أحمد الله تعالى حمد الشاكرين, وأشكره شكر العارفين, وأصلي واسلم على سيد الأنبياء والمرسلين, وعلى الآل والأصحاب والتابعين, ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعــد:
لايشك مسلم عاقل بأن كل مسلم فرح مسرور بقدوم رمضان, وببلوغ رمضان, وبما متعه الله سبحانه من التوفيق والصحة والقوة لصيام رمضان وقيامه, وبما منحه الله من القدرات للمنافسة في الأعمال الصالحة في رمضان.
وبناء على هذا اليقين بهذا الفرح والسرور أجول في هذه الكلمات مع جملة خواطر رمضانية متفرقة على تكون مشاركة إيجابية في هذا الموسم الجليل:
الخاطرة الأولى: الفرح والسرور حالة تمر على الإنسان في مراحل من حياته لما يمنحه الله سبحانه من زواج أو نجاح دراسة أو تحقق هدف أو وصول إلـى غاية أو ولادة مولود أو بلوغ أمنية من الأماني ونحو ذلك من مجالات الفرح المتعددة, وحق لمن مُنح شيئاً من ذلك أن يفرح – في إطار الفرح المشروع – وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى بأن لم يحرم العبد مما يرضى غريزة غرائزه.
ولعلّ الفرح يكون في أعظم مجالاته أن يوفق المسلم لطاعة من الطاعات, وبخاصة في مواسم الخير والفضيلة, وعلو الدرجات وتكفير السيئات, وزيادة الرصيد فيما يجده غداً في حياتـه الأُخروية ولعلّ -أيضاً- من تمام الفرح أن يترجمه إلى طاعات متوالية مستمرة ولا يقف عن حد معين: (فخير العمل أدومه وإن قل), كما قال عليه الصلاة والسلام.
فمن المقالات المزعجة عند بعض الناس: (بركة أصلي الفرائض), وآخر يقول: (ذاك فلان له وله أما نحن فنكتفي بالصيام).. وهذه المقولات ونحوها تنبئ عن عدة سلبيات منها:
1- الضعف لدى هذا القائل الذي أوصله إلى أن يبخل على نفسه ويكتفي بالقليل.
2- المنّة على الله تعالى في ما يقدمه من عبادات, وهذه من أخطر الأشياء.
3- عدم الطموح إلى الرقي في المعالي وكأنه اكتفى بأدنى منزلة, أو ضمن مكاناً ولو كان قليلاً.
4- الاضطراب النفسي في عدم القدرة على مواجهة تيار الشهوات والشبهات فوقف عند هذا الحد.
5- ضعف الإرادة للوصول إلى المراتب العليا مع وجود القدرة لديه, فيبرر هذا الضعف بهذه المقولات السلبية.
6- ومن ثم لا يكن لديه القدرة على اجتناب المعاصي.
* * * * *
لعل من الخير ونحن في رمضان أن نعيد النظر, وندقق المراجعة لترجمة الفرح إلى فرح حقيقي مصحوب بمزيد من الأعمال الفاضلة التي تدل على تحقق الفرح والشكر فننال الفوز والفرح في الدنيا والآخرة.
* * * * *
الخاطرة الثانية: قلّب طرفك في كثير من الفضائيات تجد المنافسة قوية, وعلى أشدّها, وبخاصة في المجالات الدنيوية فتلك في مجالات التقنية والصناعة بمختلف أنواعها والتباري جاء على قدم وساق فيها لتضح في الأسواق بأحدث ما توصلت إليه, وفضائيات أخرى في المجالات الرياضية الجماعية منها والفردية, والتنافس إلى نيل الكؤوس والميداليات الذهبية والفضية وحصد النقاط للحصول على المراكز الأولى, وأخرى في ما يسمى بالمجالات الفنّية بمختلف أنواعها وملهياتها ويصل تنافسها إلى درجات مزعجة في هذا الشهر المبارك وكأنها موكلة بإلهاء الناس وصدهم عن الجد والعمل المنتج, وهكذا في مختلف المجالات الحياتية – حسنها وسيئها - .
وفي خضم هذه التنافسات يذكرنا رمضان بأهم هذه المنافسات, وأعلاها قدراً, وأكملها شرفاً, وأعظمها ثمرةً, وأرسخها جذراً.
ذلكم هو ما أشار إليه تعالى بقوله سبحانه: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
وكذا في قوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين), وفي التطبيقات العملية يشير ربنا سبحانه إلى حالة الأنبياء والمرسلين كما قال عن أنبياءه ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ....)،
والنبي عليه الصلاة والسلام يتمثل هذه المنافسة بقوله وفعله ففي ميدان الصلاة يصلي حتى تتفطر قدماه, ويقول لعائشة رضي الله عنها عندما أبدت استغرابها وقد غفر الله تعالى من ذنبه وما تأخر, فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً).
وتنتقل هذه التجربة إلى مجتمع الصحابة رضي الله عنهم على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي, فعلى المستوى الفردي هذا عمر الفاروق رضي الله عنه يسارع في أن يتصدق بنصف ماله ويعتقد أنه سبق أبا بكر رضي الله عنه فيأتي ويجد أبا بكر رضي الله عنه قد تصدق بماله كله وذلك في غزوة تبوك, وفي جلسة أخرى يطرح النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً: (من أصبح منكم اليوم صائماً) فيجيب أبو بكر: أنا, وهكذا يجيب عند ما سأل عن الصدقة واتِّباع الجنازة, فيعلن النبي صلى الله عليه وسلم إنها ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة وعلى المستوى الجماعي يأتي فقراء الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون حالهم بأن أخوانهم الأغنياء سبقوهم في ميدان الصدقة بقولهم (ويتصدقون ولا نتصدق) فيدلهم النبي صلى الله عليه وسلم على ميدان أخرى من ميادين العمل والمنافسة وهو ميدان ذكر الله سبحانه وبخاصة بعد الصلاة.
هذا غيض من فيض من نماذج مليئة في السيرة النبوية وسير السلف الصالح لا يتسع المقام لسردها, وحسبنا أن هذه المنافسة هي ميدان الموفقين في هذا الشهر المبارك، عرفوا قدره، فتنافسوا فيه، فأملوا نتائجه، وأحسنوا الظن ببلوغهم ثمراته.
ومن هنا يطيب للمؤمن العاقل الموفق أن يسجل في سجلاته – وأيام هذا الشهر تمضي وتسير, ماينافس ويسابق فيه في مختلف الميادين وعلى رأسها:
تجديد النية بإخلاص العبادات كلها لله سبحانه.
- السنن الرواتب والمحافظة عليه.
- استشعار العبادات القلبية وتمثلها في واقع المسلم الصائم مثل المحبة والخوف والرجاء والشكر والصبر واستشعار أسماء الله الحسنى وصفاته العلى, وتعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى وتحقق الاستسلام له سبحانه ونحوها.
- المحافظة على الفرائض وعدم التساهل بها.
- ما تعظم فيه الأجور من النوافل, ولا يستقل القليل فيتركه ولا يستكثر الكثير فيعجب بعمله فيبطل, ومن هذه النوافل:
- التراويح والوتر.
- صلاة الضحى.
- قراءة القرآن الكريم وترتيله والتأمل فيه.
- الجود بالجاه والمال والرأي.
- الصلة للأرحام والعطف عليهم والقيام بحقوقهم.
- السنن الرمضانية في السحور والإفطار.
- كثرة الذكر, فلا يزال السائل لسانه رطباً بذكر الله.
- كثرة الدعاء.
- تفطير الصائمين.
- الدلالة على الخير أيا كان نوعه.
- العناية بالأسرة في جميع الحالات.
- التعليم والارشاد.
- وغيرها كثير.
فإن لم تستطع في جميع الميادين فنافس ولو في بعضها فاليوم عمل وغداً حساب وجزاء, واليوم زرع وغداً حصاد, فازرع لنفسك ما تريد حصاده غداً مادمت قادراً على الزراعة .
وخاطرة ثالثه:بل قل همسة في أذن كل مسلم ومسلمة بعامة وفي آذان الدعاة والمربين والموجهين بخاصة بأن يجعلوا من هذا الشهر منطلقاً إيجابياً للتأمل في دعوتهم وأساليب تربيتهم وطرائق تعاملهم مع المجتمع، بل وطرائق تفكيرهم في معالجة السلبيات، وفي المشاركات الايجابية، وأشير هنا إلى عدة نقاط أجد أن رمضان محل للتأمل فيها:-
- العناية بتزويد النفس في مايقويها علماً ويزيد رصيدها العلمي والتربوي.
- المراجعة والمحاسبة والتقويم للأهداف.
- إعادة النظر في الأساليب والوسائل.
- العناية بالأسرة الخاصة وعدم قفزها إلى قضايا المجتمع بكاملها فيؤتى من قبل سرته.
- زيادة الرصيد الروحاني وبخاصة: التعامل مع القرآن الكريم والتأمل فيه.
- معالجة أمراض النفوس وبخاصة الخفية منها ومصارحة النفس بذلك.
- وغيرها من القضايا مما لا يخفى.
أ-د فالح بن محمد الصغير