قريبًا من نصف الليل جاءني صوتها باكيًا.. مجهدًا.. محبطًا.. منكسرًا.. سألتها: ما لك يا فلانة؟ فغالبت دموعها وهي تقول: نفسي.. نفسي يا شيخ أشيل عيل على إيدي.. نفسي أسمع كلمة يا ماما.. ولم تستطع المواصلة..
هي فتاة أعرفها، تتمتع بجمال الجمال.. وشباب الشباب.. في قمة التخصص العلمي الراقي.. لكن عقلية (بابا) المتحجرة عقلية أدمنت المصادرة والظلم.. والنفخة الكدابة التي تريد صهرًا (ع الفرازة) بمواصفات سينمائية.. فلا بد أن يكون: الحسيب النسيب، الغني القوي، الوسيم العظيم، الكبير الخطير.. وأقل من ذلك لا نريد.. (هو مش عارف إحنا مين ؟!).
وتبقى المسكينة - التي تحلم بالزوج والولد - في قهرها ومحبسها وإحباطها ومشاعرها الكسيرة التي تغطيها بابتسامة بلهاء، ومساحيق مبالغ فيها، وتصنّعٍ للسعادة بين زميلاتها اللواتي يشبهنها.. أو اللواتي أفلتن من القبضة، وأنعم الله عليهنَّ برجل يكرمهنَّ ويسترهنَّ ويعفهنَّ..
آباء يمسكون بناتهم حتى يجاوزن الأربعين، لتفقد الواحدة منهنَّ أنوثتها وآدميتها ومشاعرها، ولتنتهي صلاحيتها وعمرها الافتراضي كأنثى.. فلا تعود قابلة لحمل ولا ولادة ولا يحزنون.
آباء (يقتني) أحدهم ثلاثًا وأربعًا وخمسًا وعشرًا - أحيانًا - في بيته بعضلهنَّ (أن ينكحن أزواجهنَّ) في حين يفتش الأب الوقور عن زوجات شوابّ؛ بنية استعادة الشباب والفحولة (والأعمال بالنيات) فيعيش هو حياته، وتعيش بناته قهرهنَّ وإحباطهنَّ وانكسارهنَّ وأنوثتهنَّ التي تشتهي وتتمنى، ولا تجد من ابن الحلال ما يصدق ذلك ولا ما يكذبه.
وفي المقابل تجد البنات يدرن بين خيارات أحلاها (زي الزفت والقطران):
* فبين ساخطة على أبيها.. تتمنى بينها وبين نفسها أن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، لعلها أن تجد ثغرة تنفذ منها إلى دنيا الأسرة وعالم الأمومة، وربما جهرت بهذا السخط، فدعت عليه، وطلبت من الكريم تعالى ألا يرحمه كما لم يرحمها.. وأن يحرمه كما حرمها.. وأن يشدد عليه كما شدد عليها.
* وبين عفيفة تكبت مشاعرها؛ لتتحول إلى إنسان يأكل ذاته، وتلتهمه مشاعره الكبيتة الحبيسة الكظيمة .. ليمتلئ بالعقد والسخط والتبرم بكل شيء، ثم ليصير كائنًا سلبيًا.. قليل الإنتاج.. ضعيف العطاء.. (ويضرب الدنيا صرمة) كما يقولون.. لأن الأمور عندها سواء؛ فالطريق مسدود.. والفرص معدومة.. والسنوات المتبقية من العمر معدودة.
وسرعان ما تغزو التجاعيد الوجه.. ويضرب الشيب الشعر.. ويأكل الجسم القهر.. وهي في ثلاثينيات عمرها.. وكل ذنبها أن أباها أو أخاها أو وليها (شايف نفسه) وكل ذنبها - كذلك - أنها عفيفة ورعة لا تستطيع أن تقاوم.. ولا تصرخ.. ولا تبين عن ألمها.. ولا تتصرف كأولئك اللواتي اتخذن القرار.. وتزوجن رغم أنوف بارمي الشنبات والديوك الآباء (ويروح يضرب دماغه في ستين حيطة..).
* وبين فتاة أكلها جسدها.. وضعف الرقيب عليها، أو غفل عنها - أو تغافل - فانطلقت لتستبيح وتُسْتَبَاح، وتَنْتَهِكْ وتُنْتَهَكْ، وتُفسِد وتقبّح..
لقد تحولت القضية إلى ظاهرة مرعبة تجتاح الوطن العربي كله.. مصر.. والخليج.. وبلاد المغرب.. والشام.. وغيرها.. وبعد أن كانت الظاهرة تكاد تكون صفرًا.. صارت مرضًا مستوطنًا مستعصيًا.. لتتحقق مقولة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
"إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
وأي فساد أعرض من أن يكون في بلد واحد كـ (مصر) 9 ملايين تجاوزوا الخامسة والثلاثين - بشهادة الجهاز المركزي للتقنية والإحصاء – أي كارثة هذه؟!
وهل هناك عرض يصيب واحدا من كل ثمانية في بلد واحد؟ أليس كارثة أكبر من المخدرات والإيدز والسرطان وفيروس سي مجتمعة؟
وليس الحال في الخليج بأفضل منه في مصر.. ففي السعودية تقول الدراسات المعلنة قبل أسبوع من اليوم ( ميدل إيست أون لاين 21/5/2002م ) إن القطار قد فات مليونًا وخمسمئة وثلاثين ألف فتاة تقريبًا.. وإن حالات العنوسة في قطر والكويت والإمارات والبحرين تراوح بين 15 و 50 % من مجموع الفتيات ـ وأشك في الرقم فالنسبة أعلى كثيرًا ـ ناهيكم بنسب الطلاق البشعة التي تصل إلى خمسين % من مجموع العقود في بعض المناطق.
"إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". صدقت يا رسول الله!
- أليس من الفساد العريض أن نقتل عفائفنا كمدًا وانكسارًا؟!
- أليس من الفساد العريض أن ندفع بناتنا إلى سلوك طرق لا يرضينها.. ولا نرضاها.. ولا يرضاها الله رب العالمين؟!
- أليس من الفساد العريض أن نفتح الأبواب لأبناء الحرام واللقطاء والأمراض الناتجة من الإفراط في تعاطي حبوب منع الحمل؟!
- أليس من الفساد العريض.. أن نرد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفخة الكدابة و(العنتريات التي ما قتلت ذبابة ).. والاستعلاء الأجوف الذي يدل على عقل منقوص.. ووعي مغموص.. ومروءة مسلوبة.. ولؤم أكيد؟!
يا قومنا أفيقوا؛ فإنكم معروضون غدا على من لا تخفى عليه خافية!
http://www.lahaonline.com/LahaAuthor/as/h2...2h2.doc_cvt.htm