هل تعجبون من فعل الأمريكان بكتاب رب العالمين؟ فأولئك النصارى الذين دنسوا القران في "غوانتانامو"رجال صليبيون حاقدون على الدين، ولا غرو فقد كان الواحد من أسلافهم ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفه كما يعرف ابنه فيعاند ويكابر حسدا من عند أنفسهم { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم }، ولذا فإن الله قد فتح أمام المؤمن حجب الغيب، وأبان له أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }
إنه يجب على المسلم أن يغضب، ويتمعر وجهه لهذا الحادث الأليم، فكتاب الله رمز حياة للمسلم، يفديه بماله ونفسه وولده، وجزء من مهمته في الحياة الدفاع عنه والجهاد من أجله وبه، ولن نتوقع من " النصارى " إلا هذا فهم أمة ضلال، يأتيهم الحق الصراح الواضح فيردونه اتباعًا لشهواتهم.. وتقديما لأهوائهم..
ألا قطع الله يد ولسان وأركان ودولة من عبث بكتاب الله وأهانه.. وأرانا فيه عجائب قدرته.. وشتت عليه ضيعته وانتقم لنا منه عاجلا غير آجل...
إن العواطف ستلتهب، والدموع ستسكب، ولكننا في زمن تعودنا على مثل هذا، فما هي إلا أيام، وسيزول الحدث، وسينسى الناس، فكم من مقدس أهين، وكم من حرمة انتهكت.. فثارت الناس وبرد حماسها، وانطفت جذوة عاطفتها بعدما ينشغل كل واحد منا بضيعته، ويأتي حدث ينسينا ما قبله، فنحن في زمن " فتن " يرقق بعضها بعضًا..
تدنس القدس منذ ستين سنة، ويهان المسجد الأقصى على أيدي عصابة آثمة من الصهاينة الأنذال، وتهراق دماء الأبرياء في أجزاء من العالم الإسلامي وهي عند الله غالية، فقطرة دماءهم وسفكها اشد عند الله من هدم الكعبة المشرفة، ومع ذلك فقد ألفنا أوضاعنا، واستسغنا العناء في زمن العناء، لأننا أمة الثورة المؤقتة التي يخمدها غيرها، بعد أن أصبحنا ظاهرة صوتية نجيد فنون الخطابة والكلام.. دون فعل يفلق الصم ويقطع الأغلال..
إن كانت أمريكا دنست كتاب ربنا وأهانته، فنحن اتخذناه وراءنا ظهريا في كثير من أصقاع العالم الإسلامي حين حيدناه عن " الحكم " في شؤوننا، واستجلبنا زبالة عقول البشر بديلا عن الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وطبق " حكم الجاهلية " في دماء المسلمين وأموالهم ودمائهم وأعراضهم"، { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }، { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
أليست إقصاء كتاب الله عن الحكم في صغائر الأمور وكبائرها " تدنيس " له وإهمال وهو الكتاب الذي نزل ليعمل به، فاتخذنا قراءته عملا، واكتفينا أن نطرز به مقدمات حفلاتنا، ونواحنا على موتانا، فإذا جاء وقت العمل به شك البعض فيه وفي صلاحيته؟ { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
دنسناه حين لم يبق منه إلا أحكامًا على استحياء في بعض الأحوال الشخصية، ثم ركناه على الرف في كثير من الشؤون الحياتية في العالم الإسلامي..
ولقطع الطريق على أولئك المستعدون دائما للوقوف أمام من ينكر تحكيم غير الكتاب، فلن أدخل في مسألة "التكفير " فيه، ولكني سأكتفي بالقدر الذي يتفق عليه المسلمون كلهم من أول البعثة إلى هذا الوقت، وهو أن الحكم بغير القران موبقة خطيرة، وكفر سماه الله كذلك،سواء كان أصغرا أو أكبرا، وأنه أعظم من كبائر الذنوب وموبقاتها؛ إذ الذنب الذي يسميه الله كفرًا فهو كفر وقبح.
إن كانت أمريكا دنست كتاب الله، فنحن دنساه حين رضينا بفعل حثالة من بني قومنا، ومن الذين يتكلمون بألسنتنا، أولئك المنافقون الذين جعلوا كتاب الله هزوا، وشككوا في ربانيته، واعتدوا عليه معنويا، فاستخفوا بتعاليمه، ودعوا إلى إقصائه عن الحياة، وفصله عن شؤونها، أو ليس هؤلاء أشد تدنيسا للكتاب وأكثر صراحة وكفرا من قوم الأصل فيهم بغض الكتاب وتدنيسه وحربه إلى قيام الساعة؟
أليس الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، فيأخذ منه ما يحقق به مصلحته أشد وأعظم من فعل الذي الأصل فيه الكفر؟ وليس بعد الكفر ذنب، إذ المصيبة تكمن في المسلم الذي يتخذ كتاب الله هزوا، ويجعله سلما لتحقيق مطامعه الخاصة، ورؤيته الخاصة، فيكون القران عرض كأي عرض يباع ويشترى، { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
إني في هذا لا أقلل من شأن إهانة الكتاب معاذ الله، فأي مؤمن يرف قلبه بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم يحزن عندما يرى كتاب الله العظيم تطاله أيدي الأنجاس، ولكني أريد تسليط الضوء على جانب آخر من التدنيس الذي يقع فيه المسلمون لكتاب الله منذ زمن كبير، ولكنه تدنيس قد ألف ولم يعد يحرك القلوب، ويسعى الناس لإنكاره.
إن صيانة القران هو في إعادة الاعتبار للقرآن الذي يشكل حاديا للأمة في كل جوانب حياتها، وجعله نبراسًا وهدى ونور { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ } [صّ:29] { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }
الله أكبر إن دين محمد
وكتابه أقوى وأقوم قيلا
لا تذكر الكتب السوابق قبله
طلع الصباح فأطفئ القنديلا