هز لندن "ضاري" وبكاها !
محمد الرطيان
أما قبل:
رماني بنظرة عيونه، و..لدها
ومـن نظرة عرفت إنه ولدها
إلى هالحين أحب أمه، والأدهى ..
إلى هالحين أبجي من الفراق!
وأمك يا هذا الولد ..
ما هي "مَرَهْ"
أمك: بلد
أمك: عراق!
((م . ر))
(1)
حكاية ما تزال تُقرأ:
هي حكاية هذا الشيخ الجليل ضاري المحمود
هذا البدوي العظيم الذي لم يتحمل غطرسة، وغرور، وجلف المستعمر الإنجليزي في العراق.
ترك ولديه "سليمان" و"خميس" في الخارج، ودخل إلى اجتماعه مع الكولونيل" لجمن" في خان النقطة
كان"لجمن"، مرة يُذكّر الشيخ"ضاري" بمصير من قُتل أو تم نفيه من الذين واجهوا الاحتلال من شرفاء العراق، ومرة يُذكره - ويغريه - بالامتيازات
التي حصل عليها الخونة. ولأن الشيخ من سلالة أكثر ما تمقته هو الخيانة، ولأن لديه "عِرض" يرفض العروض.. و"كرامة" ترفض التهديد...وبعد
أن علت الأصوات، واحتد النقاش بينهما.. اقتحم ولداه "سليمان" و"خميس" المكان، ووجها فوّهات البنادق إلى صدر"لجمن"..أما الشيخ.. فقد سلّ سيفه من تحت عباءته، وانحنى على" لجمن" الذي يتخبط بدمه، وقام بقطع رأسه.
واشتعلت ثورة العشرين وقامت قبيلته"زوبع" الشمريّة بقطع طريق السكة الحديد، وما يحمله من عتاد ومؤن للجيش الإنجليزي إلى بغداد.. وقاموا
بضرب السفن التي تحمل الجنود، واستطاعوا أن يقطعوا خط النهر عليهم، وصاروا يصنعون لهم الكمائن القاتلة.. وببنادقهم البسيطة أزعجوا الاحتلال في منطقة الفرات، وقطعوا الإمدادات عنه.. بل إنهم استطاعوا في إحدى المرات إسقاط إحدى الطائرات.
شن جيش الاحتلال الإنجليزي أشرس الحملات على "زوبع" وشيخها العظيم بكل ما يمتلكه من أسلحة.. وقامت سلطات الاحتلال (ومن يعاونهم)
بإصدار حكم الإعدام على الشيخ وولديه، وتم قطع المياه عن ديارهم ومزارعهم ... وتحت هذا الحصار، نزح الشيخ وقبيلته عن ديارهم.
مرّت السنوات، وكبر الشيخ.. واشتد عليه المرض.
وفي إحدى الزيارات إلى الطبيب المعالج.. خانه سائقه الأرمني، وبدلا من الذهاب إلى عيادة الطبيب توجه به إلى أحد المراكز، وسلمه الإنجليز الذين وعدوا بمكافآت ضخمة لمن يأتي بأي معلومة عنه.
وفي محاكمة سريعة، وغير عادلة، تم تحويل حكم الإعدام، إلى السجن المؤبد.. وبعد أيام ـ في السجن ـ اشتد على الشيخ الثمانيني المرض (ويُقال إنه سُمّم في سجنه) مات الشيخ الجليل، والمجاهد العظيم ضاري المحمود
يقول الرواة:
إن ذاكرة بغداد، لا تذكر جنازة أعظم وأكثر مهابة من جنازة ضاري
عبرت من "كرخ" بغداد إلى "رصافتها.. ولولا النهر لحضنت إحداهما الأخرى !
دارت الشوارع أكثر من أربع ساعات على الأقدام..
كان فيها بكاء، وحزن، وشموخ، و"هوسات"، وأهازيج:
هز لندن ضاري وبكاها.. منصورة يا ثورة ضاري.. منصورة يا ثورة ضاري
كانت النساء تبكي.. وتزغرد!
كانت بغداد تبرق بأضواء العيون ودموعها ، وترعد بالأهازيج .
أصر الصغار من طلاب المدارس على المشاركة، وأمام إصرارهم تنازل الكبار عن شرف دفن الشيخ، وقام بهذا العمل تلاميذ المدارس.
كان له دمٌ حرٌ، عربيٌ، شريف، لا يقبل الذل
دمٌ.. لا تعرفه عروق الذين يسكنون"المنطقة الخضراء
دمٌ.. ما يزال يجري في عروق"حارث
(2)
حكاية ما تزال تُكتب:
حارث سليمان الضاري
( منقول )