منذ 18 يوليو 2004، وحتى اليوم دارت ست حروب بين الجيش اليمني ومقاتلي حركة تمرد الحوثي لم يتمكن الجيش خلالها من تحقيق الحسم العسكري بشكل نهائي، وتقوت شوكتهم في الحرب السادسة التي لاتزال تدور منذ اندلاعها في الحادي عشر من شهر أغسطس الماضي.
والسؤال هو من هم الحوثيون، وما الذي قوى شوكتهم طوال هذه السنوات، ولماذا لم يتمكن الجيش اليمني من حسم الصراع مع هذه الحركة الصاعدة؟ وما حدود الدعم الذي يحظى به الحوثيون داخلياً وخارجياً، وكيف تدير صنعاء خلافاتها مع اللاعبين الإقليميين، بخاصة إيران المتهمة بتقديم الدعم الكامل للحوثيين؟
تؤكد مصادر رسمية أن الحوثيين هم في واقع الأمر أسرة يدعون أنهم من سلالة الحسن بن علي (رضي الله تعالى عنه) وأنهم أولى بحكم اليمن من غيرهم، لكنهم عندما ظهروا في السنوات الأخيرة لم يعلنوا عن أنفسهم ولم يتقدموا بمشاريع تنموية، وليس لديهم أي مشروع سياسي واضح المعالم، بل إنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب حق في حكم اليمن.
ويعتبر بدر الدين الحوثي الأب واحداً من كبار علماء الزيدية في اليمن، وقد أسس ابنه حسين ما عرف بـ "تنظيم الشباب المؤمن" وأنشأ نحو 36 معهدا دينيا في محافظة صعدة وحجة وذمار وصنعاء، وكان ذلك تحت عين وبصر الدولة التي كانت تدعم تلك المعاهد حينها بنحو 400 ألف ريال شهريا، بدافع أن الشباب المؤمن وتلك المعاهد هي لمواجهة التيار السلفي الذي كان يتزعمه الشيخ الراحل مقبل الوادعي الذي توفي في المملكة العربية السعودية وكان معقله الرئيس محافظة صعدة، قبل أن ينتقل إلى مدينة معبر في محافظة ذمار لمواجهة المعاهد العلمية "الدينية" لحزب الإصلاح التي أغلقتها الدولة فيما بعد.
زيارة إيران واعتقال الحوثي الأب
وتشير معلومات إلى أن بدر الدين الحوثي، الذي قاد التمرد الثاني والثالث وخاض حربين ضد السلطات اليمنية سافر إلى إيران أوائل الثمانينات مع نجله حسين، واعتقل بعد عودته من " قم" ولم يفرج عنه، إلا بالتزام خطي وبعد تدخل شخصيات دينية واجتماعية لدى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح.
ويؤكد بعض المصادر إلى أن منع السلطات أتباع الحركة من ترديد شعارهم المعروف: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام" بالمساجد كان أحد أهم أسباب اندلاع المواجهات بين الجماعة والحكومة اليمنية.
لكن كيف تصنف الحركة، وما هي مطالبها؟ يصنف بعض المصادر حركة الحوثي بأنها حركة شيعية اثني عشرية، لكن هذا التصنيف لا يقره الحوثيون، حيث يؤكدون التزامهم بنقاء المذهب الزيدي، وإن كانوا يقرون بالالتقاء مع الاثني عشرية في بعض المسائل كالاحتفال بعيد الغدير وذكرى عاشوراء.
أما بالنسبة لمطالب الحركة فإن الحركة ترى أن هناك تهديداً لكيان المذهب الزيدي، ولهذا السبب تطالب بإنشاء جامعة معتمدة في شتى المجالات المعرفية، وضمان حق أبناء المذهب الزيدي في تعلم المذهب في الكليات الشرعية واعتماد المذهب الزيدي مذهبا رئيسيا بالبلاد إلى جانب المذهب الشافعي.
البداية والنهاية
يشير مراقبون إلى أن بداية حركة الحوثي الحقيقية والفاعلة بدأت نواتها في التشكل منذ عام 1998 بتأسيس ما صار يعرف وعلى نطاق واسع داخل مدينة صعدة بـ "تنظيم الشباب المؤمن"، حيث نجح في توسيع قاعدته التنظيمية باستقطاب الكثير من الشباب للانخراط في عضويته إلى حد دفع بالسلطات الرسمية إلى تقديم دعم مالي منتظم في محاولة لاحتوائه ولاعتبارات أخرى تتعلق بالخشية من استغلال التنظيم الناشئ من قبل أطراف خارجية، وهو ما كشف عنه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ذاته في أحد خطاباته غداة اندلاع أحداث صعدة الأولى في 18 يوليو 2004 حيث برر تقديم الدعم الحكومي لتنظيم الشباب المؤمن بحرص الدولة على الحيلولة دون استغلاله من قبل قوى خارجية للقيام بأعمال تخريبية داخل البلاد.
لكن الجذور الأولى لهذه الجماعة تعود إلى 1986 حين تأسس اتحاد الشباب لتدريس شباب الطائفة الزيدية على يد الشيخ صلاح أحمد فليتة الذي تتلمذ على يد بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي، وقد ظهرت الحركة الحوثية بشكل رسمي كحركة زيدية شيعية عام 2003 واتهمتها السلطات اليمنية عام 2004 بسعيها لقلب نظام الحكم الجمهوري، وإعادة نظام الإمامة وتشكيل تنظيم محظور باسم الشباب المؤمن, ونشر الأفكار الضالة المحرضة على العنف وإثارة المذهبية والعنصرية والسلالية وارتباطها بجهات أخرى.
ولم يحل الدعم المالي الحكومي للحوثي وتنظيمه الناشئ دون انتهاج الأخير لتوجهات فكرية سرعان ما تقاطعت مع حرص الحكومة اليمنية على توطيد علاقات اليمن بالولايات المتحدة الأمريكية التي تصدرت حملة تحريض واسعة شنها زعيم تنظيم الشباب المؤمن من على منابر مساجد صعدة وبعض المدن المجاورة رافقها الترويج لشعارات معادية للأمريكيين واليهود، من أبرزها شعار يتضمن عبارات " الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل "، قبل أن ينتقل ترديد الشعار إلى المسجد الكبير بصنعاء، الأمر الذي دفع السلطات إلى بدء المواجهة المؤجلة مع الشيخ الحوثي وتنظيمه الناشئ بشن حملة اعتقالات واسعة طالت عناصر في التنظيم بمدينة صعدة.
وعلى الرغم من تواضع مطالبهم في بداية الأمر، إلا أن مراقبين يرون أن التعامل الفج مع مطالبهم البسيطة هو ما قوى شوكتهم فيما بعد، بخاصة بعد أن سال الدم في أكثر من بقعة في منطقة مران وحيدان، وهي المناطق التي شهدت مقتل زعيم الحركة حسين الحوثي.
وكانت منطقة " مران " شرق محافظة صعدة المتاخمة لمسقط رأس حسين الحوثي مسرحاً لأول مواجهة عنيفة بين قوات الجيش وأتباع الحوثي، وذلك في 18 يوليو 2004 على خلفية اتهامات وجهتها السلطات للحوثي وأتباعه بشن هجوم مباغت على مقر مديرية أمن منطقة " حيدان "، ما أسفر عن مصرع ثلاثة من العسكريين.
وفي نهاية يناير 2005 وعلى خلفية واقعة طرد قسري تعرضت له الطائفة اليهودية بصعدة من قبل مجاميع مسلحة من أتباع الحوثي اندلعت شرارة حرب صعدة الثانية بعد فترة توقف لم تدم أكثر من ستة أشهر لتبرز على السطح تداعيات حادة وغير مسبوقة وصلت إلى حد تهديد السلطات الحكومية اليمنية بشن حملة عسكرية واسعة النطاق تستهدف معاقل من وصفتهم بـ "المتمردين من أتباع الحوثي" وتوجيه أصابع الاتهام لقوى إقليمية ودولية بالوقوف وراء الأحداث الأخيرة التي شهدتها صعدة ولغايات بررها الخطاب الرسمي بـ " الرغبة في تصفية حسابات إقليمية على الأرض اليمنية على غرار ما يحدث في بلاد الرافدين ومن قبل ذات الأطراف التي يعتقد وعلى نطاق واسع أنها تدير لعبة الصراع الطائفي في العراق"؛ في إشارة إلى إيران.
واندلعت شرارة الحرب الثالثة في 28 مارس 2006 استمرت لعدة أشهر، حقق فيها الحوثيون مكاسب على الأرض جعلتهم أكثر قوة لمواجهة الدولة في ثلاث حروب لاحقة كان آخرها في 11 أغسطس من العام الجاري، وخلال هذه الفترة لم يتردد الحوثيون في توجيه اتهامات صريحة للولايات المتحدة الأمريكية بالوقوف وراء تجدد الحروب في صعدة ولعب دور تحريضي في المواجهات المحتدمة.
وقد أجبر تنامي قوة الحوثيين الجيش على توقيع اتفاقية الدوحة عام 2008، والتي رسخت مكانة الحوثيين في صعدة، وكان من اللافت أن الموقعين على الاتفاقية اثنان من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية في البلاد، الأول هو الدكتور عبدالكريم الإرياني، المستشار السياسي للرئيس صالح، والثاني اللواء علي محسن الأحمر، وقائد الفرقة الأولى مدرع، وقائد محور المنطقة الغربية حالياً، وهو الأخ غير الشقيق للرئيس صالح.
وعلى الرغم من موجة التفاؤل بإنهاء الحرب بعد توقيع الاتفاقية، إلا أن مسار الأحداث أكد أن الحوثيين كانوا يعدون العدة لاستئناف القتال مع الجيش اليمني، وجاءت الحرب الأخيرة لتؤكد تنامي قوتهم، التي استمدوها من الدعم المالي والإعلامي لإيران، ومن الأسلحة التي كانوا يقومون بشرائها من الأسواق اليمنية ومن المواقع التابعة للجيش التي كانوا يستولون عليها بين وقت وآخر.
وكان استمرار التصاعد المضطرد لجولات المواجهات بين القوات الحكومية اليمنية وأتباع الحوثي لما يزيد عن خمس سنوات يفرض تساؤلات ملحة حول حيثيات تأخر الحسم العسكري من قبل قوات نظامية ضد مجاميع مسلحة من المتمردين، ومعرفة مصادر تمويل هذه المجاميع.
تفاصيل مثيرة
وفيما بررت الحكومة اليمنية أسباب تعثر الحسم العسكري لتمرد الحوثيين بصعدة بانتهاج الحوثيين لأسلوب حرب العصابات ولجوئهم للتمركز في مناطق جبلية مأهولة بالسكان، وهو ما يجعل القوات النظامية مضطرة إلى إتباع نهج " ضبط النفس للحيلولة دون اتساع نطاق الدمار والضحايا المدنيين تكشفت في وقت لاحق تفاصيل أكثر إثارة تضمنتها شهادات أدلى بها وجاهات قبلية وجنود شاركوا في المواجهات ضد الحوثيين حملت في مجملها القيادة العسكرية للعمليات الميدانية ضد المتمردين مسؤولية تأخر الحسم العسكري لاعتبارات لخصها رئيس أركان قوات الأمن المركزي العميد يحيى محمد عبدالله صالح في تصريحات أثارت جدلا واسعا بالقول إنه "كلما اقتربت القوات الحكومية من الحسم العسكري تفاجأ بأوامر عليا تقضي بالتوقف ".
وبعد هذه السنوات من الحروب مع مقاتلي الحركة تبدو صنعاء على قناعة بأن الحوثيين يتلقون دعماً سياسياً وإعلامياً وأيضاً عسكرياً من بعض الأطراف الإيرانية، بخاصة المرجعيات الدينية ، التي يؤكد اليمنيون أن لديهم وثائق تدين هذه المرجعيات.
وجاء إغلاق المستشفى الإيراني في العاصمة صنعاء منذ أسابيع والكشف عن خطة للحرس الثوري الإيراني بتقسيم اليمن إلى دولتين إحداهما في الشمال تحت قبضة الحوثيين والأخرى في الجنوب تحت قبضة الداعين للانفصال ليؤكد حقيقة عمق الأزمة بين صنعاء وطهران.
رؤوس الحركة
منذ تأسيس الحركة تعاقب ثلاثة من القادة على إدارة أمورها، بدأها حسين الحوثي، الذي قتل في أولى المواجهات مع الجيش خلال عام 2004، تلاه والده بدرالدين الحوثي خلال الحرب التي تلتها، قبل أن يفسح المجال لأصغر أبنائه لإدارتها، وهو الزعيم الحالي للحركة عبدالملك الحوثي ؛ فيما قرر الابن الثالث لبدرالدين الحوثي، وهو يحيى الحوثي الإقامة في ألمانيا بعد حصوله على حق اللجوء السياسي فيها منذ عام 2006، وبدأت صنعاء بمحاكمته غيابياً بعد أن رفع مجلس النواب عنه الحصانة لمقاضاته بتهمة تشكيل عصابة مسلحة تستهدف أمن اليمن واستقراره.