السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. حياة بنت سعيد با أخضر/ مجلة البيان
المقدمة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما يجب وربنا ويرضى. القائل في كتابه {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين القائل في سنته الصحيحة (المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه )[1]
إن قضايا التعاون والتكامل من القضايا التي يجب أن تحوز على اهتمام كل عاقل في كل مناحي الحياة، ومن باب أولى المناحي الدعوية؛ لأنها تؤرق فئتين من الناس:
الفئة الأولى: أهل الإسلام الغيورين الذين مافتئوا بذلاً وحرصاً وتذكيراً بأهمية تلك القضايا، وما ينتج عنها من قوة ومنعة وتركيز وأعمال متكاملة،تسد الثغرات وتنمي القدرات وتعترف لكل موهوب وباذل بما يحسنه،وتطفئ نار التحاسد والتباغض، وتتبع العورات واقتناص العيوب.وهذا كان فعل الحبيب صلى الله عليه وسلم فقد كان يضع لكل صحابي مسارا يسير عليه يناسب ما رزقه الله به من قدرات، وهذا نقرأه في سيرته الطاهرة في مواضع لا تعد ولا تحصى.
الفئة الثانية: المتربصون بالإسلام الدوائر، الذين يظهرون حقيقة ما تنطوي عليه قلوبهم من حقد وإعداد لأنواع الحروب النفسية وغيرها، أو الذين يتسترون تحت أقنعة عدة، فهم يظهرون بمظهر الناصح الأمين وفي باطنهم السم الزعاف ينفثونه كلما سنحت الفرص الثمينة ؛لأنهم يدركون أهمية هذه القضايا في قوة الإسلام، فهم يريدون تشتيت جهودنا، وعرقلة تقدمنا وبث الوهن والتباغض الذي يؤدي إلى حربنا لبعضنا، فهم شياطين الأنس.وهذا نلمسه من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تبين حقيقة أعدائنا وصفات المنافقين لنحذرهم كما قال تعالى {هم العدو فاحذرهم }.
المطلب الأول: مفهوم التكامل وآثاره على العقيدة
مفهوم التكامل:
في اللغة: (مصدر من الفعل كمل والكمال هو التمام الذي تجزأ منه أجزاؤه - وتكامل الشيء وأكمله هو واستكمله وكمله: أتمه وجمله)[2].
في الاصطلاح: التعاون لإتمام الشيء وبلوغه الكمال أي التمام.
وهناك علاقة بين التكامل والتعاون والتنسيق يمكن إجمالها في الآتي:
إن التنسيق عملية تنظيمية أساسية للأهداف والجهود والمخرجات بطريقة آمنة بإجراء ترتيبات تهدف لربط الأنظمة الفرعية للتنظيم مع بعضها بعضاً، دون تكرار وازدواجية أو فجوات أو صراعات تنظيمية، تؤدي إلى التكامل في الأداء وتحقيق الأهداف، بموجب سلطة راشدة مقبولة من جميع فروع التنظيم ورغبة صادقة للتعاون والتفعيل.
العلاقة بين التعاون والتكامل:
التكامل هو نتيجة من نتائج التعاون. فالتعاون لا يعني السيطرة واستنزاف جهود الآخرين وأموالهم، أو استصغارهم وتهميش إنجازاتهم وأنشطتهم وعدم الاعتراف بطاقاتهم وقدراتهم، فهذا إيذاء للناس تحت مظلة التعاون. إن التعاون الحقيقي هو المفضي إلى التكامل في كل عمل يراد له النجاح؛ بجبر النقص وتكامل الجهود على أسس المحبة والترابط والتلاحم،[3] وفقدان الكمال البشري والاعتراف بالقصور المقابل له،والرسول صلى الله عليه وسلم مثل لنا بخير مثال على التكامل لما ذكر مثله ومثل الأنبياء من قبله فقال: (إنما مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون لولا موضع اللبنة).[4]
ويكون الفرق بين التعاون والتنسيق: أن التعاون يعني: تعامل المجموعة مع بعضهم البعض بهدف الوصول إلى أهدافهم طواعية.. أي بمحض الإرادة. بينما التنسيق هو: وظيفة يتم فيها توجيه العاملين في التنظيم بشكل مقصود وبموجب سلطة بهدف الوصول إلى أهداف محددة.
آثار التكامل بين المواقع الدعوية في تقوية العقيدة:
1- الحب الإيماني الأخوي (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
2- تقوية الإيمان باليوم الآخر فالداعية بتعاونه يبتغي الآخرة وما أعده الله تعالى من الخلود في جناته.
3- تقوية الإخلاص الذي يحتاج إلى مجاهدة مستمرة {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.
4- تحقيق شروط شهادة أن لا إله إلا الله. فلن تتحقق العبودية الصحيحة لله تعالى بدون التعاون والتكامل بين الدعاة في نشر الإسلام على منهج أهل السنة والجماعة.
5- تحقيق شروط شهادة أن محمدا رسول الله فلن تتحقق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتصديقه وإتباعه كما أمر بدون التعاون بين الدعاة في نشر السنة وحرب البدعة، فإذا حدث التنازع قويت شوكة الباطل والبدع وضعفت السنة.
6- تحقيق الولاء لهذا الدين بالنصرة والمساعدة لكل من يعمل له والبراءة من الشرك وأهله.
7- اليقين بالمسائل الأربع التي يجب على المسلم تعلمها والعمل بها، فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر هو التعاون ذاته.
المطلب الثاني: أهمية إنشاء المواقع الدعوية
إن المواقع الدعوية شامة في جبين الشبكة العنكبوتية التي جمعت الغث والسمين، وباتت بوابة عالمية ميسرة لنشر كل معتقد بأيسر السبل، ووصولا إلى العقول والقلوب، وبابا للبروز في زمن القوة.
فهذه المواقع تعتبر من باب القوة المأمورين بها في قوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} فهي قوة في العلم الصحيح المبني على منهج أهل السنة والجماعة، وإيصال صوته إلى أصقاع المعمورة وسط الركام الغثائي، وقوة في الدفع والتدافع الذي هو من سنن الله في كونه، وقوة في الدعوة إلى الله تعالى.
كما تبرز أهمية هذه المواقع من حيث:
1- كثرة المواقع الدينية المتنوعة سواء للأديان الكافرة أو الفرق والمذاهب والأديان المنتسبة إلى الإسلام مرفقا بها المنتديات والمدونات والصفحات الاجتماعية، مع طرح ظاهره التجديد والتنوع وحقيقته التكرار والابتعاد عن المنهج العلمي، يرافق ذلك الدعم المادي والمعنوي من الأتباع.
2- الحاجة الماسة الآن للطرح الشرعي القائم على الأدلة الصحيحة على منهج أهل السنة والجماعة،لأن أمتنا الإسلامية تعيش الآن عصر التمزق المتعدد:
التمزق الأرضي في دوله والتي مازال الأعداء يسعون إلى زيادة تقطيعها طائفيا لتصبح دولا متناحرة أبد الدهر –كما يخططون– ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
التمزق الشرعي بكثرة الفتاوى المرققة للدين في القلوب والتي تفتح الجدل العقلي المؤدي لحاكمية العقل على شرع الله وتؤسس لعقيدة الإرجاء على المدى البعيد وتجعل من ظاهر المسلم صورا مضادة لقوة التمسك به.
التمزق الأخلاقي لكثرة المنافذ الإعلامية التي تقلب الثوابت فتجعل المنكر معروفا والمعروف منكرا مع ما يصاحب ذلك من عمالة وافدة تؤصل لما سبق ويواكب ما سبق ضعف في البنية الاجتماعية ودورها الريادي.