقول بهذا إما جاهل أو جائر ظالم للمسلمين ، يسعى لحماية أمريكا لتزيد من التقتيل والتشريد في المسلمين .
ومن أنواع المعاملة بالمثل فإننا سنطبق قانون أمريكا عليها :
فبسبب صدام وحزب البعث عاقبت شعبا بأكمله فقتل بقنابلها وحصارها ملايين من المسلمين العراقيين .
وبسبب أسامة بن لادن حاصرت الأفغان وضربتهم بالصواريخ فمات عشرات الآلاف من المسلمين .
وبسبب (مصنع موهوم) ضربت السودان فدمرت مصنعا للأدوية و قتل من فيه من المسلمين .
وهكذا .
ونقول نحن معاملة بالمثل
بسبب ذنب (الحكومة الأمريكية) وطريقتها في (معاقبة الشعوب ) بسبب (الأفراد) ، سنطبق هذا القانون فنعاقب شعبها بسبب (الحكومة)!.
ثم ما الذي يغضب أمريكا وأذنابها إذا عاقبنا بالمثل فهذا هو قانونها ، أليست هي التي تصدر الحكم على من تشاء ثم تضربه بحجة أنه إرهابي أو داعم للإرهاب ؟ وتقتل غير الفاعل وتهلك الأبرياء ولا ترى في فعلها هذا أدنى حرج .
نعم نحن سنعمل بقانونها هذا وسنتخذ مبدأها غطاءً ، اليهود إرهابيون وأمريكا تدعم الإرهاب الصهيوني في فلسطين ، أليس من حقنا أن نصدر عليها حكماً بضربها وفقاً لمبدئها ؟! بلا شك نعم من حقنا ذلك .
إذا ما الذي يغضبها ويغضب العالم ؟! فإن أردنا أن نعاملها بالمثل جازت العمليات شرعاً ، وإن أردنا أن نعاملها وفقاً لقانونها جاز هذا الفعل في نظامها العالمي الجديد !!! .
إن مما لا شك فيه أن قتل نساء وصبيان وشيوخ أمريكا ومن في حكمهم من غير المقاتلة أنه جائز حلال بل هو من ضروب الجهاد التي أمر الله ورسول r بها ، لقول الله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { وقوله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { إلا أنه لا يجوز للمسلمين في قتل المعصومين من الأمريكيين أن يزيدوا في القتل على أربعة ملايين شخص من غير المقاتلة وتشريد أكثر من عشرة ملايين أمريكي !! ، حتى لا نتعدى وتكون العقوبة زائدة على المثل والله أعلم .
الحالة الثانية : لقد قدمنا بأن معصومي الدم من النساء والصبيان والشيوخ الكفار لا يجوز استهدافهم وقتلهم قصداً إلا عقوبة بالمثل ، أما قتلهم تبعاً من غير قصد فهو جائز بشرط أن يكون في استهداف المقاتلين أو الحصون قتلاً لهم بسبب أنهم لم يتميزوا عن المقاتلة أو الحصون ، فيجوز قتلهم والدليل ما جاء في الصحيحين عن الصعب بن جثامة t قال سئل النبي r عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال ( هم منهم ) ، وهذا يدل على جواز قتل النساء والصبيان تبعاً لآبائهم إذا لم يتميزوا ، وفي رواية مسلم قال ( هم من آبائهم )
ورأي الجمهور أن نساء الكفار وذراريهم لا يقتلون قصداً ولكن إذا لم يتوصل إلى قتل الآباء إلا بإصابة هؤلاء جاز ذلك .
يقول ابن حجر في الفتح 6/146" قوله ( عن أهل الدار ) أي المنزل ، وقوله ( هم منهم ) أي : في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم ، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية ، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم " .
ويقول النووي في شرحه لصحيح مسلم 7/325 " وهذا الحديث الذي ذكرناه من جواز بياتهم ، وقتل النساء والصبيان في البيات : هو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور ، ومعنى البيات ، ويبيتون : أن يُغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي .. وفي هذا الحديث دليل لجواز البيات وجواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من غير إعلامهم بذلك " .
ويقول ابن الأثير في جامع الأصول 2/733 " يبيتون : التبييت طُروق العدو ليلاً ، على غفلة للغارة والنهب ، وقوله ( هم منهم ) أي حكمهم وحكم أهلهم سواء ، وكذلك قوله في رواية ( هم من آبائهم ) " .
قال ابن قدامة في المغني والشرح 10/503 "ويجوز قتل النساء والصبيان في البيات ( الهجوم ليلا ) وفي المطمورة إذا لم يتعمد قتلهم منفردين ، ويجوز قتل بهائمهم ليتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم ، وليس في هذا خلاف " .
وقال في المغني 9/231 " فصل ويجوز تبييت الكفار وهو كبسهم ليلا وقتلهم وهم غارون قال أحمد لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات قال ولا نعلم أحدا كره بيات العدو وقرأ عليه سفيان عن الزهري عن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله r يسأل عن الديار من المشركين نبيتهم فنصيب من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم فقال إسناد جيد فإن قيل فقد نهى النبي r عن قتل النساء والذرية قلنا هذا محمول على التعمد لقتلهم قال أحمد أما أن يتعمد قتلهم فلا ، قال وحديث الصعب بعد نهيه عن قتل النساء لأن نهيه عن قتل النساء حين بعث إلى ابن أبي الحقيق وعلى أن الجمع بينهما ممكن يحمل النهي على التعمد والإباحة على ما عداه " .
ومعلوم هنا أن النبي r عندما سئل عن قتل الذراري في حال الإغارة والبيات لم يستفصل عن مدى الحاجة التي ألزمت المقاتلة بهذه الغارة حتى يبيح لهم قتل معصومي الدم من الكفار وهم النساء والصبيان ، و القاعدة الشرعية تقول ( ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ) فعموم مقال النبي r ( هم منهم ) بلا ضوابط ، يجيز للجيش الإسلامي إذا رأى أنه بحاجة إلى الغارة فإنه يجوز له فعلها حتى لو ذهب ضحيتها النساء والصبيان والشيوخ وغيرهم ، ولو من غير ضرورة ملحة للغارة .
فالعلة التي جاز من أجلها قتل النساء والصبيان في حال البيات هي الحاجة إلى إضعاف قوة العدو وضرب قدرته على المقاومة ، بقتل رجاله وهدم حصونه حتى لو ذهب غير المقاتلة ضحية لذلك ، فإذا كانت العلة المبيحة لقتل النساء والصبيان هي إضعاف العدو عن المقاومة ، - كما يتضح ذلك من مجموع النصوص المبيحة لقتل النساء والصبيان وستأتي - ، فإن قتل النساء والصبيان بسبب استهداف مراكز قوى العدو الاستراتيجية هو بمثابة الغارة لأن العلة التي جاز من أجلها قتل النساء والصبيان من الكفار في الغارة هي متوفرة بشكل أكبر في المواقع الاستراتيجية للعدو بما يزيد على مصلحة قتل المقاتلة فقط ، فالمواقع الاستراتيجية التي ضربت في يوم الثلاثاء المبارك ضربها أشد على أمريكا من قتل عشرين ألف مقاتل لها ، فمن أجاز قتل معصومي الدم لأنهم لم يتميزوا عن المقاتلة فإنه يجيز قتلهم لأنهم لم يتميزوا عن المواقع الاستراتيجية التي هي أهم من المقاتلة من باب أولى وفقاً للأصول .
الحالة الثالثة : و يجوز قتل من يحرم قتله من النساء والصبيان والشيوخ وغيرهم من معصومي الدم وذلك في حال لو حملوا السلاح على المسلمين أو قاموا بأعمال تعين على الأعمال القتالية سواءً بالتجسس أو الإمداد أو الرأي أو غيرها وهذا واضح بسبب تعليل الرسول r في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن رباح بن ربيع t قال كنا مع رسول الله r في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلا فقال ( انظر علام اجتمع هؤلاء ؟ ) فجاء فقال على امرأة قتيل فقال ( ما كانت هذه لتقاتل ) قال وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال ( قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا)
قال ابن حجر في الفتح 6/148 ( فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت ) وقال النووي في شرح صحيح مسلم 7/324 ( أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا ، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون ) وقال ( وكذلك كل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك ) وتأمل قوله ( قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك ) .
قال شيخ الإسلام في السياسة الشرعية 132-133 ( وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب ، والشيخ الكبير والأعمى الزّمِن ونحوهم فلا يُقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله ، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر والأول هو الصواب ) فتأمل أيضا قوله ( إلا أن يقاتل بقوله أو فعله ) وهذا الكلام وكلام النووي السابق ، يدل على أن من يحرم قتلهم قصداً إذا أعانوا بأقوالهم أو أفعالهم لمحاربة المسلمين جاز استهدافهم بالقتل .
قال صاحب العون في شرح قوله r ( انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) ، قوله ( لا تقتلوا شيخاً فانياً ) أي إلا إذا كان مقاتلا أو ذا رأي ، وقد صح أمره u بقتل دريد بن الصمة , وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر , وقد جيء به في جيش هوازن للرأي ، قوله ( ولا طفلا ولا صغيرا ) واستثنى منه ما إذا كان ملكاً أو مباشراً للقتال ( ولا امرأة ) : أي إذا لم تكن مقاتلة أو ملكة ".
وقال الفقهاء بجواز قتل المرأة إذا أعانت المقاتلة ضد المسلمين بأي نوع من الإعانة المادية أو المعنوية على القتال ، واستدلوا بما رواه ابن ماجة بأن الرسول r عندما حاصر الطائف صعدت امرأة على الحصن وكشفت للمسلمين عن قبلها فقال النبي r ( ها دونكم فارموها ) فرموها فقتلوها وإن كان الحديث ضعيفاً إلا أن الفقهاء استدلوا به على جواز قتل المرأة حتى لو لم تقاتل إذا أعانت أهل الحرب بأي فعل أو قول حل قصدها بالقتل .
قال ابن قدامة في المغني 9/232 " فصل ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم جاز رميها قصدا لما روى سعيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال لما حاصر رسول الله r أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت عن قبلها فقال ( ها دونكم فارموها ) فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذلك منها ويجوز النظر إلى فرجها للحاجة إلى رميها لأن ذلك من ضرورة رميها وكذلك يجوز رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام أو تسقيهم الماء أو تحرضهم على القتال لأنها في حكم المقاتل وهكذا الحكم فيها وسائر من منع من قتله منهم ".
قال ابن عبدالبر في الاستذكار 14/74 " لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله ، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل " .
وقال ابن عبدالبر في التمهيد 16/142 " وأجمعوا على أن رسول الله r قتل دريد بن الصمة يوم حنين لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب ، فمن كان هكذا من الشيوخ قتل عند الجميع " .
ونقل الإجماع أيضا ابن قدامة رحمه الله في إباحة قتل النساء والصبيان وكبار السن إذا أعانوا أقوامهم على القتال بأي نوع من الإعانة .
ونقل النووي في شرح مسلم في كتاب الجهاد الإجماع " على أن شيوخ الكفار إن كان فيهم رأي قتلوا " .
ونقل ابن قاسم في الحاشية ، قال " وأجمعوا على أن حكم الردء حكم المباشر في الجهاد ، ونقل عن ابن تيمية رحمه الله هذا الإجماع ، ونقل عن ابن تيمية أيضا أن أعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم " .
هذا حكم من أعان على القتال من معصومي الدم من النساء والصبيان والشيوخ ومن في حكمهم ممن يسمى اليوم ( مدنياً ) ، والشعب الأمريكي اليوم هو شعب معين على القتال برأيه ، حيث إن القرارات في أمريكا لا تتخذ من قبل الرئيس وحده بل تخرج من خلال مجلس الشيوخ الذي يمثل أعضاءه الشعب الأمريكي فكل عضو فيه يمثل شريحة كبيرة من الناس هي التي قدمته وانتخبته إلى هذا المنصب ، وبإمكان الشعب الأمريكي أن يمنع تنفيذ أي قرار يصدره الرئيس كما بإمكانه أيضاً أن يضغط لإصدار أي قرار يرى أنه محتاج إليه ، كما ضغط الشعب الأمريكي على الحكومة وأجبرها على سحب قواتها من الصومال ، والشعب الأمريكي أيضاً هو الذي انتخب الرئيس بالغالبية وهو على علم بتوجهات وخطط الرئيس من خلال إعلانه لخططه المستقبلية أثناء الحملة الانتخابية ، فانتخاب الشعب الأمريكي للرئيس عن علم مسبق بخططه يعد مشاركة له بهذه القرارات ، ومن خطط بوش الانتخابية التي أعلنها أنه قال في حملته " سأدع ملف البلقان لأهل البلقان وسأركز على الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالردع العسكري " ويقصد بالشرق الأوسط العراق وإيران ، فالشعب الأمريكي انتخب الحزب الجمهوري ، وهو يعلم أن الحزب الجمهوري هو بطل أمريكا العسكري وهو الذي خاض الحروب لأمريكا ومصانع السلاح والطائرات والمعدات الحربية معظمها تحت ملك أعضاء الحزب الجمهوري لأنه حزب عسكري وسياسته هي إشعال الحروب ليربح ويتسلط ، فانتخاب الشعب الأمريكي لهذا الحزب مع علمه ببرنامجه وتاريخه من غير قيد أو شرط يوحي برضى الشعب عن تلك البرامج والتاريخ الأسود ، فالشعب الأمريكي يعد من أهل القرار والرأي سواءً كان الرأي عسكرياً أو سياسياً ، والاستطلاعات التي تدرس الإدارة الأمريكية قراراتها بناءً عليها تشير إلى أن الشعب الأمريكي هو الذي يقرر بصوته مباشرة وبصوت نوابه في مجلس الشيوخ بطريقة غير مباشرة ، فتشير الاستطلاعات إلى أنه صاحب النصيب الأكبر في تقرير السياسة الأمريكية المعادية للإسلام في كل مكان وزمان .
فاستهداف الشعب الأمريكي في كل مكان سواءً ممن يقاتل بيده أو يعين على القتال برأيه ، أمر تجيزه الشريعة ، وهذا هو الغالب في الشعب الأمريكي والحكم للأعم الأغلب .
الحالة الرابعة : ومن حالات جواز قتل النساء والصبيان والشيوخ ، إذا احتاج المسلمون إلى حرق الحصون أو إغراقها أو تسميمها أو تدخينها أو إرسال الحيات والعقارب والهوام عليها ، لفتحها حتى لو سقط المعصومون ضحية لذلك .
قال البخاري ( باب حرق الدور والنخيل ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ( حرّق النبي r نخل بني النضير ) قال الحافظ في الفتح 6/154 " قوله : باب حرق الدور والنخيل : أي التي للمشركين وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق ، والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور ، واحتجوا بوصية ( أبي بكر ) لجيوشه أن لا يفعلوا شيئاً من ذلك ، وأجاب الطبري : بأن النهي محمول على القصد لذلك ، بخلاف ما إذا أصابوا ذلك ، في خلال القتال ، كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف ، وهو نحو ما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان ، وبهذا قال أكثر أهل العلم , ونحو ذلك القتل بالتغريق ، وقال غيره إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح ، فأراد إبقاءها على المسلمين والله أعلم " .
ويقول الشوكاني في نيل الأوطار 7/266 بعد كلام ابن حجر هذا " ولا يخفى أن ما وقع من أبي بكر لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن النبي r لما تقرر من عدم حجية قول الصحابي ". أي حجية قول الصحابي إذا عارض النص كما هو مذهب الشوكاني في أول عمره.
وروى أبو داود في سننه قال ( باب في الحرق في بلاد العدو ) عن عروة قال حدثني أسامة رضي الله عنه أن الرسول r كان عهد إليه فقال ( أغر على أُبنى صباحاً وحرّق ) .
قال ابن الأثير في جامع الأصول 2/617 " أُبنى ويُبنى : اسم موضع بين عسقلان والرملة من أرض فلسطين"
فتحريق بلاد العدو هي من أساليب النبي r في الحرب ومعلوم أن التحريق يوقع عدداً من المعصومين قتلى وكذلك يقتل الحيوانات والزروع ، وكل هذا مصلحة إبقاءه أقل من مصلحة تركه لأن مصلحة قتل العدو الممتنع بالقوة أعظم من مصلحة ترك غيره .
قال ابن قدامة في المغني 9/230 " وإذا حورب العدو لم يحرقوا بالنار أما العدو إذا قدر عليه فلا يجوز تحريقه بالنار بغير خلاف نعلمه وقد كان أبو بكر t يأمر بتحريق أهل الردة بالنار وفعل ذلك خالد بن الوليد بأمره فأما اليوم فلا أعلم فيه بين الناس خلافا ، وقد روى حمزة الأسلمي أن رسول الله r أمّره على سرية قال فخرجت فيها فقال ( إن أخذتم فلانا فأحرقوه بالنار فوليت فناداني فرجعت فقال إن أخذتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار ) رواه أبو داود وسعيد وروى أحاديث سواه في هذا المعنى وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة t عن النبي r نحو حديث حمزة ، فأما رميهم قبل أخذهم بالنار فإن أمكن أخذهم بدونها لم يجز رميهم بها لأنهم في معنى المقدور عليه وأما عند العجز عنهم بغيرها فجائز في قول أكثر أهل العلم وبه قال الثوري والأوزاعي والشافعي وروى سعيد بإسناده عن صفوان بن عمرو وجرير بن عثمان أن جنادة بن أمية الأزدي وعبد الله بن قيس الفزاري وغيرهما من ولاة البحرين ومن بعدهم كانوا يرمون العدو من الروم وغيرهم بالنار يحرقونهم هؤلاء لهؤلاء وهؤلاء لهؤلاء قال عبد الله بن قيس لم يزل أمر المسلمين على ذلك " وقال " وكذلك الحكم في فتح البثوق عليهم ليغرقهم إن قدر عليهم بغيره لم يجز إذا تضمن ذلك إتلاف النساء والذرية الذين يحرم إتلافهم قصدا وإن لم يقدر عليهم إلا به جاز كما يجوز البيات المتضمن لذلك " .
قال النووي في المنهاج وفي شرح مغني المحتاج 9/72 " يجوز حصار الكفار في البلاد والقِلاع وإرسال الماء عليهم ، ورميهم بنار ، ومنجنيق وتبييتهم في غفلة " ويقول صاحب مغني المحتاج تعليقاً على كلام الإمام النووي في نفس المصدر " وما في معنى ذلك من هدم بيوتهم ، وقطع الماء عنهم وإلقاء حيات ، أو عقارب عليهم ، ولو كان فيهم نساء وصبيان ، لقوله تعالى } وخذوهم واحصروهم { ، وفي الصحيحين أنه r حاصر الطائف وروى البيهقي أنه نصب المنجنيق ، وقيس به ما في معناه مما يعُم الهلاك به .. ثم يقول .. وظاهر كلامهم أنه يجوز إتلافهم بما ذُكر ، وإن قدرنا عليهم بدونه " .
وقد استخدم الصحابة هذه الأساليب مع أعدائهم جاء في سنن سعيد بن منصور 2/244 ( أن جنادة بن أبي أميرة الأزدي وعبد الله بن قيس الفزازي وغيرهما من ولاة البحر من بعدهم كانوا يرمون العدو من الروم وغيرهم بالنار ، ويحرّقونهم هؤلاء لهؤلاء ، وهؤلاء لهؤلاء ) وعن عبد الله بن قيس الفزازي ( أنه كان يغزو على الناس في البحر على عهد معاوية وكان يرمي العدو بالنار ويرمونه ، ويحرقهم ويحرقونه وقال : لم يزل أمر المسلمين على ذلك ) .
ورأي الجمهور أن التحريق والتغريق والهدم والتسميم والتدخين وغيرها من الوسائل التي لا تفرق بين مقاتل ومعصوم ، أنه جائز استخدامها متى كانت الحاجة إليها ولا يمكن الظفر بالعدو وهزيمته إلا بها ، فإذا أمكن بغيرها لم يجز استخدامها ، والشافعية يجيزون ذلك مطلقاً سواءً قدر عليهم بهذه الطريقة أو بغيرها والله أعلم .
وبناءً على ماتقدم فإن الذي أفتى وقال لا يجوز قتل الأبرياء بحال حتى الأمريكيين في نيويورك وواشنطن فإن هذا مجازف قائل بما لا يعلم ، وقتلهم بالتحريق والتغريق والهدم من أجل فتح الحصون أو تخريبها أو إرهاب العدو أمر اتفق عليه الجمهور وعليه عمل الصحابة ، فسبحان الله كيف يعمي الدفاع عن الأمريكيين عما صحت به الأخبار من الكتاب والسنة ؟ .
الحالة الخامسة : ومن الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من أهل الحرب هي ما إذا احتاج المسلمون إلى رميهم بالأسلحة الثقيلة التي لا تميز بين المعصوم وغيره ، كالمدافع والدبابات وقذائف الطائرات وما في حكمها .
ودليل ذلك أن النبي r نصب المنجنيق على أهل الطائف ورماهم به قال صاحب المبدع 3/319 " ورميهم بالمنجنيق نص عليه - أحمد - لأنه r نصب المنجنيق على أهل الطائف رواه الترمذي مرسلا ونصبه عمرو بن العاص على الاسكندرية ولأن الرمي به معتاد كالسهام وظاهره مع الحاجة وعدمها وفي المغني هو ظاهر كلام الإمام وقطع المياه عنهم وكذا السابلة وهدم حصونهم وفي المحرر والوجيز والفروع هدم عامرهم وهو أعم لأن القصد إضعافهم وإرهابهم ليجيبوا داعي الله " .
قال ابن قدامة في المغني 9/231 " ويجوز نصب المنجنيق عليهم وظاهر كلام أحمد جوازه مع الحاجة وعدمها لأن النبي r نصب المنجنيق على أهل الطائف وممن رأى ذلك الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي قال ابن المنذر جاء الحديث عن النبي r أنه نصب المنجنيق على أهل الطائف وعن عمرو بن العاص أنه نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية ولأن القتال به معتاد فأشبه الرمي بالسهام " .
قال النووي في المهذب 2/219 " فصل ولا يجوز قتالهم بالنار والرمي عن المنجنيق إلا لضرورة لأنه لا يجوز أن يقتل إلا من يقاتل والقتل بالنار أو المنجنيق يعم من يقاتل ومن لا يقاتل وإن دعت إليه الضرورة جاز كما يجوز أن يقتل من لا يقاتل إذا قصد قتله للدفع " .
وفي هذه الحالة أجاز العلماء قتل المعصومين من النساء والصبيان إذا دعت الحاجة إلى رميهم بالمنجنيق وهي آلة كانت تستخدم في السابق ترمى بها الحجارة الكبار وأحياناً تكون الحجارة مشتعلة بالنار ، فإما أن تحرق أو تهدم البيوت وتقتل من فيها ، وإجازتهم لهذا الأسلوب إنما كان من باب المصلحة التي ترجى من فتح هذا الحصن حتى لو قتل النساء والصبيان نتيجة لذلك ، فالمصلحة التي توفرت في فتح حصن واحد وذلك بقصف أهله بالمنجنيق ، ألا توجد هذه المصلحة في تدمير مقر قوة أمريكا الاقتصادية والعسكرية والسياسية لتكف عن حصار المسلمين وقتلهم حتى لو ذهب ضحية ذلك النساء والصبيان ؟ بلى إن هذا أعظم مصلحة ، وإن كان مثل هذا لا ينال إلا بهذه الطريقة فقد تأكد .
الحالة السادسة : ويجوز قتل معصوم الدم من الكفار في حال تترس الكفار بهم أي إذا تترس الكفار بنسائهم وصبيانهم جاز رميهم ويقصد المقاتلة حتى لو هلك النساء والصبيان جاز ذلك ، بشرطين أحدهما : أن تدعو الحاجة إلى ذلك ، والثاني : أن يكون القصد القلبي للمسلمين موجه إلى المقاتلة لا إلى المعصومين .
قال ابن قدامة في المغني 9/233 " فصل وإن تترسوا في الحرب بنسائهم وصبيانهم جاز رميهم ويقصد المقاتلة لأن النبي r رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان ولأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم فينقطع الجهاد وسواء كانت الحرب ملتحمة أو لا ، لأن النبي r لم يكن يتحين بالرمي حال التحام الحرب " .
قال الأنصاري في فتح الوهاب 2/301 " وحرم إتلاف لحيوان محترم لحرمته وللنهي عن ذبح الحيوان لغير مأكله إلا لحاجة كخيل يقاتلون عليها فيجوز إتلافها لدفعهم أو للظفر بهم كما يجوز قتل الذراري عند التترس بهم بل أولى " .
قال الشربيني في مغني المحتاج 4/227 بعدما ذكر جواز قتل الحيوان الذي يعينهم وذكر منها " ما يقاتلونا عليه أو خفنا أن يركبوه للغد كالخيل فيجوز إتلافه لدفعهم أو للظفر بهم لأنها كالآلة للقتال وإذا جاز قتل النساء والصبيان عند التترس بهم ،فالخيل أولى وقد ورد ذلك في السير من فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم " .
قال صاحب قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/82 " لأنا نجوز قتل أولاد الكفار عند التترس بهم حيث لا يجوز مثل ذلك في أطفال المسلمين " .
قال ابن تيمية في الفتاوى 28/ 546 – 20/52 " وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم " .
وقال ابن قاسم في حاشية الروض 4/271 " قال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار ، وهذا بلا نزاع".
ويجب التنبيه هنا على أمر مهم ألا وهو ، أن هناك فرقاً في الحكم إذا كان المُتترس بهم من المسلمين أو من المعصومين من الكفار كالنساء والأطفال ، فإذا كان الترس من المسلمين فلا يرمى العدو إلا لضرورة وذلك بأن تكون مفسدة ترك رميه أعظم من مفسدة قتل الترس من المسلمين ، كأن يخشى من اجتياح العدو لأرض المسلمين وقتل أكثر ممن تترس بهم ، أو يخشى من قتل جيش المسلمين وكسر شوكتهم وذهاب أمر المسلمين ، والضرورة تقدر بقدرها .