متى كانت الشعوب للبيع؟!
| 18/2/1431 هـ
حشد الغرب الصليبي حكوماته الأشد بطشاً وغروراً في العاصمة البريطانية، بحثاً عن منفذ يتسلل منه لواذاً من المستنقع الأفغاني، الذي أيقظه من أحلام يقظته، عندما صورت له مخيلته السقيمة أنه سوف يسيطر على تلك البلاد العنيدة سيطرة تامة ومطلقة ونهائية!!
أفاقت واشنطن وتوابعها من نشوة أم الخبائث الفكرية، على وَقْع أقدام مقاتلي طالبان العزل، وعلى ركام معسكرات الناتو المدمرة، وأكوام ضباطه وجنوده الممرغة أنوفهم بالتراب الذي اعتدوا عليه، وراموا تدنيسه وتحويل هواه وإذلال أهله. وما كان يدور في خلد الغزاة المتجبرين أن يقبلوا يوماً بالجلوس مع مندوبي طالبان على طاولة مفاوضات، فكيف وقد أفضى بهم مكرهم المرتد إلى صدورهم حتى أن يتسولوا ذلك الجلوس فتأبى طالبان أن تفاوضهم إلا من موقع القوي بإيمانه وبحقه الثابت وهو القوي الذي يملي شروطه على المتجبر المهزوم؟
ولما خابت تلك المساعي الغربية مرة تلو مرة، طلع المجتمعون في لندن ببدعة تثير الرثاء، ألا وهي عرض المال على مقاتلي طالبان الذين يرتضون المشاركة في مهزلة نظام التبعية في كابل ولو إلى حين فرار جنود الصليب بجلودهم.فالغرب بحضارته القائمة على تأليه الشهوات وتعبيد بني آدم للمال والنساء، يظن أن الآخرين يشبهونه.فالثعلب-بحسب المثل الفرنسي-يعتقد أن الجميع يحبون الدجاج مثله!!
وواشنطن تحديداً أقامت إمبراطوريتها على استئصال الشعوب الأصلية، وعلى شراء ذمم العملاء الذين لا يخلو شعب من حفنة منهم تبيع شرفها وكرامتها بِعَرَضٍ من الدنيا بخسٍ.
فالأمريكيون الذين اشتروا ألاسكا من روسيا القيصرية، وأراضي على تخوم كندا من الفرنسيين، باتوا يحسبون أن كل شيء يمكن شراؤه، بما في ذلك كرامة الأمم ، حتى أمة مثل الأفغان اقترن اسمها في التاريخ بشدة البأس، وبالزهد في متاع الدنيا الزائل، وأصبحوا أشد تشبثاً بكرامتهم منذ أن أكرمهم الله عز وجل باعتناق الإسلام في فجره المبكر.
ولولا ضغط الخزي على مستحقيه من عبدة الصليب لتنبهوا إلى استحالة ما يمنيهم به كبيرهم إبليس، فهل الذي يبذل دمه ليثخن في العدو المحتل، فلا يبالي أَوَقَع على الموت أم وقع الموت عليه، هل هذا المجاهد الباحث بصدق عن إحدى الحُسْنَيين يمكن مساومته على شيء عابر من حطام الدنيا؟لكن القوم مهما احتكوا بنا نحن المسلمين ومهما أقاموا من مراكز للبحث في ديننا وقراءة تاريخنا، يتعذر عليهم استيعاب قضية الشهادة والاستشهاد، لأنهم كما قال الله تبارك وتعالى في أسلافهم الهالكين وحلفائهم اللاحقين: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }سورة البقرة-الآية96.
ولسنا هنا في معرض التنظير أو التمني، فمقاتلو الطالبان سارعوا إلى الرد العملي على العدو المزدري لهم والمتطاول على كرامتهم، فقاموا بعدة عمليات جريئة شملت عدة أنحاء من بلادهم، لكي يدرك الصليبيون الغزاة أنه ليس أمامهم من مَخْرَجٍ سوى مغادرة بلاد الأفغان أذلاء مدحورين، فإذا رغبوا بعد ذلك في مناقشة علاقات طبيعية معها فليكن بشرط الإقرار بجرائمهم والاعتذار عن موبقاتهم والتعويض عنها.فهل يعي هؤلاء الدرس أم أن عملاءهم سوف يستمرون في الضحك عليهم وتزيين فكرة شراء ضمائر المجاهدين لكي تمتلئ جيوب العملاء بمزيد من الدولارات النجسة؟
الشيخ : ناصر العمر
موقع المسلم