السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقولها بكل صراحة: " في الناس خير "بجميع طبقاتهم وأشكالهم وجنسياتهم.
ولعلك توافقني بشرط أن تكون ممن ينظر " بعين إيجابية " وإلى الجانب الآخر الذي قد لا يظهر لك من المرة الأولى.
فذلك الصحابي الذي جيء به وهو يشرب الخمر ليقام عليه الحد وإذا بصحابي يعلن أمام الملأ " لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به " .
فتكون الإجابة التي تخرج من الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ) رواه البخاري [ 6282] .
فانظر لظاهر الصحابي الأول من شرب الخمر الذي تواترت النصوص بتحريمه ولعن فاعله، ومع ذلك فإن هذا الشارب للخمر قد يكون في قلبه رصيد من الخير والحب لله ولرسوله.
.......................
وينطبق هذا الوصف في نظري على بعض من نرى ممن وقعوا في بعض المخالفات الظاهرة كإسبال الثياب وحلق اللحية وحب الغناء.
فإن الواحد لو وقع في مثل ذلك فيجب أن لا نتعامل معه وكأنه وقع في ناقض من نواقض الإسلام ونظهر عداوته الكاملة ونحذر منه وندعو عليه ...
لأنه ربما يكون هذا وغيره ممن له إسهامات كبيرة في فعل الخير أو البر أو النفع المتعدي كالصدقات مثلاً مما لا يوجد مثله أو حتى جزء منه عند بعض الصالحين.
وكم رأيت ورأى غيري ممن له تجربة في مخالطة الناس وخاصة العامة من هذا الجانب الخيري لدى بعض أولئك الناس.
..........................
وأذكر منهم نماذج : قابلت رجل غير ملتحي ولكنه منظم إلى حلقة تحفيظ القرآن وقد حفظ خمسة أجزاء , فياترى لو رأيت هذا في مجلس فقد تنظر له أنه لايعرف القرآن ولا أهله ومع ذلك قد يكون حافظاً أكثر منك .
وموقف آخر : كنت أدرس مجموعة من الطلاب مادة القرآن فأعجبني صوت أحدهم فقلت له في جلسة انفراد : صوتك جميل فما رأيك أن تسجل في حلقة تحفيظ القرآن في مسجدي , فقال : أبشر , وفي مغرب ذلك اليوم كنت في مسجدي جالساً مع المشرف على الحلقات , وإذا بالطالب أمامي جاء ليسجل في الحلقة , فتعجبت من سرعة استجابته للاقتراح الذي ألقيته عليه .
ولاشك أن هذا دليل على الخير الكامن في نفوس هؤلاء .
وموقف ثالث : أحد المساجد كان بحاجة إلى بعض التكييف واشتد الحر على أهله فكلمت أحد التجار وفي نفس الوقت تبرع بما يقارب السبعين ألف ريال لهذا المسجد .
والمواقف التي جرت معي ومع غيري كثيرة وهي توحي لك بالخير الكامن في النفوس , فلاتظن أن وقوع بعض هؤلاء في بعض الذنوب دليل على بغضهم للدين أو كراهيتم له , بل ذلك نتيجة لضعف في الإيمان وتسلط الشيطان وإلا فالقلوب تحب ربها ومولاها بلا ريب .
إن الناس عموماً فيهم حب الدين وتعظيمه وحب الرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه والحزن على ما يجري للمسلمين .
والداعية الحكيم يراعي هذا الجانب الإيماني لدى هذا الصنف.
ولا يجوز له أن يخاطبهم وكأنهم لذنوبهم قد خرجوا من كل روابط الدين ومعالم الخير.
وفي تصوري أن الداعية البصير بواقعه يحاول تفعيل هذا الخير الذي في نفوس الناس لصالح الدعوة والتقريب لأمور الشريعة، وتحبيب الناس لدينهم وإقناعهم بأنهم جزء مهم في نصرته والدفاع عنه.
..
كتبه الشيخ سلطان العمري