" الداعية والطبيب "
إليك أخي الداعية يامن فرّغت وقتك لانتشال المدعوين من درب الضلال والغواية
إلى طريق الحق والهداية وأنت بذلك تشبه الطبيب الذي يحاول علاج مرضاه وقد
أخترتُ لك بعض وجوه الشبه بينك وبين الطبيب :
أولاً : كما أن الطبيب لا يصل إلى مرحلة التطبيب إلا بعد دراسة ومعرفة ما يحتاجه
لعلاج مريضه ولا يحل لهُ أن يعالج بدون علم فربما هلك المريض , كذلك أنت أخي
الداعية لا يحل لك أن تدعوا بغير علم فربما هلك على يديك أناس وصدق الفاروق
رضي الله عنه إذ قال ( تعلموا قبل أن تسودوا ) وحادينا في هذا الطريق قوله عز
وجل ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي )
والشاهد ( عَلَى بَصِيرَةٍ ) .
ثانياً : كذلك الطبيب يستر عيوب مرضاه لأنه يطلع على أمور لا يطلع عليها غيره ,
وأنت أخي الداعية قد تطلع على أمور وعيوب خاصة بالمدعو فالله الله بسترها
والكتمان عليها .
ثالثاً : وكما أن الطبيب المخلص يقبل علاج أي مريض أياً كان لونه أو جنسه أو
شكله , كذلك أنت أخي الداعية عليك أن تدعوا الناس إلى دين الله عز وجل أياً
كان لونه أو جنسه أو شكله ولا تفرق بين المدعوين في دعوتك وإن وجد الميل
القلبي لبعضهم دون البعض .
رابعاً : كذلك الطبيب يجب أن يكون نظيف المظهر طيّب الرائحة ليرتاح لهُ المرضى
ويتقبلوا منه , كذلك أنت أخي الداعية لا بد أن تكون صاحب مظهر نظيف ورائحة
طيبة لِيُقبَل المدعوين على سلعتك وأعلم ( أن الله جميل يحب الجمال ) .
خامساً : إذا أخبر الطبيب المريض بضرر أمرٍ ما ( كالتدخين ) ثم رأى المريض
الطبيب يقوم بهذا الفعل فإنه لا يصدق الطبيب أو على أقل الأحوال يتهاون في هذا
الأمر , وأنت أخي الداعية إنما أنت قدوة للمدعو فإذا رآك تقوم بعكس ما تدعو
إليه أو على أقل الأحوال يتهاون في بعض الأمور الكبيرة لفعلك إياها .
سادساً : على الطبيب فعل الأسباب لكنهُ لا يملك بأي حال من الأحوال العلاج وإنما
العلاج من الله عز وجل , وكذلك أنت أخي الداعية عليك فعل الأسباب وتبقى
النتائج بيد الله عز وجل ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) .
سابعاً : قد يمرض الطبيب يوماً ما وهذا أمر طبيعي فيراجع غيره من الأطباء
ليساعدوه في علاجه , وأنت أخي الداعية قد تفتر فعليك بالرجوع إلى إخواك من
الدعاة ( بعد الرجوع إلى الله ) ليعينوك على تجاوز هذه الحالة .
ثامناً : إن استفحل مرض وجب على الأطباء أن يجتمعوا في عمل جماعي موحد
ومنظم , فكذلك يجب على الدعاة أن يعملوا ضمن عمل جماعي موحد ومنظم
لمواجهة الشر المستفحل في الأمة .
وأخيراً أيها الأخ الحبيب هذه بعض الأمثله ذكرتها لك للتوضيح , وأسف لك أخي
الداعية أنني جعلت الُمَثلَ به دون المثال وإلا فلا سواء بين وظيفة دنيوية وأخرى
أخروية إلا إذا أحتسب فيها الأجر من الله تعالى وإنما حملني على ذلك محاولة
تبسيط المفهوم بالمثال ( فبالمثال يتضح المقال ) والله أعلم .