عجبا لغافلٍ والأهوال تنتظره !
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانه أقام الحجة على عباده في الكتاب , وأنزل رسلا منه جل ربَّ الأرباب
سبحانه جل في علاه القائل : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) 105
سبحانه ربنا ما تركنا هملا نخوض ونلعب : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) ) الدخان 38-39
وبعد ذا وذاك فإن القوم يتلون هذه الآيات معرضين صادّين لا يأبهون
وإذا ذكروا لا يذكرون
بله قلة قليلة ممن رحم ربي وهدى
فلو طافت بهؤلاء عقولهم هُنيّة في الدنيا لأدركوا حقارة ما فيها
ولو تدبرت قلوبهم آيات الرحمن ما جحدوا أوامرها ونواهيها
ولكن صدق القول : ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحج 46
كم من الآيات كنا ولازلنا نمر عليها فتلفظها ألسنتنا ثم تحفظها ذاكرتنا ونحن عنها بعيدون مبعدون
بعيدون بحالنا مبعدون بأعمالنا وأنفسنا الأمارة
ويزيد البلاء بلاءً حينما يذكرنا الناس بها فنصد عنها ونتهرب منها وكأنما هي العدو اللدود الذي يريد نزع روحنا
ومن أكثر ما يعرض عنه الناس قوله جل في علاه :
( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) ق 19
وقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات )
فإن أنت امتثلت لوصية الصادق المصدوق تِي , قاموا عليك وشنّعوا قولك
وتنادوا بينهم أن عِيشوا حياتكم , ودعوكم من التعقّد
وأنت في نفسك تقول : ( كالحشرجة ) هدى الله قومي
خاطب حبيبنا عليه الصلاة والسلام يوما أصحابه فقال لهم :
( إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدر أربع أصابع إلا ملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون )
فأين قومي من صحابة رسول الله , والله إنا لا نساوي ما يساوون ولا نفعل ما يفعلون , ولو قدمنا أولنا وآخرنا ما ساوينا غبارا يدخل أنف أحدهم في سبيل الله
هم القوم مثل نجوم الدجى
وهم على ما هم عليه كانت تأتيهم الآيات فيخِرُّون من هولها صعِقين
ولا يزال الحبيب يذكرهم بربهم : ( جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه )
فيكون أهون عليهم لو أنهم كالطيور تعيش وتأكل وتحلق وليس عليها حساب ولا عقاب
فسبحان ربي ما أشد جحودنا وأعظم بلاءنا ونسأل الله أن يحسن في أنفسنا عزاءنا
ولقد قال رب العزة جل في علاه في شأن خاتم النبيين وخير البشر أجمعين : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) الزمر 30
وقال سبحانه : ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) الأنبياء 34
ولمّا جاءت سكرة الموت الحبيبَ صلى الله عليه وسلم جعل يقول : ( اللهم أعني على سكرات الموت , لا إله إلا الله إن للموت لسكرات )
هذا الحبيب يتألم في سكرات الموت ويسأل الله العون
فمن لابن آدم وقد جحد هذا اليوم وأنكره
وكلما سمع به صم أسماعه وانغمس في لهوه ولعبه
تناسى يوم الموت الذي لا منذر فيه , يأتيه الملك فينزع روحه من جسده دونما إذن أو اختيار
فيا حسرة على العباد كم فرطوا في دنياهم
حتى إذا جاء أجله غرق في سكرات الموت ومن حوله الناس لاهون
ثم يوسد في التراب فتأتيه الأهوال من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته
وهو يصرح رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت
والناس من حوله لاهون , يسمع أصوات ضحكاتهم ووقع أقدامهم وهو يقول يا ليتني قدمت لحياتي
ولات حين ندم !
أفلا يذكر ابن آدم في هذه المغبّة أنه مر يوما بجنازة أو بقبر أو سمع بوفاة وظل يلهو ويلعب ويسير في الطرقات ولازال واهما أن في العمر بقية
وهو يستصغر عظام الأمور فيرتكب الحرام تلو الحرام وإن جاءه ناصح أمين استصغر المعصية وجعل يهوّن من شأنها
وينسى أنه يوم القيامة يمشي في الناس باسطا يده - لا ليعطيهم - بل ليأخذ منهم حسنة أو أقل إن وجد !
ولكن هيهات
حتى تأتيه جبال السيئات تترا
ويرى أمامه جبال الحسنات تذهب هباءً منثورا
قال عليه الصلاة والسلام : ( لأعلمن أقواما يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله هباء منثورا . قال ثوبان : يا رسول الله ! صفهم لنا جلهم لنا ؛ أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم . قال : أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم الله انتهكوها )
فما أشد موقفه ذا وأقول ذا فهو والله قريب
وليتنا نأخذ عبرة ممن سبقنا فنقتدي بهم أو ننظر لحالهم فنستحقر أنفسنا وأحوالنا مع الله
ففي قول عمر رضي الله عنه : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )
رضي الله عنه ما أعظمه وما أشد ورعه وما أعظم ما أرساه من قيم , فإن لم نحاسب أنفسنا في الدنيا وننهها عن المنكرات , حاسبنا الله في الآخرة
وهو والله موقف عظيم لا يقوى عليه الأنبياء أفَنقوى نحن !
فعجبا لمن إذا سمع تجاهل , وإذا ذكر تغافل
حتى إذا جاءه اليقين قال لو أني فعلت لو أني فعلت
ونسأل الله أن لا يجعلنا منهم ..