*****اليوم الذي قبض الله فيه رسول صلى الله عليه وسلم *****
حدثن عن أنس بن مالك :
أنه لما كان يوم الإثنين الذي قبض الله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إلى الناس ، وهم يصلون الصبح ، فرفع الستر ، وفتح الباب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام على باب عائشة ، فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه ، فرحا به ، وتفرجوا ، فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم ؛ قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة . قال : ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق من وجعه ، فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح .
وعن الحارث عن القاسم بن محمد قال :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، حين سمع تكبير عمر في الصلاة : أين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، فلولا مقالة قالها عمر عند وفاته ، لم يشك المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف أبا بكر ، ولكنه قال عند وفاته : إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني ، وإن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني ، فعرف الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً ، وكان عمر غير متهم على أبي بكر .
وحدث أبو بكر بن عبد الله بن أبي مليكة قال : لما كان يوم الاثنين ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلى بالناس ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس ، فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظهره ، وقال : صل بالناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر ، فلما فرغ من الصلاة ، أقبل على الناس ، فكلمهم رافعا صوته ، حتى خرج صوته من باب المسجد ، يقول :
أيها الناس سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإني والله ما تمسكون علي بشيء ، إني لم أحل إلا ما أحل القرآن ، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن .
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه ، قال له أبو بكر : يا نبي الله ، إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب ، واليوم يوم بنت خارجة ، أفآتيها ؟ قال : نعم ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح .
*شأن علي والعباس قبل وفاته :
قال الزهري وحدثني عبدالله بن كعب بن مالك ، عن عبدالله بن عباس ، قال :خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الناس : يا أبا حسن ، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئاً ، قال :
فأخذ العباس بيده ، ثم قال : يا علي ، أنت والله عبد العصا بعد ثلاث ، أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كنت أعرفه في وجوه بني عبدالمطلب ، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه ، وإن كان في غيرنا أمرناه ، فأوصى بنا الناس . قال : فقال له علي : إني والله لا أفعل ، والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده .
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أشتد الضحاء من ذلك اليوم .
*سواك الرسول قبل وفاته :
وحدث يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قال : قالت : رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل من المسجد ، فاضطجع في حجري ، فدخل علي رجل من آل بكر ، وفي يده سواك أخضر ، قالت : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه في يده نظرا عرفت أنه يريده ، قالت : فقلت : يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك ؟ قال : نعم ، قالت : فأخذته فمضغته له حتى لينته ، ثم أعطيته إياه ، قالت : فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قط ، ثم وضعه ، ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجري ، فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص ، وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجنة ، قالت : فقلت : خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق ، قالت : وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحدث يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال : سمعت عائشة تقول :
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري ، وفي دولتي ، لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدم مع النساء ، وأضرب وجهي .
*مقالة عمر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم:
قال الزهري وحدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قام عمر بن الخطاب ، فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفي ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه ، كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ، ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات .
*شأن أبي بكر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم:
قال : وأقبل أبو بكر ، حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ، وعمر يكلم الناس ، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت ، عليه برد حبرة ، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم أقبل عليه فقبله ، ثم قال :
بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً ، قال : ثم رد البرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج ، وعمر يكلم الناس ، فقال
على رسلك يا عمر ، أنصت ، فأبي إلا أن يتكلم ، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس ، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه ، وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أيها الناس ، إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبدالله فإن الله حي لا يموت ، قال : ثم تلا هذه الآية ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين ) قال :فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ .
قال وأخذها الناس عن أبي بكر ، فإنما هي في أفواههم ، وقال : فقال أبو هريرة : قال عمر : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي ، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات .