أعاني من وسواس شديد!
المجيب د. محمد بن عبد العزيز اللاحم
السؤال
أعاني من وسواس شديد جداً في كل شيء، لدرجة أنني كرهت نفسي وأتمنى الموت كل لحظة.. أريد جوابًا كافيًا شافيًا، ومن فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
الجواب أختي الكريمة السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
مع أنك لم تذكري نوع الوسواس الذي تعانين منه لأنه أنواع مختلفة يختلف نوعا وعلاجا وضعفا وقوة، وكل نوع والحمد لله له علاج، وأفضل علاج للوسواس الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والذكر والطاعة.
ونجيبك في الجملة. الوسواس مرض يبتلي الله به من يشاء من عباده، وقد يصاب به الصالحون. وهو على أنواع فمنه ما هو عملي، ومنه ما هو اعتقادي، والوسواس القهري هو أفكار تتسلط على العبد، وتحمله على تكرار التفكير أو الأفعال بشكل قهري، وإذا لم يستجب لتلكم الأفكار والأفعال وينساق معها حصل له قلق شديد وتوتر نفسي لا يزول عنه إلا بالاستجابة لها.
والأصل في سببه أنه من عمل الشيطان، وقد يكون سببه مرض نفسي يتعلق بالجهاز العصبي. والشيطان يبدأ في وسواس العبد في الشيء اليسير في عبادته وعمله وسلوكه، فإن استعاذ منه وامتنع عنه لم يتغلب عليه، وإن استجاب له العبد وكان ضعيفا شدَّد عليه الشيطان وأكثر من وسواسه وتمكن منه حتى يشككه في دينه وربه ونبيه، ويهجم على قلبه، ويضعف عزيمته، ويبطل عمله، ويكون العبد له أسيرا. قال عثمان بن أبي العاص: "يا رسول الله: إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً". قال: "ففعلت ذلك فأذهبه الله عني" رواه مسلم.
والمراد بمرض الوسواس هو الذي يكون مسيطرا على تفكير العبد وسلوكه في سائر أحواله لا ينفك عنه. أما الوسوسة الطارئة و خاطرة السوء والهم بالمعصية الذي بعرض للعبد أحيانا فهذا لا يعد مرضا، وأمره سهل بإذن الله تعالى، ولا يضر العبد ذلك ولا يحاسب عليه إذا طرده وتخلص منه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله تجاوز لأمتي عما وسوست به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" رواه البخاري.
كما أن الناس يتفاوتون أيضا في مرض الوسواس، فمنهم من وسواسه خفيف ومنهم متوسط ومنهم شديد. ومنهم من وسواسه في العبادات، ومنهم من في الاعتقادات والعياذ بالله. وأهم أمر في مرض الوسواس الشعور بضرورة العلاج. وإدراك أن هذه الوسوسة إنما هي كيد الشيطان ونزغاته. فإن هذا الإدراك هو بداية الطريق في صدّ هذا الكيد ودفعه، فإن الإنسان حين لا يدرك أن هذا من كيد الشيطان ووسوسته فإنه لا يزال به حتى يصرعه أسيرا للوسوسة والتزيين والإغواء والإغراء.
وعلاج الوسواس الذي سببه الشيطان يكمن في الأمور الآتية:
1- أن يعلم المبتلى بذلك أن ما أصابه مرض ابتلاه الله به لحكمة فيصبر على ذلك ويحتسب، ويتعاطى الأسباب التي تخففه أو تمنعه بالكلية. قال تعالى "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ".
2- أن يكثر العبد من الاستعاذة بالله من شرور الشيطان، وأن يلجأ إلى الله ويعتصم به. قال تعالى "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".
3- أن يطلب العون من الله ويحسن التوكل عليه، ويوقن أنه لا يمنعه من الشيطان ويقيه إلا الله، ومن استعان بالله على أحد من خلقه كفاه شره وعصمه ووقاه منه ويسر أمره. قال تعالى "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ". وقال تعالى: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".
4- أن يكثر من الدعاء الصادق لا سيما في الأوقات والأماكن الفاضلة، ويطرح بين يدي الله، ويدعو دعوة المضطرين بخوف وإنابة وحسن ظن بالله. قال تعالى "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ".
5- إذا هجم الوسواس عليه قطع التفكير به ولم يستسلم، بل اشتغل بأمر آخر ديني أو دنيوي نافع، وينبغي له أن يملأ وقته ويومه بكثير من الأعمال والبرامج، ولا يبقى فارغا يتسلط التفكير عليه.
6- أن يكثر من ذكر الله والتدبر فيه خاصة الفاتحة والمعوذات وسورة البقرة. فإن لذكر الله أثرًا عظيمًا في اطمئنان القلب وطهارته وذهاب صدأه وقسوته ووحشته من الشبهات المحرقة والشهوات المظلمة. قال تعالى: "الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".
وإذا ثبت أن الوسواس ناشئ عن مرض نفسي فلا بأس في تعاطي العلاج النفسي والاستعانة بالمختصين وغير ذلك من الأسباب النافعة مع تلاوة القرآن والذكر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" رواه البخاري.
وإذا قاوم العبد الشيطان على وسواسه وجاهده على ذلك وصبر على بلائه كان مأجورا على ذلك ولم يؤاخذه الله بما حصل منه، وكان ذلك دليلا على كمال إيمانه ونور بصيرته. وقد وقع ذلك للصحابة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه. قالوا نعم. قال: ذاك صريح الإيمان) رواه مسلم. والمعنى أن حصول الوسواس في نفوسهم مع كراهتهم له ودفعه عن قلوبهم هو من صريح الإيمان، وليس المراد أن الوسواس من صريح الإيمان.
والشيطان حريص أشد الحرص على الهجوم على قلب المؤمن الحق والوسوسة فيه لإفساده وإذهاب نوره، ولن يتمكن من ذلك بإذن الله ما دام العبد متحصنًا بذكر الله. أما الكافر والمنافق فالشيطان مستغن عن الوسوسة في قلبه ليس بحاجة إليه؛ لأن قلبه مظلم بالكفر. فقد جاء الصحابة لابن عباس وقالوا إن اليهود يعيروننا بقولهم نخشع في صلاتنا ولا تخشعون في صلاتكم فقال ابن عباس: وماذا يفعل الشيطان بالبيت الخرب.
أسأل الله أن يقوي إيماننا، وينور بصائرنا، ويقينا من شرور الشيطان، ويحفظنا من كيده، ويشفيك ويعافيك.
مصدر الاسلام اليوم