و تمرّ قوافلُ السائرين إلى الله بين يديك ... فإنْ وافت من عزائم سعيك يقيناً و صدقاً ..سرْتَ معها ....
و إن طربَتْ مسامعُ القلب لصوت الحادي... لتقدّمْتَ الركب ...
فإذا تعلّقت عيون المنى بالركب شوقاً و إجلالاً و حباً، و أخّرك عن الركب وَهََنُك، فأبطأْتَ في السعي
حيناً، و ما زلت تتابع سير الركب في مرمى بصرك المشتاق، فلا تتوانَ، و ألزمْ دليلَك بالمتابعة، مستدلاً
بما يلوح لك من أعلامهم في أفق المكابدة.... فلعلك تُشرِف على ما أشرفوا عليه، فيَشرُف في الكون
قدرُك .
و لعلك ... قد أبطأْت أكثر... و غاب عن عينيك الطيف.... فهل يغيب عن قلبك الشوق...؟! .... و هل
تنازعُك الروحُ لريحهِمُ الطيبة... تحمل ترجيع التسابيح في الأسحار نقية رخيّة هانئة.... و على مجامر
الدمع نديّة باردة...؟!
لحظـةً صاحبي إنْ تغفــلِ.... ألفَ ميـلٍ زادَ بعـدُ المنـــزلِ
رامَ نقشَ الشوكِ يوماً رجلٌ .... فاختفى عن ناظريْهِ المحملُ !
*
لكن...
لا تقنطْ ...
فلا يزال بين يديك أثر الركب ...
و الأثر على رمال المسعى في بيداء النفس دليل ... جليّ واضح تكاد تقرأ النفس فيه على رماله
الساكنات سمات سالكيه...فإذا عرفت الأثر فالزمْ...
إذا عرفت فالزم...
و لا تحيدنّ بعينيك عنهم، تريد زينة الحياة الدنيا...
و لا تتوانَ عن الكد و المتابعة، و لا تتكاسلْ أن تحثّ على الدرب الخطا
إن الخطا شاهداتٌ عليك...
فلو خلَّصت في السر عزمك للاحت لقلب المشتاق أطياف الأحبة، و لوصل إلى مسمعه صوت الحادي....
و لقرّت بالقرب بعد البعد عينه ....
" غداً ألقى الأحبة؛ محمداً و حزبه ... "
واهاً لبلال ... علم أن الإمام لا ينسى المؤذّن ....
فثمّ ...
إذا غفلت و شُغلت ...
و فتحت لريح الهوى كوة في جدار اليقظة . لتتسرب منها بين يدي سعيك...
فتمر على ما بقي في صفحتك من أثر الدليل، فيمّحي..
. و تفقد بفقده ما تبقّى بين يديك من علامات المسعى ....
فأنَّى لك بعدها أن تستبين في بياديك الطريق...
و قد يغلبك التيه والضيق....
فتنبَّه ...
إنما توعّد الهادي من غيّر منار الأرض باللعن
* لما في طمس الدليل من الظلم و الحرمان ...
فكيف تترك باعث الهوى ليعيث بآثار الدليل ؛ فتفقد في التيه دربَك ،
و تنال مع ألم الفقد وجعَ الامتناع، و مع حسرة الطرد وجعَ الحرمان...؟!
تنبَّه ... فلا يزال بين يديك... أثرُك
فأقمْ جنود اليقظة عليه في نوبة للحراسة
حتى تبلغ بالنفس مأمناً...
وتقرَّ بالوصل عيناً ....
ويرضى عنك بارئك إذ ذاك ....
وترضى ...
وتحمد الله أنْ هداك للخير فضلاً ...
وأنت أقل شيء قدراً ...
فلتحمدِ الله حمداً ...