وفي بورما (ميانمار) إخوة لنا يُنكّلون ( تقرير )
تمهيد
أي بؤس وأي معاناة وأي مأساة يعانيها المسلمون في بورما..؟. ؛ أي ظل وأي حرب وأي إبادة تمارس ضد مسلمينا هناك..؟. ؛ وأي غفلة وأي جهل وأي تجاهل فينا نحن المسلمين عما يجري هناك..؟.
225 عاماً هو عمر الاضطهاد والتنكيل الذي أُجبر مسلمو بورما على العيش فيه..
225 عاماً وهم يصرخون ولا سامع لهم..
225 عاماً وهم يستغيثون ولا مجيب لهم..
225 عاماً وهم يتوجعون ولا واسي لهم..
225 عاماً ونحن في صمم وعلى أعيننا غشاوة بل ران على قلوبنا ما كنا نكسب.. وخرست ألسنتنا حتى عن الدعاء لهم..إنهم ضحية لحال أمة قعدت، خارت، ضعفت، غفلت، نامت..قعدت عن العمل بدينها.. خارت عن حمل واجبها.. ضعفت عن صد العدوان الموجه ضدها.. غفلت عن وسائل قوتها.. فنامت بعد أن فقدت كل أحاسيسها، فلا ألم يزعجها ولا صرخة تفزعها..
وكأن حال أمتنا يقول: "ذرنا نكن مع القاعدين"، والأسوأ من ذلك هو أننا لا نجد قاعداً نقعد معه.. فكل الأمم في صحوة من أمرها، عاملة لنفسها..
إن مسلمي بورما يتوارثون العذاب الفرعوني جيلاً بعد جيل.. وما نقم فراعنة بورما منهم إلا أن المسلمين هناك يقولون: "ربنا الله".. وتحولت أرضهم إلى أخدود من الجحيم الذي لم تخبو ناره منذ 225 عاماً.
وأنى لها أن تخبو ووقودها أجيال متتابعة من المحروقين، ومشعلوها جبابرة حاقدون لا يكلون ولا يملون..وأنى لها أن تخبو والأمة الإسلامية في جفاف لا ماء لها.. وأرضها بور لا زرع لها..ومهما تحدثنا عن مآسي مسلمي بورما فلن نبلغ مثقال ذرة مما يجب أن يقال أو يكتب عنهم.. ولكن - بجهد المُقِلّ- نذكر بعض ملامح الاضطهاد، على الأقل لئلا يغب حالهم عن بالنا.. عسى أن يجدوا من يدعوا لهم.
معلومات بورما
في عام 1824م احتلت بريطانيا بورما، وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية. وفي عام 1937م جعلت بريطانيا بورما مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك، وعُرفت بحكومة بورما البريطانية.
ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمانية ويطلق على هؤلاء (البورمان)، وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات (الأركان)، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أركان بورما وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات.
وترجع الأصول العرقية لسكان بورما الحاليين إلى العناصر المغولية التي هاجرت إلى البلاد منذ آلاف السنين. وقد اختلطت تلك العناصر بمجموعات عرقية أخرى، منها الإندونيسية والهندية.
تحد بورما من الشمال الشرقي الصين، وتحدها الهند وبنغلاديش من الشمال الغربي، وتشترك حدود بورما مع كل من لاوس وتايلاند، أما حدودها الجنوبية فسواحل تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي ويمتد ذراع من بورما نحو الجنوب الشرقي في شبه جزيرة الملايو.
ويقدر سكان بورما حسب تقديرات الأمم المتحدة في 2007م بـ 48,798,000 نسمة وتبلغ مساحتها 680 ألف كم2.
الأديان
يوجد في بورما عدت ديانات، ولكن أكثر سكانها يعتنقون البوذية، وأقلية يعتنقون الإسلام وهم يتركزون في الشمال على حدود الهند.
ويصل عدد المسلمين إلى حوالي 10 ملايين نسمة أي حوالي 20% من سكان بورما. ويتركز معظمهم في إقليم أراكان الذي احتله البورميون عام 1784م.
الإسلام في بورما
وصل الإسلام إلى بورما في القرن الثاني الهجري عام 172هـ، - الثامن الميلادي عام 788 م- عن طريق التجار العرب الذين وصلوا ميناء أكياب عاصمة (أراكان) في عهد الخليفة هارون الرشيد - رحمه الله - فانتشر الإسلام في أرجائها، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فرحين مستبشرين بهذا الدين العظيم الذي أخرجهم من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الإسلام والإيمان.
إلى أن قامت دولة إسلاميّة عريقة على يد السلطان سليمان شاه، واستمرت قرابة ثلاثة قرون ونصف تقريباً من عام 1430م إلى عام 1784م، تولى حكمها ثمانيةٌ وأربعون ملكاً مسلماً على التوالي، وآخرهم الملك سليم شاه الذي اتسعت رقعة مملكة أراكان في عهده حتى شملت بعض الدول المجاورة.
وفي عام 1406م لجأ (نراميخله) ملك أراكان آنذاك إلى ملك البنغال المسلم، وتسمى الآن (بنغلاديش) ويدعى (إلياس شاهي) بسبب إغارة ملك بورما البوذي على أراضي أراكان واحتلالها، واعتنق (نراميخله) الإسلام بعد 24 عاماً من مكوثه عند الملك البنغالي، واستطاع (نراميخله) مع ملك البنغال في 1420م الانقضاض على أراكان وطرد الملك البوذي منها وتأسيس مملكة إسلامية هناك بقيادته.
ونقلت مجلة البيان – في رمضان 1411- عن محمد زكريا الذي كان يشغل منصب القائد العام لمجاهدي الحركة الإسلامية في أراكان، وكان محاضراً في جامعة بورما قوله: في أوائل 1420م دخل 15 ألف مسلم مجاهد من منطقة غزني في أفغانستان لبلادنا وأسسوا هناك مملكة إسلامية. ويضيف زكريا في حديثه بأن المملكة الجديدة فرضت اللغة الفارسية واستمر نفوذ هؤلاء الأفغان حتى عام 1784م. وبمناسبة الحديث عن أراكان نذكر بعض المعلومات عنها.
معلومات عن أراكان:
تقع (أراكان) جنوب غرب بورما على الحدود مع بنغلاديش. وتبلغ مساحتها 20 ألف ميل مربع، ويحدها غرباً خليج البنغال الذي كان يسمى تاريخياً (بحيرة العرب) ثم غير اسمه. ويحدها شمالاً بنغلاديش، وذلك على طول 171 ميلاً، ومن الشرق جبال الأراكان التي تعتبر حداً فاصلاً بين أراكان وبورما الدولة الغازية. ويصل عدد سكان أراكان إلى 4 ملايين نسمة منهم 70% مسلمون، حسب ما جاء في مجلة البيان رمضان 1411هـ.
ويطلق على سكان أراكان (الروهنجيا) وهي مأخوذة من (روهانج ) وهو الاسم القديم لأراكان، وتعرف الآراكيون على الإسلام في القرن الأول من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك مع مجيء التجار العرب المسلمين إلى هذه البلاد، وكان لهؤلاء التجار الفضل الأكبر بعد الله عز وجل في نشر الإسلام. بل وتذكر الروايات أن التجار العرب كانوا يمرون بأراكان حتى قبل الإسلام؛ لأنها طريق تجارتهم، وبدأت علاقات العرب مع بعض السكان المحليين منذ تلك الفترة، وفي القرن الرابع عشر وحتى التاسع عشر بدأت قوميات أخرى غير العرب بالوفود إلى أراكان، مثل الباتان والبنغال والفرس والمغول والمغارية، وبهذا الاختلاط اعتنق الآراكيون الإسلام حتى غدا الإسلام دين الأغلبية في القرن الخامس عشر الميلادي.
وعشية الاستقلال وعندما حاولت الحكومة البورمية الجديدة تعيين الوزراء ضمت وزيرين من المسلمين إليها وقامت بتعيين (12) عضواً مسلماً في البرلمان. فظن المسلمون أن هذا يعني فتح صفحة جديدة بعيدة عن الاضطهاد والإبادة. ولكن سرعان ما تلاشى الأمل؛ لتجاهل الرئيس البوذي لحقوق المسلمين، حيث أعلنوا أن اسم بورما مشتق من (بوذا)، وبالتالي فهي للبوذيين فقط، وعلى المسلمين إن أرادوا البقاء معهم أن يغيروا حروف القرآن الكريم إلى الحروف البورمية وأن يتبادل المسلمون والبوذيون الزواج، وأن يقوم المسلمون بالتسمي بأسماء بوذية، وترفع النساء حجابهن الشرعي، وبشكل مختصر فقد أرادوا تذويب شخصية المسلم هناك.
موقف المسلمين من الاستعمار الإنجليزي
واجه المسلمون الاستعمار الإنجليزي بعنف مما جعل بريطانيا تخشاهم، فبدأت حملتها للتخلص من نفوذ المسلمين بإدخال الفرقة بين الديانات المختلفة في هذا البلد لتشتيت وحدتهم وإيقاع العداوة بينهم كعادتها في سياساتها المعروفة (فرق تسد) فأشعلت الحروب بين المسلمين والبوذيين، وتمثلت تلك المؤامرات في عدة مظاهر أساءت بها بريطانيا إلى المسلمين أيما إساءة، ومنها:
1- طرد المسلمين من وظائفهم وإحلال البوذيين مكانهم.
2- مصادرة أملاكهم وتوزيعها على البوذيين.
3- الزج بالمسلمين وخاصة قادتهم في المسجون أو نفيهم خارج أوطانهم.
4- تحريض البوذيين ضد المسلمين ومد البوذيين بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحتهم عام 1942م حيث فتكوا بحوالي مائة ألف مسلم في أركان.
5 - إغلاق المعاهد والمدارس والمحاكم الشرعية ونسفها بالمتفجرات.