بسم الله الرحمن الرحيم
عبادة في وظيفة
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد :
فلا يخفي على من وهبه الله العقل والبصيرة أن العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ولذلك يخفى على كثير من الناس أن العبادة تتعلق بكل معاملات المسلم ولذلك سوف نتطرق إلى العبادة في الوظيفة وما فيها من الأجر العظيم إذا أخلص العبد لله تعالى ومن هنا يجب أن أقول لك أخي الحبيب :
هل تريد أن تعرف هدفك في الحياة ؟ فإن قلت بلى .فأقول هدفك يا من رعاك الله في الحياة متوقف عند قول الله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56
فالهدف الأساسي الذي سننطلق منه هو عبادة الله سبحانه وتعالى .
ومن ثم قد تقول أخي الحبيب: كيف أوفق بين الهدف وبين مشاغل الحياة ؟
فأقول: تذكر دائماً نتيجة هذا الهدف وهي جنة عرضها السماوات والأرض قال الله تعالى عنها في الحديث القدسي: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) صحيح مسلم
وتذكر قول الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) القصص 77
فإن قلت أخي : إنني متعلق بمشاغل الحياة ؟
فأقول لك يا من رعاك الله : تذكر قول الله تعالى : (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران 15
وإن قلت: كيف تكون العبادة في مشاغل الحياة ؟
فأقول لك بارك الله فيك : لنأخذ الوظيفة مثلاً فعند ذهابك للعمل تقول بالسلام على زملاء فيردون التحية بمثلها أو أحسن منها وهنا قد حصلت على أجر عظيم بأن جميع من رد عليك السلام كان لك مثل أجرة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً وحصلت على أجر آخر بأن زادت المحبة بينكم بالسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) صحيح مسلم
وأنت تعلم يا من رعاك الله أن الصديقين يوم القيامة يحشرون مع الأنبياء والشهداء والصالحين قال الله تعال: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً) النساء 69
وإن تعجب وقلت: سبحان الله كل هذا الفضل في وقت قد لا يتجاوز دقيقة.
فأقول لك : وما يأتي أعظم يا أخي الحبيب ففضل الله ليس له حدود فمثلاً عند العمل سوف يأتي من يراجع لمعاملته أو لولده وقد يكون أتاك متعباً يرجو تفريج همه فإذا هو يدخل عليك وقد استقبله بابتسامة وترحيب أزالت عنه بعض التعب وهنا قد حصلت على ثواب الصداقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ابتسامك في وجه أخيك صدقة لك ) صحيح ابن حبان
ولا شك أن من يأتيك لا بد له من أمرين : إما أن يكون حاجته عندك وتقضيها له وهنا سوف تحصل على أجر عظيم وهو عونه الله وفرحه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) صحيح مسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ) صحيح مسلم
وإما أن تكون حاجته عند غيرك فتدله على من يقضيها له وهنا سوف ينطبق عليك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الدال على الخير كفاعله ) سنن الترمذي
أما إذا كان لديك هموم أفلا تحب أن تكون لديك صديق يشاركك ويقدم لك النصيحة ؟
فإذا كانت إجابتك بلى .
فأقول لك إذا ً يا أخي : لا تتردد في مشاركة صديقك همومه كما تحب لنفسك وهنا قد حققت الإيمان الحقيقي للمسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) صحيح البخاري , ومع كل هذا الخير الذي ذكرت لك ألا تريد أن تكون كلماتك صدقات تلو صدقات ؟
فاحرص إذا على ألا يخرج منك إلا كل كلام طيب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الكلمة الطيبة صدقة ) صحيح البخاري
فتأمل أخي أنك في دوام تتصدق باستمرار بكلامك الطيب وأيضاً يا أخي الحبيب طاعة رئيسك في العمل عبادة وتنفذ أوامره في غير معصية الله قال تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) النساء 59
وعندما تجد زميلين متخاصمين وأصلحت بينهما فقد حصلت على أجر عظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بأقضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة ) سنن أبو داود
فإن قلت أخي : لكن لو تكلمنا في الخير وانتهى كلامنا فيه فماذا نفعل حتى لا نقع في الغيبة غيرها
فأقول لك : عليك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) صحيح مسلم
فالصمت عبادة إذا كان سكوتاً عن معصية الله .
ولكن هل تريد أخي أن تكون من الدعاة وأنت في وظيفتك فأن قلت بلى
فأقول لك يرحمك الله : لا شك أنك تسمع عن المؤسسات الخيرية الشيء الكثير ومن هنا يبدأ الانطلاق فبإمكانك إحضار على من غير أن ينقص من أجره شيئاً وهنا تكون قد أسهمت في أعظم عمل وهو كتاب الله عز وجل وتعليمه وحصلت على الخيرية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) صحيح البخاري
أو أوراق لفاله يتيم وهنا سوف يكون بإذن الله من أقرب الناس منزلاً من الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وقرن بين إصبعيه : السبابة والوسطى ) سنن أبي داود
أو إحضار كتيبات لتوعية الجاليات المسلمة أو غير المسلمة للدخول في الإسلام وهنا الفضل عظيم إذا اهتدى على يديك أحدهم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فو الله لئن يهدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم ) صحيح البخاري
أو أوراق لصدقة جارية وهنا سوف يكون لك الأجر مستمراً حتى بعد موتك عن موتك عن كل من أسهم عن طريقك في هذا الخير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) صحيح مسلم
وقس على هذا يا صديقي كل أمور الخير....
وإن قلت لكم: هل تريد أن تكون من الدعاة في مظهرك فإن قلت:بلى
فأقول لك: يا أخي الحبيب كن قدوة في مظهرك أمام زملائك حتى يحتذي بك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعفوا اللحى ) سنن النسائي
وهنا سوف تكون في عبادة مستمرة على مدى عمرك يا صديقي بسبب إعفائك اللحية وأيضاً أن يكون الثوب فوق الكعبين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أسفل الكعبين في النار ) مجمع الزوائد
وأن تستاك بالسواك غالب وقتك قال رسول الله صلى الله علبه وسلم ( السواك مطهرة للفهم مرضاة للرب ) صحيح ابن خزيمة
ونظافة الملبس والمركب تزيد من محبة الله ومحبة الناس لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله جميل يحب الجمال ) صحيح مسلم
ولكن أقول لك أخي المخلص: هل ترغب أن تكون هذه الأعمال مقبولة عند الله ؟
فإن قلت بلى ، فأقول : يرحمك الله عليك بابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى في جميع أعمالك والحذر من دخول الرياء فآقة العبادة الرياء فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تبارك تعالى : ( أنا أغنى الشرك عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) صحيح مسلم , وإن قلت لي : ما نتيجة العمل إذا كان خالصاً لله سبحانه وتعالى ؟
فأقول يا رعاك الله : إن راتبك أو أجرك من عملك سوف يحل عليك البركة من الله فهذا المال الذي تنفقه على أهلك سوف ينبت لحم أهلك بالحلال وتجنبهم المال الحرام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أبى أن يدخل الجنة لحماً نبت من سحت فالنار أولى به ) المستدرك على الصحيحين
ولا شك أنك تنفق من مالك على بيتك وأهلك فأبشرك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهي له صدقة ) صحيح البخاري
وأخيراً أقول لك يا من رعاك الله : إن الإسلام دين شامل ٌ وكاملٌ صالحٌ لكل زمان ومكان فأينما تتجه تجد خيراً عظيماً يدلك الإسلام عليه ويحذرك من كل شر فيه فهل حصلنا على هذه الكنوز الربانية قبل غرغرة الروح وقبل أن يودعنا أهلونا فالعمر قصير والخير كثير فهل من مشمر ؟
******************
ملاحظة :- الموضوع من إعداد الشيخ عصام بن عبد العزيز العويد .
ووفق الله الجميع للعمل الصالح .