بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم, وشرَّ الأمورِ محدثاتُهَا, وكلَّ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
فإنَّ الحدَّادِيَّةَ المصريةَ سفهاءَ الأحلامِ, حدثاءَ الأسنانِ, هم تربةُ التكفيرِ, ومَعْدِنُ الخروجِ, وحمأةُ الغُلُوِّ.
ولا جَرَمَ أنْ قد آنَ لأهلِ العلمِ أنْ يُصِيخُوا إلى سعي هؤلاءِ بالفسادِ بين العبادِ, وإلى تمهيدِهِم لإشاعةِ الفوضى في البلادِ.
ولا شكَّ يعجبُ العقلاءُ العجبَ كلَّهُ من صبيَةٍ لاهينَ ينسخونَ علمَ أسلافِنَا نسخًا, ويمسخونَ تراثَ علمائِنَا مسخًا, كأنهم يلعبونَ بأكوامِ الترابِ في حواري القُرى بأرضِ الكِنَانَةِ.
ويمدُّهُم في غَيِّهِم يَعْبَثُونَ: حماقةُ الحمقى من ينبعَ, وحنظلُ أصولِ الروافضِ من العراقِ, وتعالمُ البغيضِ الأحمقِ الجهولِ من الأردنِ, وطيشُ السفهاءِ من اليمنِ, وخَبَلُ المأفُونِينَ من المغربِِ.
ولم تتسلطْ فرقةٌ من فِرَقِ الضَّلالِ قبلَ هذه الفِرْقةِ - هذا التسلُّّطَ - على أهلِ العلمِ من أهلِ السُّنَّةِ سوى الخوارجِ.
فهل هؤلاءِ من الخوارجِ؟ لمَ لا؟!
لقد رأيتُ قديمًا وناظرتُ: بعضَ أهلِ الضَّلالِ من غُلاةِ التكفيرِ ثم نسيتُ ذلك حتى ذَكَّرَنِيهِ صنيعُ هؤلاءِ.
على أنَّ الأوَّلِينَ يقولونَ: كافرٌ, لا يَتَلَبَّثُونَ. وهؤلاءِ يقولونَ: مبتدعٌ, لا يَرْعَوونَ!!
ويُخشى أنْ يزولَ فارقُ ما بينَ أولئكَ وهؤلاءِ بعدَ حينٍ.
إنَّ الغُلاةَ في كلِّ عصرٍ ومَصْرٍ تَعْشُو عيونُهُم عن دَرْكِ نورِ الحقِّ, ولا تنتعشُ أرواحُهُم إلَّا في ظُلُماتِ الباطلِ, ودَيَاجِيرِ المكرِ, وكهوفِ الضَّلالِ, وسراديبِ الجهلِ.
ومثالُهُم في مِصْرَ:
ذلكَ المُتَّشِحُ بالسَّوادِ, مُشْبِهُ الرَّافضةِ, - يُحيي سُنَّةً بزعمِهِ العَلِيلِ وذهنِهِ الكَليلِ - وقد نَضَحَ سَوَادُ ثَوبِهِ على صفحةِ قلبِهِ؛ فأذهَبَ ما بَقِيَ من لُبِّهِ؛ فهو مُتَلَدِّدٌ حائرٌ بكلِّ سبيلٍ!!
أَلَا إنَّ الحماقةَ, وضِيقَ العقلِ, وحَرَجَ الصَّدْرِ, وأُحادِيَّةَ النَّظْرَةِ لَمِمَّا يجمعُ الحَدَّادِيَّةَ من كلِّ قبيلٍ.
ومِنْ حماقَتِهِم:
أنَّهُم يسمعونَ كلامَ أهلِ العلمِ على غيرِ وجهِهِ, ويفهمونَ غيرَ ما سَمِعُوهُ من غَلَطِهِ, ويكتبونَ غيرَ ما فَهِمُوهُ مغلُوطًا, ويقرؤونَ غيرَ ما كتبوهُ ممسوخًا, فيُمْسَخُ كلامُ أهلِ العلمِ من طرِيقِهِم أربعَ مراتٍ كاملاتٍ.
وخذ - غيرَ مأمورٍ - مثلًا:
زعمُوا أنَّ العبدَ الفقيرَ كاتبَ هذه السُّطُورِ, ينكرُ الانتسابَ إلى ((السَّلَفِيَّةِ)) إنكارًا, وفَهِمُوا ذلكَ على طريقَةِ أهلِ الضَّلالِ, لا يُرَاعونَ للكلامِ سِياقًا, ولا يُبالُونَ بِظَرْفَيهِ: زمانًا ومكانًا, ثمَّ راحوا كَمَنْ بِهِ جِنَّةٌ يَزْعَقُونَ بكلِّ نادٍ, ويَنْعِقُونَ في كلِّ وادٍ, والنَّاسُ بينَ ممسكٍ على فَمِهِ حتى لا ينفجرَ ضاحكًا فيُظَنُّ - والشَّمَاتَةُ خُلُقٌ دنيءٌ - شامِتًا.
وبينَ ممسكٍ على أجفانِهِ حتى لا يَسْتَعْبِرَ متهانِفًا وباكيًا, فَيَسِيلَ ماءُ الشُّؤونِ.
وللهِ في خَلْقِهِ شؤونٌ.
وأقولُ:
نعم, أُنكرُ الانتسابَ إلى السَّلَفِيَّةِ - إنكارًا - باعتبارٍ, وأُثْبِتُ الانتسابَ إلى السَّلَفِيَّةِ - شَرَفًا وفَخَارًا - باعتبارٍ.
والإنكارُ والإقرارُ هو ما قالَهُ العلَّامَةُ ابن عُثيمين - رحمهُ اللهُ - في شرح الحديث الثامن والعشرين من ((الأربعين النووية)), وذلك في الفائدةِ السادسةَ عَشْرَةَ من فوائدِ الحديثِ.
قال - رحمهُ اللهُ -:
«إنَّه إذا كَثُرَتْ الأحزابُ في الأمَّةِ فلا تنتمِ إلى حزبٍ, فقد ظهرت طوائفُ من قديمِ الزمانِ مثلُ الخوارجِ والمعتزلةِ والجهميةِ والرافضةِ, ثم ظهرتْ أخيرًا إخوانيونَ وسلفيونَ وتبليغيونَ وما أشبَهَ ذلك, فكلُّ هذه الفِرَقِ اجعلها على اليسارِ وعليك بالأمامِ, وهو ما أرشدَ إليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في قولِهِ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ».
ولا شكَّ أنَّ الواجبَ على جميعِ المسلمينَ أنْ يكونَ مذهبُهُم مذهبَ السَّلَفِ لا الانتماءَ إلى حزبٍ مُعَيَّنٍ يُسمَّى (السَّلَفِيينَ), والواجبُ أنْ تكونَ الأمَّةُ الإسلاميةُ مذهبُها مذهبَ السَّلَفِ الصالحِ لا التَّحَزُّبَ إلى ما يُسمَّى (السَّلَفِيُّونَ) فهناكَ طريقُ السَّلَفِ وهناكَ حزبٌ يُسمَّى (السَّلَفِيُّونَ) والمطلوبُ اتِّباعُ السَّلَفِ, إلَّا أنَّ الإخوةَ السَّلَفيينَ هم أقربُ الفِرَقِ إلى الصَّوابِ ولكنَّ مشكِلَتَهُم كغيرِهِم أنَّ بعضَ هذه الفِرَقِ يُضَلِّلُ بعضًا ويُبَدِّعُهُ ويُفَسِّقُهُ, ونحن لا ننكرُ هذا إذا كانوا مُسْتَحِقِّينَ, لَكِنَّنَا ننكرُ معالجةَ هذه البدعِ بهذه الطريقةِ, والواجبُ أنْ يجتمعَ رؤساءُ هذه الفِرَقِ, ويقولونَ بيننا كتابُ اللهِ وسُنَّةُ رسولِهِ فلنتحاكم إليهِمَا لا إلى الأهواءِ والآراءِ, ولا إلى فلانٍ وفلانٍ, فكلٌّ يخطئُ ويصيبُ مهما بَلَغَ من العلمِ والعبادةِ ولكنَّ العصمةَ في دينِ الإسلامِ.
فهذا الحديثُ أرشدَ فيه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى سلوكِ طريقٍ مستقيمٍ يَسْلَمُ فيه الإنسانُ, ولا ينتمي إلى أيِّ فِرْقَةٍ إلَّا إلى طريقِ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ سُنَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والخلفاءِ الرَّاشِدِينَ المهديينَ»(1).
فأيُّ عابٍ على من قالَ هذا, وأنكرَ باعتبارٍ وأقرَّ باعتبارٍ؟!
وهو في حَالَي الإقرارِ والإنكارِ يُراعي حالَ المدْعُوِّينَ.
ولكن, من فجورِ هؤلاءِ الحَدَّادِيِّةِ في الخصومةِ:
أنَّهم يعلمونَ أنَّ إطلاقَ الانتسابِ إلى (السَّلَفِيَّةِ) في مصر, في الوقتِ الذي تكلمتُ فيه بما تكلمتُ به, كان - أي هذا الإطلاقُ - يعني انتماءً حزبيًّا, يَغُضُّ هؤلاءِ الحَدَّادِيَّةُ الطَّرْفَ عنه إذا خاصموا, ويفتحونَ أعيُنَهُم - وُسْعَهُم - عليه إذا خُوصِمُوا, وإلى اللهِ المُشتكى.
ومِنْ حماقاتِ هؤلاءِ الحَدَّادِيَّةِ:
أنَّهم ينعتُونَ العبدَ الفقيرَ كاتبَ هذه السُّطُورِ بـ(الأزهري), وهم يُريدونَ بذلكَ عقيدةَ الأزهرِ ومنهَجَهُ, وماضِيهِ ودعوَتَهُ.
وأقولُ للعقلاءِ - لا لهؤلاءِ -:
أولًا: هل تعلمونَ أنَّ العلَّامَةَ الفقيهَ الجليلَ عبد الرَّزَّاق عفيفي كان أزهريًّا؟
هل تعلمونَ أنَّ المُحَدِّثَ اللُّغَوِيَّ الكبيرَ أحمد محمد شاكر كان أزهريًّا؟
هل تعلمونَ أنَّ العلَّامَةَ محمد حامد الفقي كان أزهريًّا؟
هل تعلمونَ أنَّ الشيخَ محمد عبد الرزاق حمزة كان أزهريًّا؟
هل تعلمونَ أنَّ الشيخَ الجليلَ عبد الرحمن الوكيل كان أزهريًّا؟
هل تعلمونَ أنَّ الشيخَ الدكتور محمد خليل هرَّاس كان أزهريًّا؟
هل تعلمونَ؟؟
فكان ماذا؟!
وماذا تنقِمُونَ من هؤلاءِ وغيرِهِم ممن وراءَهُم وهو على نهجِهِم؟!
ثانيًا: أنَّ الأزهريَّ الذي يَعْنُونَ: هو من كان أزهريًّا قُحًّا تربَّى على منهجِ اعتقادِهِ وعملِهِ, ولستُ كما يظنونَ!
وإنَّما التحقتُ بكليَّةِ الطبِّ في جامعةِ الأزهرِ متخرجًا في الثانوية العامَّةِ -لا الأزهريةِ - ثم التحقتُ بعد الدِّراسةِ الطِّبِيَّةِ بقسمِ اللغةِ العربيةِ في كليةِ الآدابِ جامعةِ المنوفيَّةِ - لا الأزهريةِ - ثم حصلتُ - بفضلِ اللهِ وحدَهُ - على درجةِ التخصصِ - الماجستير في الحديثِ - من شعبةِ الدراساتِ الإسلاميةِ بالقسمِ المذكورِ, ثم حصلتُ - بفضلِ اللهِ وحدَهُ - على درجةِ العَالِمِيَّةِ - الدكتوراه - في التخصصِ ذاتِهِ من القسمِ نفسِهِ.
فأين ما يدَّعُونَ؟
أمَّا عقيدةُ السَّلَفِ فهي ما أَدِينُ اللهَ تعالى به في الأسماءِ والصفاتِ, وفي القرآنِ المجيدِ, وفي آلِ البيتِ والصحابةِ رضي الله عنهم, وفي القضاءِ والقدرِ, وفي الوعدِ والوعيدِ, وفي مسائلِ الإيمانِ وضوابطِ التكفيرِ, وفي معاملةِ الحُكَّامِ, وفي الحكمِ بما أنزلَ اللهُ, وفي معاملةِ أهلِ البدعِ والأهواءِ.. إلى آخرِ مباحثِ العقيدةِ التي قرَّرَهَا العلماءُ مِنْ كتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم بِفَهْمِ السَّلَفِ الصالحينَ, وعلى ما حرَّرَهُ الإمامُ المُبَجَّلُ أحمدُ بنُ محمد بنِ حنبل, وولدُهُ الإمامُ عبدُ الله, والأئمةُ: البربهاري, وابن أبي عاصم, والآجري, واللالكائي, وغيرُهُم, وشيخُ الإسلامِ ابن تيمية, والإمامُ محمد بن عبد الوهاب وأولادُهُ وحَفَدَتُهُ, وأئمةُ الدعوةِ إلى عصرِنا هذا.
وشَهِدَ اللهُ أنِّي ما اعتقدتُ يومًا سوى هذه العقيدةِ, وما كنتُ يومًا صوفيًّا ولا أشعريًّا, ولا جهميًّا ولا إخوانيًّا ولا تبليغيًّا..., وإنما مَنَّ اللهُ عليَّ وتَفَضَّلَ, مِنَّةً مِنْهُ وفضلًا, ولهُ الحمدُ وحدَهُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا بِهِ, وأسألُ اللهَ تعالى الثباتَ حتى المماتِ.
وهذا معنى قولي: «إنِّي ما تَلَبَّسْتُ ببدعةٍ قبلُ», وأمَّا ما أقعُ فيه أنا وغيري - ممن هو أَجَلُّ منِّي في العلمِ جلالةً وأعظمُ قدرًا - فهذا مما لا يُتَوَقَّى مثلُهُ مِنْ غيرِ معصومٍ بحالٍ, ولكن نرجعُ إلى الحقِّ, ونَفِيءُ إلى الرشدِ, ونستغفرُ اللهَ ممَّا كان.
وهذا مُقَرَّرٌ عن العبدِ الفقيرِ كاتبِ هذه السُّطُورِ, ذائعٌ وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ ومشهورٌ, ومنه ما تجدُهُ مسموعًا ومقروءًا في:
1- التقريراتُ السَّنِيَّةُ على شرح العقيدةِ الواسطيةِ.
2- فتحُ ربِّ الأرضِ والسمواتِ في التعليقِ على شرح القواعدِ المُثلى في الأسماءِ والصفاتِ.
3- شرحُ معارجِ القَبُولِ.
4- شرحُ أعلامِ السُّنَّةِ المنشورةِ.
5- عقيدةُ الفِرْقَةِ الناجيةِ.
6- عقيدتُنَا في القرآن العظيم.
7- عقيدةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في الشفاعةِ.
8- عقيدتُنَا في آلِ البيتِ.
9- عقيدتُنَا في الصحابةِ رضي الله عنهم.
10- عقيدتُنَا في الأسماءِ والصفاتِ.
11- عقيدتُنَا في القضاءِ والقدرِ.
12- شرحُ العقيدةِ الطحاويةِ.
13- شرحُ الأصولِ الثلاثةِ.
14- شرحُ الأصولِ السِّتَّةِ.
15- شرحُ حديثِ: (لو أنَّ اللهَ عَذَّبَ أهلَ سماواتِهِ وأهلَ أرضِهِ...).
16- شرحُ توحيد الألوهية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
17- شرحُ توحيد الربوبية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
18- وفي الرَّدِّ على أهلِ البدعِ:
· حكمُ الرَّدِّ على أهلِ البدعِ.
· علاماتُ أهلِ البدعِ.
· التحذيرُ من كتبِ أهلِ البدعِ.
· الرَّدُّ على الإخوان المسلمين.
· الرَّدُّ على بدعِ سيد قطب.
· الرَّدُّ على بدعةِ العملِ الجماعيِّ التنظيمي.
· الرَّدُّ على الرَّافضةِ.
وغيرِ ذلكَ, وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ.
ومن حماقاتِ الحَدَّادِيَّةِ وجهلِهِم:
أنَّهُم لا يُفَرِّقونَ بينَ (مَنْ حَدَّثَ ونَسِي), و(مَنْ حَدَّثَ فكَذَبَ)!!
لا يُفَرِّقُونَ بينَ الرَّجُلِ ينسى الشيءَ قالَهُ يومًا من الدهرِ, فإذا رُوجِعَ فيه أنكَرَهُ نِسيَانًا, والرجلِ يتنفسُ كَذِبًا, فيفتري عَشْرَ كَذَبَاتٍ في صحيفتينِ اثنتينِ!! اثنتين بلا مَينٍ!!
وما أدرَكَتِ الآفةُ هؤلاءِ الحَدَّادِيَّةَ إلَّا من جهةِ شيوخِهِم, فشيوخُهُم لا هِمَّةَ لهم في تعليمِ النَّاسِ ما ينفُعُهُم وما أوجبَ اللهُ عليهِم من التوحيدِ, والبراءةِ من الشركِ وأهلِهِ, ولا هِمَّةَ لهم في تعليمِ النَّاسِ الصلاةَ, وحَثِّهِم عليها وترهيبِهِم مِنْ تَرْكِهَا...
ومِنْ عجبٍ أنَّ هذه الفلولَ الشاردةَ من الحَدَّادِيَّةِ المصريينَ الغُلاةِ يُكَفِّرُونَ كفرًا أكبرَ مَنْ تركَ الصلاةَ تكاسلًا وتهاونًا, وهم يعيشونَ بين أقوامٍ أكثرُهُم يُهملُ الصلاةَ ولا يُبالي.
وتكفيرُ جماهيرِ المسلمينَ الغافيةِ الغافلةِ, المتهاونِ أكثرُهُم في أمرِ الصلاةِ, قريبٌ - عَدَدًا - من تكفيرِ سيد قطب للمجتمعاتِ الإسلاميةِ؛ لجهلِهَا - بزعمِهِ - بحقيقةِ لا إله إلا الله, ولتفريطِهَا - بتقريرِهِ - في الحكمِ بِمَا ما أنزلَ اللهُ!!
فأيُّ الفريقينِ أحقُّ بالخِزْيِ إنْ كنتم تفقهونَ؟!!
ماذا صَنَعَ الحَدَّادِيَّةُ كلُّهم, والمصريونَ - تحديدًا - لعودةِ الشاردينَ من النَّاسِ إلى حقيقةِ التوحيدِ وإقامِ الصلاةِ؟؟
صنعوا الفتنَ, وجلبُوا المحنَ, وبدَّدُوا الطَّاقاتِ, وأهدروا القدراتِ!!
ورجعٌ إلى مبحثِ: (مَنْ حَدَّثَ ونَسِي).
أقولُ: أفردَهُ بالتصنيفِ الإمامُ أبو الحسن الدارقطنيُّ, كما ذكرَهُ السخاوي في ((فتح المُغيث)) (1/318), وصنَّفَ فيه أبو بكرٍ الخطيبُ البغداديُّ: ((جزءُ مَنْ حَدَّثَ ونَسِي)), ذكرَهُ ابن الجوزي في ((المنتظم)) (8/266), وياقوتُ في ((إرشاد الأريب)) (4/20), والذهبيُّ في ((تذكرة الحفَّاظ)) (3/1140).
وذكَرَ الخطيبُ هذا النوعَ في ((الكفاية)) (2/423, نشرة دار الهُدى), فقال: «بابُ القولِ فيمن روى حديثًا ثم نَسِيَهُ, هل يجبُ العملُ به أم لا؟
وروى بسندِهِ عن عمرو بن دينارٍ عن أبي معبدٍ عن ابنِ عباسٍ قال: «كنتُ أعرفُ انقضاءَ صلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالتكبير».
قال عمرو بن دينارٍ: ثم ذكرتُهُ لأبي مَعْبَدٍ بعدُ فقال: لم أُحَدِّثْكَهُ. فقال عمروٌ: قد حَدَّثْتَنِيهِ. قال: وكان من أصدقِ موالي ابنِ عباسٍ.
قال الشافعيُّ: كأنَّهُ نَسِيَهُ بعد ما قد حَدَّثَهُ إيَّاهُ».
وإسنادُ الخطيبِ إسنادٌ صحيحٌ.
وذكَرَ الخطيبُ في ((الكفاية)) تسعةَ أمثلةٍ أخرى.
وذكر السَّيوطيُّ ذلك النوعَ, (مَنْ حَدَّثَ ونَسِي), في ((تدريب الرواي)) (صفحة 234), وأفرَدَهُ في جزءٍ سمَّاهُ: ((تذكرةُ المؤتسي في من حدَّثَ ونَسِي)). حقَّقَهُ صبحي السَّامَرَّائي, ونشرت الدارُ السَّلَفِيَّةُ طبعتَهُ الأولى سنة أربع وأربعمائة وألف.
وقد ذَكَرَ السَّيُوطيُّ أنَّه لَخَّصَ ذلك الجزءَ من كتابِ الخطيبِ وقد ذَكَرَ سبعةً وثلاثينَ مثالًا.
أولُها: ما أخرجهُ من طرقٍ عن الزهريِّ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ أنَّهُ قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ», فقيل لأبي هريرةَ: ألم تُحَدِّث أنَّهُ قال: «لا عدوى»؟ فقال: إني لم أفعل.
قال أبو سَلَمَةَ: قد حَدَّثَ بِهِ, وما رأيتُهُ نَسِيَ حديثًا قطُّ غيرَهُ.
أخرجه مسلمٌ نحوَهُ (2221)(2).
وقريبٌ من هذا ما وقعَ لي بشأنِ ما ينعِقُ به النَّاعقونَ من الحَدَّادِيَّةِ الحمقى في مسألةِ الشيخِ الشعراوي, حيث كان ما كان من كلامٍ ثم أُنسِيتُهُ؛ طواهُ النسيانُ في يَمِّهِ, وعفا عليه مرُّ الليالي, وكَرُّ الأيامِ, ومرورُ الأعوامِ.
ولم أكُ أحْفِلُ بتسجيلِ من يفعلُ, ولا بنقلِ من ينقُلُ, فلمَّا قيلَ: قلتَ. قلتُ: ما قلتُ. وما كنتُ لذلك ذاكرًا, ولا كان عندي حاضرًا. ثم عرفتُ بعدُ.
فكان ماذا؟ أليس لنا فيه سلف؟؟
بلى, هؤلاءِ هم سلفُنَا فيه.
وأمَّا أنتم:
فمن سلفُ من يكذبُ مجازِفًا عَشْرَ كَذباتٍ في صحيفتين لا يختلجُ له جَفْنٌ؟
ومن سلفُ من ينفقونَ الأعمارَ والأموالَ ليَصُدُّوا النَّاسَ عمَّنْ يعلِّمُهُم التوحيدَ والاتِّبَاعَ, ويأمرُهُم بالسُّنَّةِ وينهاهُم عن البدعةِ؟
ومن سَلَفُ مَنْ يبغونَ على النَّاسِ بغيرِ الحقِّ يريدونها عِوَجًا, ويحسبونَ أنَّهُم يحسنُونَ صُنْعًا؟
ومَنْ سَلَفُ مثيري الفتنِ, الذين كلَّمَا أوقدُوا نارًا للفتنةِ أطفأها اللهُ؟
ومَنْ سلفُ مَنْ يأكلُ قلوبَهُم الحقدُ ويَفْرِيهَا الحسدُ, يحسُدُونَ النَّاسَ على ما آتاهُمُ اللهُ من فضلِهِ؟
ما لكم كيف تحكمون؟
وبعدُ: فإنَّما أُصِيبَ القومُ مِنْ قِبَلِ حماقَتِهِم وجهلِهِم.
فلماذا لا يتعلَّمُونَ؟!
ولماذا لا يَكُفُّونَ أذاهُم عن المسلمينَ؟!
ألا يُبصرُ هؤلاءِ ما آل إليه حالُ الأمةِ؟!
أفيحسبُ الجاهلونَ أنَّ ما هم فيه من تفاهاتِ الجِدَالِ, ومَرْذُولِ الخِصالِ, يقيمُ أَودَ الأمةِ ويرفعُ عنها المُلِمَّةَ؟!
أم يحسبونَ أنَّ وقوعَ أحدِهِم على سطرٍ في كتابٍ أو جملةٍ في خِطَابٍ, يَثْلِمُ حَدًّا أو يُذْهِبُ جَدًّا؟!
ألم يعلم هؤلاءِ يومًا أنَّ الذي يرفعُ ويخفِضُ هو اللهُ؟! وأنَّ الأمةَ لو اجتمعت على أنْ ترفعَ ساقِطًا لم تَرْفَعْهُ إلَّا إذا رَفَعَهُ اللهُ, ولو اجتمعَت على أنْ تُسْقِطَ باذِخًا لم تُسْقِطْهُ حتى يَأْذَنَ اللهُ؟
ألم يعلم هؤلاءِ يومًا أنَّ طهارةَ القلبِ, وصفاءَ النَّفسِ, وحبَّ الخيرِ, وبذلَ النَّدى, وطلاقةَ الوجهِ, أولُ ما يُعقَدُ عليه الخِنْصَرُ من صفاتِ الداعِي إلى اللهِ على مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ؟
أمَّا لماذا يشْغَلُونَ النَّاسَ بأفكارِهِم العليلَةِ, ونفُوسِهِمُ القليلةِ؟!
فلذلك تفصيلٌ - إن شاءَ اللهُ - فوقَ هذا الإجمالِ, وله - إن شاءَ اللهُ - مقالٌ سوى هذا المقالِ.
واللهُ المستعانُ, وعليه التُّكْلانُ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ.
وكتب أبو عبد الله محمد بن سعيد رسلان
الخميس 28 من رجب الأَصَبِّ 1429هـ
31/7/2008م
______________
(1) شرح ((الأربعين النووية)) للعلامة محمد بن صالح العثيمين (صفحة 221) الطبعة الأولى لدار الاستقامة بمصر سنة 1428هـ/2007م.
(2) تذكرة المؤتسي فيمن حدث ونسي للسيوطي صفحة (17) تحقيق صبحي السامرائي.