تعلم كيف تدمر شخصية طفلك !!
في تربية الأبناء.. للضرب أصوووووول !!!
'أنا لسعته بالشمعة كذا مرة، علشان بعد كده أهدده: هاتسمع الكلام ولا أجيب الشمعه؟'!!.. جملة تباهت بها إحدى الأمهات الجامعيات، 'أنا مسكت الشبشب وربيتها.. يعني كنت هاعدي اللي عملته ده بالساهل، العيال لازم يتربوا' جملة اعتراضية قالتها معيدة بإحدى الكليات البارزة بجامعة القاهرة.
قد يظن البعض أن ضرب الأبناء لا يحدث إلا في الأسر الفقيرة وغير المتعلمة والتي تسكن المناطق العشوائية إلا أن ذلك غير صحيح، فضرب الآباء للأبناء من الأمور المألوف رؤيتها في كل مكان وفي جميع المستويات الاجتماعية، فأنت تراه في الشارع، في الأسواق وعلى شاشات التلفاز، وفي الأوساط المتعلمة والراقية، وهذا يعكس ثقافة تربوية غير صحيحة بوجه عام.
قد يكون غائبا على الآباء الآثار التي يؤول إليها ضرب الأبناء، وقد يكون معلوما لديهم تلك الآثار السيئة إلا أنهم لا يستطيعون التحكم في نوبات الغضب التي تعتريهم. وهدفنا هنا هو التعرف على آثار الضرب على مستقبل الأطفال وشخصياتهم، وكذلك كيفية التحكم في نوبات الغضب تجاه الأبناء.
أضرار الضرب
توصلت دراسة لد.عدلي السمري أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أن ضرب الآباء لأبنائهم وتعنيفهم المستمر لهم يربي عقد نفسية لدى الأبناء بل ويزيد من العنف الأسري.
وبحسب بحث لمركز ومختبر أبحاث العائلة بجامعة نيو هامشير الأمريكية، قارن بين معدلات ذكاء الذين تعرضوا للصفع في طفولتهم وآخرين لم يتعرضوا للصفع، فوجد أن الذين تعرضوا للصفع انخفض معدل ذكائهم ويرجع ذلك إلى وجود آلية في الجسد لمواجهة مواقف الشعور بالتوتر والخطر تؤدي لتعطيل وظائف الترميم والبناء ومقاومة عوامل المرض في الجسد وتصرف كل نشاطه لآليات مواجهة الخطر.
وأثبت البحث ذاته أن الوالدين اللذين يعاقبان الطفل بالضرب والصفع يجعلانه أكثر عرضة لأن يمارس الانحرافات الأخلاقية في كبره كالاغتصاب والتحرش والسلوكيات المؤدية للإصابة بالأمراض الجنسية وانحرافات أخرى عادة ما تؤدي إلى الطلاق بالإضافة للعنف الأسري.
وتوصلت دراسة أخرى لزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة لدى الذين يتعرضون كأطفال للعنف المادي أو المعنوي، كما أظهرت الأبحاث أيضا أن الأطفال الذين يتم ضربهم ينشأون قليلي الاحترام للنفس مكتئبين ويقبلون بالوظائف قليلة الأجر.
كما لوحظ وجود آثار بديهية وسريعة تظهر على الأطفال ممن يضربهم آبائهم وهي كالتالي:
- الضرب يجعل الأطفال عدوانيين، يحرمهم من حاجاتهم النفسية للقبول والطمأنينة والمحبة.
- الضرب يجعل الطفل منطويا وخجولا لا يقدر على التأقلم والتكيف مع الحياة الاجتماعية.
- الضرب يقوي دافع السلوك الخارجي على حساب الداخلي لدى الأطفال فيبعدهم عن الإخلاص ويقربهم من الرياء والخوف من الناس، فيجعل الطفل يترك العمل خوفا من العقاب، ويقوم بالعمل من أجل الكبار.
-الضرب قد يدفع الطفل إلى الجرأة على الوالدين والتصريح بمخالفتهم والإصرار على الخطأ.
- الضرب يربي طفل عنيد وعنيف وعدواني ويكسر العلاقة تماما بينه وبين والديه، بالرغم مما يبدو من أن الضرب يحل المشكلة بطريقة فورية ويأتي بنتائج سريعة.
الجريمة والعقاب
يحذر د.محمد المهدي الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي من النتائج السريعة التي يريد الآباء تحقيقها مع أبنائهم بالضرب؛ ويؤكد أنها نتائج لحظية وليست دائمة وفي المقابل فإن الضرب له آثار في غاية السوء على شخصية أطفالنا ومستقبلهم، كما أنه يتعجب من اختزال التربية في العقاب واختزال العقاب في الضرب من قبل المربين.
ويحدثنا د.المهدي عن اتجاهات التأديب لدى الآباء والأمهات ويقسمها إلى أربعة اتجاهات هي (التساهل، والضبط الصارم، والتقلب، والتربية المتوازنة): في 'التساهل' يميل المربي إلى أن ينشأ الطفل في مناخ حر تماما يفعل ما يريد بشكل تلقائي، ويتعلم من الحياة نفسها دون تدخل مباشر من الكبار، والمشكلة في هذا النوع من التربية أن الطفل ينشأ وليس لديه إحساس بالحدود والضوابط والالتزامات فيعاني كثيرا حين يكبر.
أما 'الضبط الصارم' فهو عكس الأسلوب السابق؛ حيث تكون القواعد واضحة وشديدة، وعلى الطفل أن يلتزم بها طول الوقت. وعيب هذه الطريقة أنها تلغي تلقائية الطفل وحرية تفكيره.
وفي منهج 'التقلب' فنلاحظ أن الحالة المزاجية للمربي هي التي تتحكم في الأسلوب التربوي؛ فمثلا إذا كان الأب في حالة سرور وسعادة فإنه يتعامل بلطف وحنان مع تصرفات الطفل، أما إذا كان متوترا أو حزينا فإنه ربما يصفع الطفل على وجهه بشدة على سلوك كان يضحك له في وقت آخر. وهذا النوع أخطر من سابقيه؛ لأنه يدع الطفل في حيرة شديدة ويهز الثوابت لديه.
وبالنسبة للتربية المتوازنة فهي التي تعطي فرصة لتلقائية الطفل، وفي ذات الوقت تزوده بمعرفة إتباع الضوابط الاجتماعية، وتعطيه الحرية وتعلمه احترام حرية الآخرين واحتياجاتهم، وتهتم باحتياجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية والروحية في ذات الوقت.
الضرب المباح
قد يستنفذ الآباء جميع الأساليب التربوية ووسائل العقاب المباحة ومع هذا تظل المشكلة قائمة مع الأولاد، في هذه الحالة فقط يستطيع الآباء استخدام الضرب ولكن بشروط مع التأكيد على أن الضرب ليس هو الأصل وأنه يستخدم فقط لتنبيه الطفل أن ما يفعله خطأ بعد فشل جميع الوسائل التربوية الأخرى، ويتم ذلك بشكل خفيف على ألا نرفع أيدينا عن مستوى الكتف أثناء الضرب مع عدم تعمد الإيلام كأن نضرب الطفل على ظهر يده بخفة شديدة.
وللضرب شروط يحددها ياسر محمود المهتم بالشأن التربوي فيقول:
- يكون الضرب بعد استنفاذ كل بدائل العقاب
- يكون الهدف منه تقويم السلوك وليس التشفي أو الانتقام
- أن يكون واضحا للطفل لماذا يُعاقب
- لا يكون أمام الناس
- لا يكون على الوجه
- لا يكون مبرحا
-لا يكون أثناء الغضب والانفعال
بدائل الضرب
إذا شعرت أنك غاضب من طفلك وأنك على وشك أن تقوم بضربه تذكر الأضرار الجسيمة للضرب على شخصية الأطفال وفكر في بدائل أخرى كالتالي: - انسحب فورا من النقاش مع طفلك في حال وجدت انك ستنفعل وتصفعه على وجهه نتيجة لصراخه الشديد أو عناده المستفز، وقل له اذهب واحضر كوب ماء، أو تعال نتناقش في الغرفة المجاورة.
- استخدم أسلوب البدائل بدلا من ضرب ابنك بشكل مباشر، مثلا قل له: (إما أن تخفض صوتك أو أنني سأحرمك من المصروف، أو لن أجلب لك اللعب التي تحبها) وهكذا من الممكن أن يعتاد الطفل هذه الوسيلة.
- هناك عقوبات أخرى غير الضرب عندما يفعل الأطفال أشياء تم نهيهم عنها مثل أداء بعض الأعمال الشاقة أو المنزلية التي لا يفضلونها.
- كثير من الآباء يكررون الأوامر لأبنائهم بلا استجابة منهم، وفي النهاية يستخدمون الضرب لإنهاء الموقف، وكحل آخر يمكن أن تقترب من الطفل وتنظر في عينيه وتمسك به بحنان وبكلمات رقيقة وحازمة تأمره: أريدك أن تلعب من دون ضوضاء.
- استخدام لغة التحذير فإذا أقدم طفلك على كسر شيء في المنزل فلا تضربه وإنما حذره إنه إذا فعلها مرة أخرى سيقوم بشرائها من مصروفه.
- استخدم أسلوب كرسي العقاب أو طريقة الخصام ومقاطعة الطفل لمدة خمس أو عشر دقائق مع إفهام الطفل لماذا نخاصمه، فهذه أساليب تربوية صحيحة وتؤدي إلى أن يفهم الطفل خطأه دون أن يشعر بالإهانة أو الضرب ودون أن توتر العلاقة بينه وبين والديه.
- تقبل اعتذار طفلك وسامحه بمجرد أن يعتذر وعندما يعاود الخطأ نعاود العقاب، وهكذا فطبيعي جدا أن يكرر الطفل الخطأ كثيرا؛ لأنه لا يزال طفلا وإدراكه قليل وقدرته على التحكم في تصرفاته قليلة، ولكن مع التكرار سيتعود على السلوكيات الصحيحة.
- استخدام سياسة التجاهل مع الأطفال في بعض الأحيان، بحيث لا نقوم بمعاقبتهم على كل خطأ أو هفوة يقعون فيها، ففي السن الصغيرة كثيرا ما تقع من الأبناء بعض الهفوات غير المقصودة.
- راحة الجسد مهمة بالنسبة للآباء لأن الإجهاد لا يجعل لديهم الصبر لمحاورة أبنائهم وإفهامهم ما هو الصحيح وما هو الخطأ، ويلجئون مباشرة للضرب لأنها الوسيلة الوحيدة التي تضمن تعديل سلوك فوري.
قواعد العقاب
في النهاية هناك بعض القواعد التي تضمن عقاب صحي، في حال اضطر المربي لاستخدام العقاب أصلا. وهذه القواعد يحددها د.محمد المهدي الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي فيما يلي:
ضرورة أن يعرف الطفل الأشياء التي تستوجب العقاب مسبقا، بمعنى أن تكون هناك قواعد واضحة في البيت أو المدرسة لما هو صحيح وما هو خطأ.
أن يتم تحذير الطفل بأن تجاوزه للقواعد المعروفة والمعلنة سوف يعرضه للعقاب.
أن يكون العقاب إصلاحيا لا انتقاميا، أي ليس بسبب الحالة المزاجية المضطربة للأم أو الأب.
أن يكون في مصلحة الطفل لا في مصلحة المربي صاحب السلطة؛ فبعض الأمهات يضربن أطفالهن لأنهن يشعرن بالراحة بعد ذلك؛ فقد نفَّسن عن مشاعر غضب لديهن.
أن يكون العقاب متدرجا ومتناسبا مع شخصية الطفل؛ فالطفل الذي تردعه النظرة يجب ألا نوبخه، والطفل الذي ينصلح بالتوبيخ يجب ألا نضربه... وهكذا.
أن يكون العقاب متناسبا مع الخطأ الواقع.
أن تكون له نهاية، فمثلا نقرر حرمان الطفل من المصروف لمدة 3 أيام يأخذ بعدها المصروف.
أن يشعر الطفل أن العقاب وقع عليه بسبب سلوك سيئ فعله وليس لأنه هو نفسه سيء، بمعنى أن العقاب ليس موجها إلى شخصه ولا انتقاما منه، وإنما بسبب فعله الخاطئ الذي جر عليه العقاب.