خطبه الجمعه من المسجد الحرام
27-10-1430 هـ
القاهافضيله الشيخ صالح بن محمد آل طالب
عنوانها الأمن وأثره في حياة الناس
الخطبة الأولى :
الحمد لله .. الحمد لله الجليل ثناؤه الجميل بلاؤه الجزيل عطاؤه .. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلِلْ فلا هاديَ له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له .. يغفر الذنوب ويستر العيوب ، أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ..
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وخليله ومصطفاه .. بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد .. فاتقوا الله عباد الله ، اتقوا الله وراقبوه وأطيعوا أمره ولا تعصوه ؛ فمن اتقى الله وقاه ومن كل ما أهمه كفاه، من نظر إلى العواقب نجا ومن أطاع هواه ضل : ... وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ... (50 سورة القصص).
وبعد معاشر المسلمين : إن مما جاء في مشكاة النبوة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ أصبحَ منكم آمنًا في سرْبِهِ معافاً في جسدِه عندَهُ قُوْتُ يوْمِه فكأنما حِيْزَتْ لهُ الدُّنيا " ، رواه الترمذي وابن ماجة بسندٍ حسن ..
لقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أصول حيازة الدنيا ثلاثة أشياء : الأمن في الأوطان ، والمعافاة في الأبدان والرزق والكفاف ؛ ففقد الأمن فقدٌ لثلث الحياة .. والثلث كثير .
ولما كان الأمن ثلث العيش امتن الله به على الأسلاف من قريش : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (3 – 4 سورة قريش) .
أيها المسلمون : الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار مطلبٌ ضروريٌ من مطالب الإنسان ؛ ففي ظل الأمن يرغد العيش وينتشر العلم ويتفرغ الناس لعبادة ربهم ومصالح دنياهم ؛ لذا كانت دعوة إبراهيم الخليل – عليه السلام – : ... رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ...(126 سورة البقرة) ..
انظر كيف قدّمَ الأمن على طلب الرزق لأنه لا يهنأ عيشٌ بلا أمان ..
وقد امتن الله – تعالى - على عباده بالأمن في مواضع كثيرة .. منها قوله - سبحانه - : وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(26 سورة الأنفال) ..
قال قتادة بن دعامة السدوسي – رحمه الله – في هذه الآية : " كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاهم عيشًا وأجوعهم بطونا وأعراه جلودًا وأبينه ضلالا ، من عاش منهم عاش شقيا ومن مات منهم ردي في النار .. يؤكلون ولا يأْكلون ..
والله ما نعلم قبيلًا من حاضر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرّ منزلاً منهم .. حتى جاء الله بالإسلام فمكَّن به في البلاد ووسَّع به في الرزق وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس ..
وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ؛ فاشكروا الله على نعمه فإن ربكم منعمٌ يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله " انتهى كلامه – رحمه الله - .
أيها المسلمون : ولازالت هذه النعمة متواليةً من الله – تعالى – وما اُنتقصت إلا حين انتُقص الناس من دينهم فبدّلوا وغيّروا ، وما ضاقت الأرزاق ووقعت القلاقل والفتن واستُضعِف المسلمون إلا حين خبط الشرك والمعاصي في بعض نواحي بلاد المسلمين ..
ولم تكن جزيرة العرب بمنأى عن ذلك ؛ ففي عهدٍ قريبٍ كانت مرتعاً للسلب والنهب والقتل والخوف حتى منّ الله عليها بدعوة التوحيد واتباع سنة سيد المرسلين – صلى الله عليه وسلم – فعادت آمنةً مطمئنة تُجبى إليها الثمرات من كل مكان، وتفجرت كنوز الأرض وعم الخير حتى صارت مهوى الأفئدة ديناً ودنيا .. وما ذاك – والله – إلا ببركة دعوة التوحيد واتباع السنة وطاعة الله ورسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فلله الحمد كثيراً .
أيها المؤمنون : إلا أنه ليس بين الله وبين أحدٍ نسب ؛ فبقدر الإيمان والتقوى تكون النعم والخيرات .. نعم الإيمان والتقوى بهما تفتح بركات الأرض والسماء .. بهما يتحقق الأمن والرخاء ، وصدق الله : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ... (96 سورة الأعراف) .
الأمن مربوطٌ بالإيمان :الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82 سورة الأنعام) ..أما إن بدّل العباد وغيروا فإن سنن الله لا تحابي ، وقد ...ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112 سورة النحل) .
إننا - ولله الحمد - لازلنا في خيرٍ من الله بديننا وفضل الله علينا ، لكن النذر الإلهية مذكرة لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(7 سورة إبراهيم) ..
فحفظ النعم وتفادي النقم لا يكون إلا بطاعة الله ورسوله ، ومن خالف جرت عليه سنة الله ، وإن ما يصيب المسلمين اليوم لهي نذرٌ إلهية لئلا ينسى الناس ربهم ليعود الشارد ويتنبه الغافل ويستغفر المذنب .
إن المعاصي والذنوب سببٌ رئيسٌ للخوف والقلق والمصائب والفتن والأمراض والبلايا .. قال الله - تعالى - محذراً من مخالفة رسوله – صلى الله عليه وسلم - : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(36 سورة النور) .. ولما أمر الله – تعالى – بطاعته وطاعة رسوله في قوله – سبحانه - : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ(20 سورة الأنفال)، قال فيما بعد : وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً... (25 سورة الأنفال) ..
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : " أمر الله المؤمنين ألا يُقِرُّوا المنكر بين أظهرهم فيعُمَّهم العذاب ، ثم بعدها امتنَّ الله على المؤمنين بتذكيرهم بما كانوا عليه من خوفٍ ثم آمنهم .. في إشارة إلى أن مخالفة أمر الله ورسوله مؤذنةٌ بالفتن والخوف وانعدام الأمن : وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ ...(26 سورة الأنفال) .
أيها المسلمون : طاعة الله ورسوله سبيلٌ للثبات والنجاة من الأزمات : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً *وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً(66-68 سورة النساء) .
إن الأمة بحاجةٍ ماسةٍ إلى مراجعة نفسها والعودة إلى ربها وترك المنكرات والتعاون على البر والتقوى ؛ خصوصاً في هذه الظروف الحرجة التي تسلط فيها الأعداء على الإسلام والمسلمين وعلى ديارهم .
إن المفترض في هذه الأزمات هو الفرار إلى الله والتوبة النصوح والتنادي بالرجوع إلى الله والالتجاء إليه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإسكات دعاة الرذيلة وعداة الصلاح ..
أما الغفلة والتمادي والنوم عن المنادي والإصرار على مخالفة أوامر الله فإنها مجلبة النقم مزيلة النعم ، وتعظم المصيبة إذا كانت الذنوب تُشْهَر وتُعْرَض ولا تُنْكَر ..
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " كلُّ أمتي معافىً إلا المجاهرين " .
يجب علينا التمسك بالسنة ولو تركها الناس وأن نغليها ولو أرخصوها ، وندافع عنها ونصبر على الأذى في ذلك ؛ فهذا هو سبيل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وهذا هو طريق الأمن في الدنيا والآخرة ..
وإذا كثرت الفتن تأكد التمسك بالسنن .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24 سورة الأنفال) .
باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعنا بسنة سيد المرسلين ..أقول قولي هذا وأستغفر الله – تعالى – لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله يُحمَد بنعمته وتُنَال كرامته برحمته : وهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(70 سورة القصص( ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم اليوم .
وبعد : أيا عبد الله حاسِبْ نفسك قبل أن تُحاسَب ، ولا تنظر إلى الهالك كيف هلك .. ولكن انظر إلى الناجي كيف نجا ، ولا تمتد بك حبال الأماني والغرور ؛ فالعمر قصير والأجل محدود والناقد بصير ، وموقف العرض على الله عسير إلا على من يسره الله عليه :وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ(47 سورة الحج) .
تأمل في مطعمك ومشربك وانظر ماذا ترى وتسمع وتقول ؟ وماذا تسر وتعلن ؟ ولئن خفيت منك اليوم خافية فهناك في أرض المحشر يُكشَف الغطاء وتتكلم الجوارح .. لقد جاءتك من ربك النذر .. فمن تذكر فإنما يتذكر لنفسه ، وصدق الله: لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ(70 سورة يس(، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والله يعفو ويصفح .
أيها المسلمون : والتفاتة أخرى إلى الأمن والأمان .. فإذا كان الأمن من الله منّةً والاستقرار رحمة ونعمة والرزق لهما تابع وللناس فيهما منافع .. فكيف يكون جُرم من أخلّ بهما وحمل السلاح بين ظهراني المسلمين وتربص الشر بالآمنين ؟! ..
لقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على من أخفى سوط أخيه يريد ممازحته حمايةً لصاحب السوط أن يقلق أو يهتم أو يصيبه الغم ، فأين العابثون بالأمن عن هذا الإحساس النبوي والإرشاد المحمدي .. وهم قد حملوا السلاح وحصدوا الأرواح ؟ وقد بانت معالم الرشاد واتضح الحق والصواب ..
لقد اتضح الصبح لكل ذي عينين وعلِمَ القاصي والداني أن ما يحدث في بلاد الإسلام من قتلٍ وتخريبٍ واستهدافٍ لرجال الأمن ورموزه أنه ليس من الإسلام في شيء وليس من الجهاد في شيء ، وأن الذين يفسدون في داخل بلاد الإسلام ليسوا مجرد أشخاصٍ مغرَّر بهم .. إنهم قتلةٌ متربصون ومجرمون متعمدون .. ينفِّذُون مخططاتٍ تخريبية ليس لها مشروع إصلاحي ولا هدف طبيعي ، بل هو قتلٌ لمجرد القتل وتخريبٌ لإحداث الفوضى وزعزعة الأمن في بلاد المسلمين تقف وراءه جهاتٌ مغرضة واستخباراتٌ معادية وحربٌ موجهة ضد مواطن هذا البلاد ودينه وقيادته واقتصاده ومقدراته ..
ومن النصيحة أن توضع النقاط على الحروف وأن يزداد الحذر والصد لهذا المنهج التخريبي ، كما أنه من الظلم والغش أن يحمَّل الإسلام أو المسلمون تبعة هذا النهج وهم المستهدفون به أصلا ، وهم الذين اكتووا بناره وتضرروا به أكبر الضرر : رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ(8 سورة آل عمران) .
هذا ، وصلُّوا وسلِّمُوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة رسول الله محمد بن عبد الله .. اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين وأزواجه أمهات المؤمنين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين .. اللهم انشر الأمن والاستقرار في بلادنا بلاد المسلمين ، اللهم ادفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين ، اللهم من أرادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره واجعل دائرة السوء عليه يارب العالمين .
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في فلسطين وفي كل مكان ، اللهم انصر المجاهدين المرابطين في أكناف بيت المقدس ، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرا ومؤيدًا وظهيرا ..اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك .
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحب وترضى ، وخذ بهم للبر والتقوى ..
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم وفقه ونائبه ونائبه الثاني وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صلاح العباد والبلاد .
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منّا .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفِّس كرب المكروبين ، وفك أسر المأسورين ، واقضِ الدين عن المدينين ، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك ومن النار ، اللهم يامقلب القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينك . اللهم يامقلب القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينك . اللهم يامقلِّب القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينك .
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .. عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يارب العالمين .
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء ؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا .. فأرسل السماء علينا مدرار ، اللهم أغثنا . اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا مجللا عامًّا نافعًا غير ضار تحيي به البلاد وتسقي به العباد وتجعله بلاغًا للحاضر والباد ، اللهم سقيا رحمة . اللهم سقيا رحمة . اللهم سقيا رحمة . لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
خطبة الجمعة من المسجد النبوي
27-10-1430 هـ
القاها فضيله الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
عنوانها النمـيـمـه
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي خلق الإنسان وأمره بحفظ اللسان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله .. سيد ولد عدنان ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان .
أما بعد .. فياأيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فمن اتقاه أفلح ونجا ، وسعد ولم يشقَ .
أيها المسلمون .. لقد حذَّر الله - جل وعلا - عباده من أذية المؤمنين ، وحرم عليهم إلحاق الضرر بالمسلمين : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناًالأحزاب 58 ، وإن من أعظم الأذية بالمؤمنين النميمة .. النميمة التي هي نقل الكلام بين الطرفين بغرض الإفساد ؛ كأن يقول لآخر : قال فلان فيك كذا وكذا ، وفعل في حقك كذا وكذا ، وكأن ينقل له ما يوغر قلب أخيه المسلم ، سواءًَ كان ذلك بقول أو كتابة أو إشارة ، وتشمل النميمة أيضا كشفَ ما يُكره كشفُه ، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه آخر ؛ فمن حقائق النميمة عند العلماء إفشاءُ الأسرار وهتك الأستار عما يُكره كشفه ؛ ولهذا قالوا :" كل مارآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي السكوت عنه ، إلا ما فيه تحذيرٌ لمسلم ، أو دفعٌ لمنكر" .
إخوةَ الإسلام .. إن النميمة جريمة تعددت آثارها السيئة ، وتكاثرت عواقبها الوخيمة .. هي عادة ذميمة وعمل لئيم ، وجريمة أخلاقية منكرة لا يحسنها إلا الضعفاء والجبناء ، ولا يتقبلها إلا الأراذل والتافهون ؛ ولهذا تضافرت نصوص الوحيين على تحريمها والتحذير منها ..وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍالقلم 10 – 11 ، وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍالهمزة 1 .. قيل : "إن الهمزة هي النميمة " ، ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - يقول :" لا يدخلُ الجنةَ نمَّامٌ " متفق عليه ، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين ، فقال :" إنهما لَيُعذَّبان ، وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " متفق عليه .
إخوة الإسلام .. النمام يمشي بين الناس بما يفسد قلوبهم ويقطع صِلاتهم ، ويُذهِب المودة بينهم ؛ ولهذا وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه إنسان ذو وجهين ، يتلون بحسب المصالح والمنافع ، ففي الحديث المتفق عليه :" تجد من شرار الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه " ، وروى أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " شرار عباد الله المشَّاءُون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء الأيب" ، فاتق الله أيها المسلم ، واحفظ لسانك عن أذية غيرك من المسلمين تسلم وتغنم ؛ فمن قواعد الشريعة المقررة ضرورةُ حفظ اللسان عن جميع الكلام ، إلا كلاماً تظهر المصلحة فيه ، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة ، فالسنة الإمساك عنه حتى لا ينجر المباح إلى حرام أو إلى مكروه ؛ فرسولنا - صلى الله عليه وسلم - يقول :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " متفق عليه .
أيها النمام .. راقب ربك واحذر سخط الجبار - جل وعلا - واعلم أن النميمة لا تُحصى شرورُها ، ولا تستقصى مفاسدُها .. قال يحيى بن أكثم - رحمه الله - :" النمام شرٌّ من الساحر" ، ويعمل النمام في ساعة ما لا يعمل الساحر في سنة ، ويقال : عمل النمام أضرُّ من عمل الشيطان ؛ لأن الشيطان بالخيال والوسوسة ، وعمل النمام بالمواجهة والمعاينة ، وقد ذكر بعض أهل العلم قصةً للعبرة والعظة ، فعن حماد بن سلمة أنه قال :" إن رجلاً باع غلاماً عنده ، فقال للمشتري ليس فيه عيب إلا أنه نمام فاستخفه المشتري فاشتراه على ذلك العيب ، فمكث الغلام عند المشتري أياماً ثم قال لزوجة مولاه : إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليكِ ، أفتريدين أن يعطف عليك ؟ قالت : نعم ، قال لها : خذي الموسى واحلقي شعرات من باطن لحيته إذا نام ، ثم جاء إلى الزوج وقال : إن امرأتك اتخذت صاحباً وهي قاتلتك ، أتريد أن يتبين لك ذلك ؟ قال : نعم ، قال : فتناوم لها ، فتناوم الرجل فجاءت امرأته لتحلق الشعرات ، فظن الزوج أنها تريد قتله فأخذ منها الموسى فقتلها ، فجاء أولياؤها فقتلوه ، وجاء أولياء الرجل ووقع القتال بين الفريقين " ، أفرأيتم ما تصنع النميمة ؟ كيف أودت بحياة رجل وزوجته ، وأوقعت المقتلة بين أقاربهما بهذا الصنيع من ذي الوجهين دائما ؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَالحجرات 10.
بارك الله لنا في الوحيين ونفعنا بما فيهما من الهدى والبيان أقول هذا القول ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه .
أما بعد ، فيا أيها المسلمون .. اتقوا الله حق التقوى ، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ، تُفلحوا دنيا وأخرى .
أخي المسلم .. إذا حمُِلَت إليك النميمة ، وقيل لك : إن فلاناً قال فيك كذا وكذا ، أو فعل في حقك كذا وكذا ، فالواجب عليك بدلالات الوحيين أمورٌ هي :
أولها : ألا تصدقَ النمام ؛ لأنه يفسق بنميمته فيرد خبره ، والواجب أيضا أن يُنهَى النمامُ عن ذلك وينصح له ويقبح فعله .. زار بعضَ السلف أخٌ له فنَمَّ له عن صديقه فقال : يا أخي أطلت الغيبة عني ، وجئتني بثلاث جنايات .. بغضت إليَّ أخي ، وشغلت
قلبي بسببه ، واتهمت نفسك الأمينة .
وقيل لأحد العلماء : إن فلاناً يذكرك في قصصه بشرٍّ ، فقال : يا هذا ما راعيت حق مجالسة الرجل ؛ حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقي حيث أعلمتني عن أخي ما أكره ، ولكن أعلمه أن الموت يعمُّنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا ، والله - جل وعلا - يحكم بيننا وهو خير الحاكمين .
وعليك - أيها المسلم - حين تنقل إليك النميمة ألا تظن بأخيك الغائبِ السوءَ ، وألَّا يحملك ذلك على التجسس والبحث والتحقق ؛ فربنا - جل وعلا - يقول :.. وَلَا تَجَسَّسُوا..الحجرات 12 .
ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا بأمر عظيم ، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم .. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر ، وعثمان وعلي ، وعن الآل وسائر الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين . اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين . اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين . اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه . اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه . اللهم من أراد ديننا بسوء فأشغله في نفسه ، ورُدَّ كيده في نحره . اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشيداً يؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات . اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار . اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضى . اللهم وفقه لخدمة الإسلام والمسلمين . اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاحُ رعاياهم يا ذا الجلال والإكرام . اللهم يا غنيُّ يا حميد . اللهم يا غني يا حميد . اللهم يا ذا الفضل والطَّول . اللهم أغثنا . اللهم أغثنا . اللهم أغثنا . اللهم اسقنا . اللهم اسقِ ديارنا وديار المسلمين . اللهم ارحمنا ببهائمنا . اللهم ارحمنا ببهائمنا يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم لا تردنا خائبين . اللهم لا تردنا خائبين . اللهم لا تردنا خائبين يا ذا الفضل والإحسان .
عباد الله .. اذكروا الله ذكراً كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلاً .
للاستماع