بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالله يحاور الشيطان:
قال عبد الله بن آدم : حاورت الشيطان الرجيم، في الليل البهيم، فلما سمعت أذان الفجر أردت الذهاب إلى المسجد.
فقال لي : عليك ليل طويل فارقد.
قلت : أخاف أن تفوتني الفريضة .
قال : الأوقات طويلة عريضة .
قلت أخشى ذهاب صلاة الجماعة .
قال : لا تشدد على نفسَك في الطاعة .
فما قمت حتى طلعت الشمس . فقال لي في همس : لا تأسف على ما فات ، فاليوم كله أوقات . وجلست لآتي بالأذكار ، ففتح لي دفتر الأفكار .
فقلت : أشغلتني عن الدعاء . قال : دعه إلى المساء .
وعزمت على المتاب . فقال : تمتع بالشباب .
قلت : أخشى الموت . قال : عمرك لا يفوت .
وجئت لأحفظ المثاني ، قال : رَوّح نفسك بالأغاني .
قلت : هي حرام . قال : لبعض العلماء كلام .
قلت : أحاديث التحريم عندي في صحيفة . قال : كلها ضعيفة .
ومرت حسناء فغضضت البصر ، قال : ماذا في النظر ؟
قلت : فيه خطر . قال : تفكر في الجمال ، فالتفكر حلال .
وذهبت إلى البيت العتيق، فوقف لي في الطريق، فقال : ما سبب هذه السفرة ؟
قلت : لآخذ عمرة .
فقال : ركبت الأخطار، بسبب هذا الاعتمار، وأبواب الخير كثيرة، والحسنات غزيرة .
قلت : لابد من إصلاح الأحوال .
قال : الجنة لا تدخل بالأعمال . فلما ذهبت لألقي نصيحة، قال : لا تجر إلى نفسك فضيحة .
قلت : هذا نفع للعباد . فقال : أخشى عليك من الشهرة وهي رأس الفساد .
قلت : فما رأيك في بعض الأشخاص ؟ قال : أجيبك عن العام والخاص .
قلت : أحمد بن حنبل ؟ قال : قتلني بقوله : عليكم بالسنة، والقرآن المنـزل .
قلت : فابن تيميـة ؟ قال : ضرباته على رأسي باليومية .
قلت : فالبخـاري ؟ قال : أحرَق بكتابه داري .
قلت : فالحجـاج ؟
قال : ليت في الناس ألف حجاج، فلنا بسيرته ابتهاج، ونهجه لنا علاج .
قلت : ففرعـون ؟ قال : له منا كل نصر وعون .
قلت : فصلاح الدين، بطل حطين؟ قال : دعه فقد مرّغنا بالطين .
قلت : محمد بن عبد الوهاب؟
قال : أشعل في صدري بدعوته الالتهاب، وأحرقني بكل شهاب .
قلت : فأبو جهـل؟ قال: نحن له إخوة وأهل .
قلت : فأبو لهـب ؟ قال : نحن معه أينما ذهب .
قلت : فلينين ؟ قال : ربطناه في النار مع استالين .
قلت : فالمجلات الخليعـة؟ قال : هي لنا شريعة .
قلت : فالـدشـوش ؟ قال : نجعل الناس بها كالوحوش .
قلت : فالمقاهــي؟ قال : نرحب فيها بكل لاهي .
قلت : ما هو ذكركم؟ قال : الأغانـي .
قلت : وعملكـم؟ قال : الأمانـي .
قلت : وما رأيكم في الأسـواق؟ قال : علمنا بها خفّاق ، وفيها يجتمع الرفاق .
قلت : كيف تضل الناس؟
قال : بالشهوات والشبهات والملهيات والأمنيات والأغنيات .
قلت : وكيف تضل الحكام؟
قال : بالتعطش للدماء، وإهانة العلماء، ورد نصح الحكماء، وتصديق السفهاء .
قلت : فكيف تضل النساء؟
قال : بالتبرج والسفور، وترك المأمور، وارتكاب المحظور .
قلت : فكيف تضل العلماء ؟
قال : بحب الظهور، والعجب والغرور، وحسد يملأ الصدور .
قلت : فيكف تضل العامّـة ؟
قال : بالغيبة والنميمة، والأحاديث السقيمة، وما ليس له قيمة .
قلت : فكيف تضل التجّـار؟
قال : بالربا في المعاملات، ومنع الصدقات، والإسراف في النفقات .
قلت : فيكف تضل الشباب؟
قال : بالغزل والهيام، والعشق والغرام، والاستخفاف بالأحكام، وفعل الحرام .
قلت : فما رأيك في إسرائيل؟
قال : إياك والغيبة، فإنها مصيبة، وإسرائيل دولة حبيبة، ومن القلب قريبة .
قلت : فالجاحظ ؟ قال : الرجل بين بين، أمره لا يستبين، كما في البيان والتبيين.
قلت : فأبو نواس؟ قال : على العين وعلى الرأس، لنا من شعره اقتباس .
قلت : فأهل الحداثـة؟ قال : أخذوا علمهم منا بالوراثة .
قلت : فالعلمانيــة ؟
قال : إيماننا علماني، وهم أهل الدجل والأماني، ومن سمّاهم فقد سماني .
قلت : فما رأيك في الدعاة؟
قال : عذبوني وأتعبوني وبهدلوني وشيبوني يهدمون ما بنيتُ، ويقرؤون إذا غنيتُ، ويستعيذون إذا أتيتُ .
قلت : فما فعلتَ بقـارون ؟
قال : قلت له : احفظ الكنوز، يا ابن العجوز، لتفوز، فأنت أحد الرموز .
قلت : فماذا قلتَ لفرعـون ؟
قال : قلت له : يا عظيم القصر، قل : أليس لي ملك مصر، فسوف يأتيك النصر.
قلت : فماذا قلتَ لشارب الخمر؟
قال : قلت له : اشرب بنت الكروم، فإنها تذهب الهموم، وتزيل الغموم ، وباب التوبة معلوم .
قلت : فماذا يقتلك؟
قال : آية الكرسي ، منها تضيق نفسي، ويطول حبسي، وفي كل بلاء أمسي .
قلت : فمن أحب الناس إليك؟
قال : المغنّون، والشعراء الغاوون، وأهل المعاصي والمجون، وكل خبيث مفتون .
قلت : فمن أبغض الناس إليك؟
قال : أهل المساجد، وكل راكع وساجد، وزاهد عابد، وكل مجاهد .
قلت : أعوذ بالله منك، فاختفى وغاب، كأنما ساخ في التراب، وهذا جزاء الكذاب .
المقامات للشيخ عائض القرني
منقول.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم