وداعًا بشائر
مانع سعيد العتيبة في قصيدة تفيض حزناً على ابنته الصغيرة والتي افتقدها وهي لم تكمل عامها الثاني إثر تسللها إلى حوض السباحة في غفلة من عيون الأهل ، وكانت نهاية مفجعة تركت في نفس الأب الشاعر ألاماً مبرحة وحزناً عميقاً عبرت عنه أبيات قصيدة الرثاء هذه التي نظمها في وداع طفلته .
بَـشـائـرُ نـاداك قلبي أجيبي ... ولا تـتـركـيني لِصمتٍ رهيبِ
أنـا جـئـتُ حتى أراكِ فقولي ... كـمـا اعْتَدْتِ بابا حبيبي حبيبي
فـصَـوتُـكِ كـان يُريحُ عــــنائي ... ويَـلْـمَـسُ دائـي بــــــكف الطبيبِ
فـكـيـفَ يـــــغـيـبُ بِلا عــودةٍ ... غِـنـــــاء الـحساسينِ والعندليب
بــشـائـرُ رُدِّي ولـــــو مـرةً ... وقـولــــــي : أحـبكَ بابا وغيبي
فـمـا لي احتجاجٌ على ما أرادَ ... إلــــــــهـي وهـذا الـغيابُ نصيبي
لـك الـحمدُ يا ربُّ في كل أمرٍ ... وإنـك تـعـلـمُ مــــــــا في القلوبِ
وأنـتَ الـرحـيـمُ وأنت الكريمُ ... وأنـــــــــتَ الـمُـفَـرِّجُ لَيْلَ الكُـروب
وهـبـتَ وأجـزلتَ فينا العطاءَ ... وإن ْ تَـسْـتَـرِدَّ فما مـــــنْ هروبِ
لـكـل ابـتـداءِ خِتامٌ وشمسي ... قـبـيل الشروق مَضتْ للغروبِ
بـشـائـرُ كـانـت كَزَهْرةِ فُـــلٍ ... شـذاهـا يَـضُوعُ بأجــملِ طيبِ
وكـنـتُ إلـيـهـا أحجُّ بشوقٍ ... لأرتـاح مـــــن طاحنات الحــروبِ
وأنـسـى لـديـها جراح فؤادي ... وكـيـدَ الأعادي وشوكَ الدُّروبِ
بـشـائـرُ كانت ضِياءَ الأماني ... ونـبضَ الأغاني فيا عينُ ذُوبي
وهَـاتـي دُمـوعَ الـعَزاءِ فإني ... أرى الـحُزنَ يُنشِبُ أنياب ذِيبِ
وأشـعـرُ أنّ سـمـائي غزاها ... مـع الـصـبحِ جيشُ لليلٍ كئيبِ
ولـولا يـقـيـنـي بِعَدْلِكَ ربي ... لـزَلْـزَلَ شُــــمَّ الـجبال نَحيبي
دخـلـتُ إلـى الدار بعد الغياب ... فـمـا غابَ عني شعورُ الغريبِ
وقـالـتْ لـي الدارُ في لوعةٍ : ... عَـهِـدتُـكَ صلباً أمام الخطــوبِ
فـما لي أرى الحزن في مقلتيك ... يَصُبُّ على الوجهِ لوْنَ الشحوبِ
تـجـلـدْ فـإنَّ ( بشائرَ ) رُوحٌ ... إلـى الله تـمـضي بغيرِ ذنوبِ
جـنـانُ الـخلودِ بها استبشرتْ ... فـمـا منْ خطايا وما منْ عيوبِ
ومـا قـالـتِ الـدارُ إلا الـذي ... أُحـسُّ بـهِ كـانـدفـاع اللهيبِ
نـعـمْ لسْتُ أنكِرُ حُزني العميقَ ... ولا نـبـضَ قلبي يُداري وجيبي
بـشـائرُ كانت غزالي iiالصغيرَ ... وهـذا الـغـزالُ كـثيرُ الوثوبِ
وفي جُبِّ حَوضِ السباحة غاصتْ ... عـلـى غفلةٍ من عيون الرقيبِ
وضـاعـتْ بـشـائرُ في لحظةٍ ... ومـا الـموتُ غيرَ البعيدِ القريبِ
إرادةُ ربـي ومـالـي احـتجاجٌ ... فـيـا قـلبُ صَلِّ ويا نفسُ تُوبي
وداعـاً بـشـائـرُ يـا iiمهجتي ... فـأنـتِ إلـى دارنـا لنْ تؤوبي
ولـكِـنـنـي سوف ألقاكِ حَتْماً ... لـقـاءِ الـخـلـودِ بيومٍ مَهيبِ
تَـحـمَـلْـتُـكِ آخِرَ يَوْمٍ iiوقلبي ... يَـدُقُّ عـلى الصدر كالمستريبِ
وحـيـنَ تـواريتِ تحتَ الترابِ ... تّـذكرتُ ضِيقَ الوجودِ الرحيبِ
وقـفـتُ أمـام الـقبور iiبصمتٍ ... كـأنـي الـمُسَمَّرُ فوق الصليبِ
حـبـستُ دُموعي لِكي لا تفيض ... فـأعـجزُ عنْ صَدِّ دفقِ الصّبيبِ
فـلا حـولَ عِـنـدي ولا قـوةً ... هُـوَ اللهُ حَـسْبي ونِعم الحسيبِ