[align=center]من الأبعاد التربوية لفريضة الحج
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ سيد الأولين والآخرين ، وعلى آله وصحبه والتابعين ، وبعد ؛
فالحج ركن من أركان الإسلام الخمسة ، وفريضة افترضها الله تعالى على عباده لمن استطاع إليه سبيلا . وهو مؤتمر تربوي وموسم تعليمي على الأمة المسلمة أن تستفيد منه وأن تخرج منه بأكبر قدرٍ من الفوائد والمنافع التي تترتب على مختلف الأبعاد التربوية لهذه الفريضة العظيمة التي تنعكس آثارها ونتائجها على سلوك وتربية الإنسان المسلم وحياة المجتمع الإسلامي . ولعل من أبرز الأبعاد التربوية لفريضة الحج ما يلي :
أولاً / تربية الإنسان المسلم على تعظيم حرمات الله جل وعلا : فعلى المسلم الذي يأتي حاجًا أو معتمرًا إلى هذه البقاع المقدسة أن يعظم حرمات الله وأن يعرف لهذه المشاعر حقها فيخلص العبادة فيها لله وحده لا شريك له ، وأن يعلم أنه بدخوله الديار المقدسة إنما يدخل في معاهدة سلام مع الوجود كله لأن الله تعالى أمر عبادة بأن يكون حرَمُه أمناً ، والمعنى أن من دخله كان آمنًا على نفسه وعرضه وماله ؛ وليس هذا فحسب بل إن الحيوان والنبات وما في حكمهما يشترك في هذه المعاهدة الأمنية التي يؤكدها قوله تعالى : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } ( سورة آل عمران : من الآية 97 ) .
وهذا فيه بُعدٌ تربوي إنساني يفرض على الحاج والمعتمر أن يكون في رحلته إلى هذه الديار المقدسة عاقدًا العزم على تعظيم حرمات الله تعالى ، وعدم إيذاء من فيها من الكائنات ، وما فيها من المكونات لما يترتب على ذلك من الوعيد الشديد بالعذاب الأليم الذي جاء في معنى قوله تعالى : { ومن يُرد فيه بإلحادٍ بظُلمٍ نُذِقه من عذابٍ أليم } ( سورة الحج : 25 ).
ثانيًا / تحقيق معنى الإخلاص الكامل لله وحده لا شريك له وهو ما يمكن أن يتحقق للإنسان المسلم عندما يقصد هذه الديار المقدسة متجرداً من كل الأغراض الدنيوية والغايات الحياتية ، وعندما تكون غايته مُتمثلةً في طاعة الله تعالى والامتثال لأمره سبحانه ، والطمع في مرضاته جل في علاه . وهذا فيه بُعدٌ تربوي ذاتي يتمثل في أهمية تربية النفس البشرية على إخلاص النية وصلاح الطوية في مُختلف الأقوال والأعمال فرديةً كانت أو جماعية .
ثالثاً / تربية الإنسان المسلم على الامتثال والإتباع لهدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه أنه قال : "خذوا عني مناسككم " . ولا يكون هذا الإتباع للسنة النبوية إلا بسؤال أهل العلم الموثوق في دينهم وأمانتهم ، ومعرفة الكيفية الصحيحة لأداء المناسك والشعائر المختلفة ، والابتعاد عن البدع والضلالات ، وتصحيح الأخطاء التي يقع فيها كثيرٌ من الحجاج بقصدٍ أو بغير قصد .
وهنا بعدٌ تربويٌ روحيٌ عظيمٌ يتمثل في أن تمام العمل لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان موافقاً للمنهج الصحيح المستمد من كتاب الله العظيم وسنة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
رابعاً / تدريب النفس البشرية خلال رحلة الحج على الالتزام بالنظام والانضباط السلوكي لما يترتب على ذلك من إنجاح هذا الموسم العظيم ، عن طريق الالتزام الفردي والجماعي بالتعليمات ، والبُعد عن الفوضى ، والحرص على إتباع إرشادات السلامة ، والمشاركة الفردية والجماعية في التنظيم ، والحرص على التوعية الشاملة الصحيحة التي تكفل بإذن الله تعالى لكل من التزم بها أداء َ شعائر الحج ومناسكه أداءً سليماً . وفي هذا بُعدٌ تربويٌ تنظيمي يربي النفوس على الدقة والنظام ، والالتزام بهما في مختلف شؤون الحياة .
خامساً / تربية المسلم نفسه على حسن التعامل مع إخوانه الذين تربطه بهم رابطة الأخوة الإيمانية المتمثلة في قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ( سورة الحجرات : من الآية 10 ) . وفي هذا بُعدٌ تربوي أخلاقي يفرض على الحاج والمعتمر والزائر أن يحسن التعامل مع إخوانه ، وأن يتخلق معهم بالأخلاق الحسنة ، وأن يُحسن مصاحبتهم ومعايشتهم ، وأن يتحمل ما قد يحصل منهم من أخطاء أو نحو ذلك بأن يتعامل مع الموقف في حدود وضوابط الأخوة الإيمانية التي جمعتهم جميعاً في هذه البقاع الطاهرة ضيوفاً للرحمن في حرم الله الآمن يطلبون رحمته ويسألونه غفرانه .
سادساً / تربية الإنسان المسلم على حب الخير للجميع انطلاقاً من مبدأ محبة المسلم لأخيه المسلم والعمل على إتاحة الفرصة لآخرين من المسلمين الذين لم يسبق أن تيسرت لهم فرصة أداء مناسك الحج والعمرة والزيارة ، والذين هم في شوقٍ شديدٍ وحاجةٍ ماسةٍ إلى مساهمة إخوانهم في تحقيق هذا الأمل الذي تنشده أنفسهم ، وتهفوا إليه أفئدتهم . وهذا فيه بعدٌ تربويٌ اجتماعيٌ يتمثل في تحقيق انتماء الفرد المسلم إلى مجتمعه الإسلامي الذي يعيش فيه ، ويتفاعل مع من فيه وما فيه ، فيفرح لفرحهم ويتألم لألمهم .
[/align]