الحمد لله الذي عافانا
اصطحبت معي زوجتي يوما إلى المركز الصحي الذي أعمل فيه وجلست بجانبي في غرفتي وأنا أعمل متنقلا بين هذه الغرفة وبين غرفة الانتظار الخاصة بالمرضى وغرفة فحص المرضى، فأذهب تارة إلى غرفة الانتظار لأجلب المريض القادم في موعد محدد إلى غرفة الفحص ثم بعد الانتهاء أعود إلى غرفتي لأعمل في الحاسوب ضمن برنامج المرضى لأسجل الملاحظات وأرسل الوصفة الطبية أو التحاليل الطبية أو الإحالة إلى الفحوص الشعاعية ألكترونيا عبر النت إلى الصيدلية والمختبر وقسم الأشعة. ثم لأستعد للمريض اللاحق وحسب جدول المرضى.
وزوجتي جالسة في غرفتي تقرأ تارة ونتكلم تارة أخرى فأخبرها عن الحالات المرضية التي أتعامل معها وأعالجها – دون ذكر اسم المريض للحفاظ على سرية وخصوصية معلومات المرضى حسب القوانين في هذا البلد – فأقول لها عالجت مريضا مصابا بالتهاب تنفسي حاد، وسأقابل مريضا يعاني من آلام مفصل الكتف، وخيطت جرح مريض، ووصفت دواءً لمريض يعاني من ارتفاع ضغط الدم وعجز القلب، ومريض مصاب بداء السكري، ومريض آخر يعاني من الكآبة والحصر النفسي، ومريض.. ومريض.. ومريض..
ثم قالت لي زوجتي تأثرا بذكر الأمراض المختلفة: يجدر بك يا عماد وأنت تتعامل مع هذه الأمراض أن تضع نصب عينيك الدعاء المأثور.. من رأى صاحب بلاء فقال : ( الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، لم يصبه ذلك البلاء )
((الراوي: عمر بن الخطاب و أبو هريرة المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/219
خلاصة حكم المحدث: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] .))
قلت: نعم.. وأنا منشغل بالعمل وفي التفكير بالمرضى والأمراض وطرق التشخيص والعلاج وخطط المتابعة المستقبلية.
ثم عدت الى غرفتي في إحدى المرات بعد فحص مريض فوجدت قصاصة ورقية صغيرة ملصقة على حافة شاشة الحاسوب ومكتوب عليها بخط اليد الدعاء المذكور.
ومرت عدة أيام وأنا أنظر إلى الورقة وإلى الدعاء وأتفكر فيه وفي معانيه الرائعة بين الحين والآخر بين أوقات العمل. ثم جلست ذات يوم أمام هذه القصاصة في وقت استراحة الغداء ورحت أنظر وأتفكر بعمق في الكلمات والمعاني مستمتعا ومتنعما بسرور كبير بسبب المعاني النبوية الإيمانية المذهلة الرائعة – صلى الله على سيدنا النبي الكريم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم –؛ وعلى غفلة من العقل والقلب والتفكر الإيماني السروري ثارت في نفسي ثلاث شبهات حول معاني الحديث حاولت علاجها من خلال التفهم والحوار العقلي المنطقي وذلك من خلال الحوار التالي بيني وبين نفسي:
قالت: هذا الدعاء جميل ورائع جدا ولكنه يقول "الحمد لله الذي عافانا.." وأنت بيدك أن تتجنب هذه الأمراض باتباع طرق وأساليب ووسائل الوقاية التي تعرفها جيدا، فما الداعي إذا لهذا الدعاء؟ وهل أنه حقا وصدقا أن الله هو الذي عافانا من الأمراض أم نمط حياتنا وأخذنا بأسباب الوقاية من المرض؟
قلت: إن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء وعليم بكل شيء وقادر على كل شيء وبيده كل شيء، وهو خالق جسمي ووسائل الدفاع عن الجسم من المرض الرائعة البديعة كالجلد الواقي الحامي الرائع وجهاز المناعة المعجز والانعكاس العصبي العضلي المذهل البديع.. وغيرها كثير.. وخالق الداء والدواء وخالق العقل الذي نتوصل به إلى أسباب الوقاية من المرض وأسباب العلاج.. وفوق ذلك فإن بعضا من مسببات المرض لا يمكن لي اجتنابها أو السيطرة عليها كالعامل الوراثي وعوامل البيئة وغيرها.. فيجدر بي بعد ذلك أن أحمده على نعمه الكثيرة التي لا تحصى ونعمة المعافاة من المرض التي وهبني إياها وابتلى بها آخرين. نعم حقا وصدقا وعقلا وقلبا الحمد لله الذي عافانا..
قالت: نعم.. نعم.. فهمت، ولكن هذا الدعاء هو لنفسك فقط وللناس المعافين من المرض والابتلاء!!؛ ألا يجدر بك أن تدعو بدلا عن ذلك للناس بالشفاء من الأمراض؟!!.
قلت: صحيح أن هذا الدعاء هو لي دون المرضى وذلك حسب ما أرتأي لأستشعر نعمة الله العظيمة التي أغفل دائما عنها، نعمة الصحة والمعافاة من المرض، وأحمده وأشكره عليها عبادة وعبودية له سبحانه. أما الناس الآخرين المبتلين بالمرض فالله سبحانه وتعالى أرحم بهم مني، ثم ما يدريك أن هذا الابتلاء بالمرض هو شر محض لهم، ألم تعقلي ما حكاه النورسي عن النتائج السرورية الدنيوية والأخروية عند الابتلاء بالمرض ثم الصبر عليه والايمان بالله سبحانه والانكسار لعظمته وجلاله وحمده وشكره على كل حال؟. ثم أن هنالك أدعية مأثورة أخرى للمرضى والمبتلين والمساكين وغيرهم، فالمسلم لا ينسى الدعاء لأخيه بظهر الغيب، وتعرفين قصة الولي الصالح الذي لا ينام حتى يدعو لأخوته وأحبابه بأسمائهم من خلال قائمة أسماء مسجلة على الورق ويدعو كذلك لجميع المسلمين!!.
قالت: نعم، لقد فهمت وتذكرت ما كتبه النورسي في هذا المجال، وأعرف القصة التي تعنيها، وهي موجودة في موسوعة صفة الصفوة. لكن عندي سؤال أخير، هل تعتقد حقا أن هذا الدعاء قد يكون سببا لدفع ابتلاء المرض عنك؟.
قلت: نعم، لكن هذا لا يعني أني قد أعيش حياتي كلها معافا من الأمراض، فهذا ليس ملزما، والمهم بالنسبة لي أن أؤدي واجب العبادة والعبودية والشكر لله الخالق العليم القدير المعافي المشافي جل جلاله وعلى طريقة ومنهج رسوله الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – وذلك بأن أدعو بهذا الدعاء عند مشاهدتي مريضا مبتلى وأحمد الله بلساني وعقلي وقلبي وروحي على نعمة الصحة والمعافاة من المرض ونعمه الكثيرة التي لا تحصى وأن استثمر هذه النعمة العظيمة وغيرها فيما ينفع ويدوم نفعه في مراحل الحياة المتعاقبة في الدنيا والآخرة.
أما إذا ابتلاني بمرض من الأمراض فسأحاول أن أصبر وأنكسر وأحمده على كل حال وأسأله أن يشفيني وكل مريض مبتلى آخذا بأسباب العلاج الممكنة.
أذعنت نفسي بعد هذا الحوار وتلاشت شبهاتها..
وأحسست بعدها بأن فهمي لهذا الدعاء المأثور وتفاعلي القلبي معه قد زاد ونمى، وازداد معها حبي لأدعية النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – المأثورة فحمدت الله على هذه النعمة العظيمة أيضا، نعمة فهم وإدراك واستشعار هذه المعاني الإيمانية الحضارية الراقية المتطورة.
عماد البياتي
2009/12/19
_______________
يمنع وضع الروابط
رسالة سلوى المرضى وعزاء المبتلين من أعظم الرسائل في فلسفة المرض وهي مترجمة الى لغات متعددة ومذاعة وتضفي على قارئها السكينة والطمأنينة والايمان، أتمنى على كل مسلم أن يقرأها وخصوصاً المرضى، وأتمنى على كل من يعرف مريضاً من أقاربه وغيرهم أن يرشدهم إليها ومن عندهم والدة أو والدة أو أخ مريض فليقرأها عليهم لتنسكب في قلوبهم السكينة والطمأنينة وليقرأها هو لنفسه اذ هو بحاجة اليها لا سيما في مثل ظروف بلادنا العصيبة..
فرج الله عن الجميع بمنه وكرمه
رسالة
إلى كل مريض ومبتلى
(سلوة المرضى وعزاء المبتلين)
تأليف
بديع الزمان سعيد النورسي
رابط الكتاب
تأكد من روابط الحفظ
بارك الله فيك