كان الطريق واسعاَ
والمنازل تُزين حافتيه... وكأنها عقدان من اللؤلؤ الثمين
واصلنا السير ونحن نحث الخطى ..
ونحاول أن نكسب الوقت , وكأننا في صراع مع الزمن
وبعد شوط قطعناه سيراَ على الأقدام ,
بدأ الطريق يضيق شيئاَ فشيئا
حتى أصبحنا نسير في أزقة ضيقة ,
وبين منازل تكاد تسقط على رؤوس قاطنيها
وفي نهاية إحدى الأزقة الضيقة ,
وقفتُ وأمي أمام منزل متهالك
مددتُ يدي وطرقت بابه الحديدي
الذي يكاد الصدأ يلتهمه التهاماَ , طرقات خفيفة
ثم انتظرت برهة ,
فأجابني صوت ضعيف ,
وما هي إلا لحظات حتى فتح الباب
فإذ بعجوز كبيرة قد احدودب ظهرها , وسقط حاجباها ,
ورسم الزمن خطوطه العريضة على صفحة وجهها
الذي تكالبت عليه الهموم ..
رحبت بنا ترحيب بدد الصمت القاتل
المترامي في كل زاوية من زوايا بيتها الصغير
وأشرقت ابتسامة مشعة بين الظلام الحالك ..
دخلت أمي فدخلتُ على إثرها , وجلسنا في باحة البيت
فتحت السلة التي كنت أحملها ,
وأخرجت القهوة وطبق الحلوى
الذي تحبه هذه العجوز , كنت قد صنعته بنفسي
ابتسمت في خجل ودعت لي
نظرت في وجهها فإذا به وجه شاحب
تظلله غيمة سوداء من الأحزان
نقشت عليه الذكريات سلسلة من الألأم
سألتها ألكِ أبناء ؟!
خفضت رأسها وهزته .. نعم ..
قلت فأين هم ؟!
قالت تزوجوا وذهبوا مع أولادهم وأزواجهم
يلهثون خلف تلك الخائنة
قلت : من !
قالت الدنيا يا بنتي
قلت وهل يقومون بزيارتك ؟!
قالت أحياناَ ..
سقطت دمعة يتيمة من مآقيها التي أصيبت بالجفاف والقحط
فرفعت يدها الضعيفة
وأبعدت تلك الدمعة عن صفحة وجهها المليء بالتجاعيد
توقفت عند هذا الحد وانعطفت بالحديث إلى منعطف أخر ..
كنت أمعن النظر في عينيها التي لو قدر لها النطق
لفاضت بعقود من الشعر تنافس فيها أصحاب المعلقات
بدأ الظلام يتسلل إلى بساط الأرض ويغتال النور ويمزقه ,
قمنا نحمل متاعنا وودعناها , وقفلنا راجعين إلى منزلنا
نسابق الظلام الذي بدأ يسطو سطوته ,
ويوسع نفوذه على مدار الطريق
سمر