صلة الرحم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم : "من أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثَره، فليَصِلْ رحمه" متفق عليه.
هذا الحديث فيه: الحث على صلة الرحم، وبيان أنها كما أنها موجبة لرضى الله وثوابه في الآخرة، فإنها موجبة للثواب العاجل، بحصول أحب الأمور للعبد، وأنها سبب لبسط الرزق وتوسيعه. وسبب لطول العمر. وذلك حق على حقيقته؛ فإنه تعالى هو الخالق للأسباب ومسبباتها. وقد جعل الله لكل مطلوب سبباً وطريقاً يُنال به. وهذا جار على الأصل الكبير، وأنه من حكمته، جعل الجزاء من جنس العمل، فكما وصل رحمه بالبر والإحسان المتنوع، وأدخل على قلوبهم السرور، وصل الله عمره، ووصل رزقه، وفتح له من أبواب الرزق وبركاته، ما لا يحصل له بدون هذا السبب الجليل. وكما أن الصحة وطيب الهواء وطيب الغذاء، واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب، من أسباب طول العمر. فكذلك صلة الرحم جعلها الله سبباً ربانيًّا، فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان: أمور محسوسة، تدخل في إدراك الحواس، ومدارك العقول. وأمور ربانية إلهية قَدَّرها مَنْ هو على كل شيء قدير، ومَنْ جميعُ الأسباب وأمور العالم منقادة لمشيئته، ومَنْ تكفل بالكفاية للمتوكلين، ووعد بالرزق والخروج من المضائق للمتقين. قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما نقصت صدقة من مال" بل تزيده. فكيف بالصدقة والهدية على أقاربه وأرحامه؟ وفي هذا الحديث دليل: على أن قصد العامل، ما يترتب على عمله من ثواب الدنيا لا يضره إذا كان القصد وجه الله والدار الآخرة. فإن الله بحكمته ورحمته رتب الثواب العاجل والآجل. ووعد بذلك العاملين؛ لأن الأمل واستثمار ذلك ينشط العاملين، ويبعث هممهم على الخير. كما أن الوعيد على الجرائم، وذكر عقوباتها مما يخوِّف الله به عباده ويبعثهم على ترك الذنوب والجرائم. فالمؤمن الصادق يكون في فعله وتركه مخلصاً لله، مستعيناً بما في الأعمال من المرغبات المتنوعة على هذا المقصد الأعلى. والله الموفق. (اهـ نقلا عن كتاب بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي).