يعتقد البعض أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن " رواه البخاري ومسلم. فيه إهانة للمرأة، وحط من كرامتها ومنزلتها في المجتمع، ونفي صفة التفكير والعقل عن سلوكها وتصرفاتها.
لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، لأن هذا الحديث يشرح لنا طبيعة المرأة من ناحية التكوين، فالمرأة بطبيعة تكوينها تغلب عليها العاطفة، وهذا ليس عيباً ولكن ميزة تناسب مهمتها في الحياة، لأنه مفروض بطبيعتها أن تعطي الحنان أكثر، ومن التفكير العقلي أقل، إنها هي التي تحنو، وهي التي تمسح الدموع، وتصنع مكانها الابتسامة، وهي التي تمسح تعب اليوم وشقاءه عن زوجها وأولادها، ولا يتم هذا بالعقل ولكنه يتم بالعاطفة، إن هذا لا يعني طعناً في فكر المرأة وذكائها، ولكن يعني كشفاً عن طبيعتها.
ومن العجب الآن أن نرى المرأة قد تركت هذه المهمة الأساسية والحيوية لها، وتركت البيت إما لغيرها -الخادمة- أو تركته خالياً من الدفء والحنان، فظهر ما يسمى بجيل المفاتيح، أتدرون ما جيل المفاتيح؟ إنه جيل يتميز بأن كل فرد في الأسرة معه مفتاح للمنزل، يفتح ويدخل المنزل في أي وقت، ويخرج في أي وقت يريد، لا أحد ينتظره عند عودته، ولا أحد يسأله أين تذهب؟ ولماذا تأخرت؟ والأم غير متواجدة أو مشغولة.
ولا تسأل عن حجم المشاكل النفسية التي يعاني منها جيل المفاتيح من اضطرابات نفسية وسلوكية، وترّحم معنا على الصحة النفسية في وجود هذا المفتاح الصغير في كل يد.
وصدق الشاعر حين قال: -
ليس اليتيم من انتهى أبواه * * * من الحياة وخلفاه ذليلاً
بل اليتيم من تلقى له أماً * * * تخلّت أو أباً مشغولاً
سند له وقت الأزمات
الرجال الناجحون هم أكثر الناس التي تقابلهم أزمات متعددة أثناء سعيهم المتواصل نحو القمة، ولكن ما يميزهم عن غيرهم هو قدرتهم على تجاوز الأزمة بالصبر وروح الأمل وحسن التفكير، لأنهم يدركون أن الأزمات التي لا تقضي عليهم فإنها تقويهم " الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك " ولا شك أن المرأة من أقوى العوامل التي تساعد الرجل على استعادة توازنه، ثم الشروع السليم في الخطوات التي تمكنه من تجاوز الأزمة، والخروج منها منتصراً قوياً.
ولعل أقرب حادثة تتبادر إلى ذهننا كنموذج للموقف الإيجابي الذي تتخذه المرأة العاقلة عندما ينزل يزوجها أزمة أو تقف أمامه مشكله؛ هي حادثة صلح الحديبية التي كانت تمثل أزمة حقيقية ليس أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقط وإنما في وجه الدعوة الإسلامية عموماً.
فبعد أن فرغ الرسول من كتابة المعاهدة وتم توقيع صلح الحديبية، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يذبحوا الهدي، ويُحلوا إحرامهم فقال لأصحابه: " قوموا فانحروا ثم احلقوا " ولكن الحمية الدينية في داخلهم، والصلح الذي منعهم من الطواف ببيت الله الحرام، أشعلت ثورة في صدورهم منعتهم أن يروا الحكمة في توقيع هذا الصلح، وكيف أن الله - تعالى - جعل في هذا الصلح إشارة لانتصار الإسلام وفتح مكة.
ولذلك عندما أمرهم الرسول بأن يذبحوا الهدي ويحلوا إحرامهم لم يفعل ذلك أحد، وما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات.
فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على زوجته أم سلمة وهو شديد الغضب، فقالت: مالك يا رسول الله؟
فلم يرد، فكررتها عدة مرات حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: " هلك المسلمون، أمرتهم بأن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا "
فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ أخرج ولا تكلم منهم أحداً حتى تنحر بدنك، وتدعوا حالقك فيحلقك.
فخرج - صلى الله عليه وسلم - فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، فلما رأى المسلمون ما صنع النبي زال عنهم الذهول، وأحسوا خطر المعصية لأمره فقاموا عجلين ينحرون هديهم، ويحلق بعضهم بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل الآخر لفرط الغم.
فانظر معي عزيزي القارئ والقارئة، كيف أبدت أم سلمة رأيها في موقف صعب حرج، وكيف أحسنت الوقوف بجوار زوجها واستطاعت أن تكون بذلك خير سند له في أزمته.
ثم كيف استجاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لرأيها لأنه أدرك حكمته ووجاهته، وبالفعل ما إن نفذ الرسول ما قالت حتى استجاب الجمع، ونجوا من هلاك محقق.
وهكذا نرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ برأي زوجته أم سلمة - رضي الله عنها - في أمر من أشق الأمور وأشدها، ولو كان عقلها ناقصاً نقص ذكاء أو نقص استيعاب ما نزل رسول الله على رأيها.
المرأة لها عقلها ورجاحته، ولكن العاطفة أقوى من العقل في المرأة، ولو لم تكن العاطفة أقوى لما سهرت الليالي بلا نوم بجوار ابنها المريض، ولما عاشت وتحملت مع زوجها وأولادها في الأزمات، ولما استطاعت أن تتحمل مشقة التربية وصعابها.
وصدق الشاعر حين قال: -
لئن كـــان النســـاء كما ذكرنــا * * * لفُضّلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب * * * وما التذكير فخر للــــهـــلال
منقوووول