وظيفة الداعية وأخلاقياته في ظل سلطات غير إسلامية
• تعريف الدعوة:
الدعوة: مصدر الفعل الثلاثي دعا يدعو دَعوة، بفتح الدَّال، وقد وردت في اللغة العربية لمعانٍ كثيرة كلها تدور حول: السؤال، والطلب، والنداء، والدعاء، والاستمالة، والتجـمـع، إلا أنـها إذا تعدت بـ «إلى» تحدد معناهـا بالحــث عـلى الشـيء، أو سوقه إليه، تقول: دعاه إلى ديـن أو مـذهـب، أي: حـثه علـيه، ودعـاه إلى الأمـيـر، أي: ساقه إليه[1]. وتطلق الدعوة على الدعاء إلى أي قضية يراد إثباتها أو الدفاع عنها، سواء أكانت حقاً أم باطلاً. والأصل في مفهوم الدعوة أنه يعتمد على البيان والكلام. قال أحمد بن فارس: «الدعـوة أن تميل الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك»[2].
وقد أورد العلماء في تحديد المفهوم الاصطلاحي للدعوة تعاريـف كثيرة، تعددت أساليبها وتنوعت، إلا أنها تتوحد في مراميها ودلالاتها، وسنقتصر على تعريفين نراهما أقرب إلى وظيفة الداعية، وأكثر شمولية لمهمته:
1 ـ الدعوة هي: «تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه إياهم، وتطبيقه في واقع الحياة»[3].
2 ـ الدعوة هي: «إبلاغ الناس دعوة الإسلام في كل زمان ومكان، بالأساليب والوسائل التي تتناسب مع أحوال المدعوين»[4].
وغــنــي عـــن الذكـــر أن مضـــمـار الدعــوة إلـى اللــه ـ تعالى ـ هـو المضـمار الذي تتسـابق إليه النفوس الطـمـوحة، وتتنـافس العقول الواعية المفكرة لخوضه وكـسـب قصـب الســبـق فـيـه؛ لأنـه سُـلَّمُ النــهـوض بالأمـة الإسـلامية مـن سـباتها العـمـيق، ومشـهـدها الدامــي الحزيـن، والداعـية هـو المبـلغ لـهــذه الدعـوة، وهـو البـطـل الذي سيـنـقـذ الأمـة مـن الغـوايـة إلى الهـداية، وحـداؤه في برنامجه الدعوي: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِـحًا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]؛ ليحوز الخيرية «لأَنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»[5].
• حكم الدعوة إلى الله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «والدعوة إلى الله واجبة على من اتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ وهم أمته. وهذا الواجب واجب على مجموع الأمة، وهو فــرض كــفاية، يسقط عن البعض بالبعـض، كقوله ـ تعالــــى ـ: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ} [آل عمران: 104]»[6]. وقــد أوضــــح الشــــيخ عبــد العزيــز بن باز ـ رحمه الله ـ هذا بقوله: «صرَّح العلماء أن الدعوة إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فرض كفاية بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإنَّ كلّ قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة، وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملاً صالحاً جليلاً. وعند قلة الدعاة، وعنــد كثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل ـ كحالنا اليوم ـ تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته، وإذا لم يقم أهل الإقليم أو أهل القطر المعيّن بالدعوة على التمام صار الإثم عاماً، وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقتــه وإمكــانه. أما بالنظر إلى عموم البلاد؛ فالواجب أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله ـ جلَّ وعلا ـ في أرجاء المعمورة، تبلغ رسالات الله، وتبين أمر الله ـ عزَّ وجل ـ بالطرق الممكنة»[7].
• وظيفة الداعية:
انطلاقاً من تعريف الدعوة فإن الوظيفة الأساسية للدعاة هي تبليغ الناس، وإرشادهم إلى الطريق التي سلكها أنبياء الله ورسله، وهي إثبات وجود الله ـ عزَّ وجل ـ وإفراده بالعبادة، قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وجوهر هذه الوظيفة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي رسالة عظيمة ووظيفة سامية لارتباطها بأشرف الخلق على الأرض؛ وهم الأنبياء والرسل منذ آدم ـ عليه السلام ـ حتى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فمهمة الدعاة الأولى هي التبليغ ودعوة الناس إلى هدي الله، وهذه المهمة العظيمة لا بد أن يرافقها وعي دائم ومتجدد بحاجات الناس، وتغيّر أساليب مخاطبتهم. وقد أوضح المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كيفية قيام الداعية بهذه الوظيفة في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان»[8]. ونظرة دقيقة في فحوى هذا الحديث تكشف مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يلي:
1 ـ التعرف على المنكر، والتأكد أنَّ هناك منكراً.
2 ـ التعريف بالمنكر؛ فقد يرتكب بعض الناس المنكر عن جهل بأنه منكر؛ وقد يكفي تعريفهم به لكي ينتهوا.
3 ـ الوعظ والنصح والتخويف بالله.
4 ـ التعنيف بالقول الغليظ.
5 ـ إزالة المنكر باليد، وذلك إذا كانت سلطة إزالة المنكر بيد الداعية، ويكون بمعاقبة أصحابها، وبرفع المنكر وكسره.
ويجب على الداعية أن يحافظ في جميع هذه المراتب على مبدأ (اليسر والتبشير) ومجانبة (العسر والتنفير)، فقد اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً ومعه أبا موسى الأشعري؛ لتبليغ الدعوة ونشرها في اليمن، وأوصاهما في مهمتهما الجلـيلـة، فـقـال: «يسِّـــرا ولا تعــسِّرا، وبشِّــــرا ولا تنفِّرا»[9]. واليسر والبشارة أو العسر والتنفير ليسا من الأمور النظرية المجردة، وإنما هما مرتبطان بواقع الأحكام والدعوة في المجتمع وبين الناس؛ فمَنْ جهل طبيعة الواقع، أو تجاهل أحوال الناس، لم يدرِ هل يسَّر عليهم أم عسَّر؟ وهل نفَّرهم عن الدعوة أم حبَّبهم إليها؟ فضلاً عن متى يكون التكليف يسراً في الواقع، ومتى يكون عسراً؟
• مرتكزات وظيفة الداعية:
وتنبني وظيفة الداعية على ثلاث ركائز أساسية، وهي:
الأولى: فهـم طبيعة الدعوة ومداها، ورسالتها العامة؛ إذ إن هناك نفراً من الدعاة يظنون ـ مثلاً ـ أن الدعوة إلى التوحيد هي مجرد تصحيح تصورات الناس تجاه مفهوم الربوبية، ومفهوم الألوهية، ومنهج أهل السنة في أسماء الله وصفاته فحسب، دونما بيان شافٍ كافٍ عن تجليات هذه العقيدة في واقع الناس وسلوكهم، ونظمهم الاجتماعية والتشريعية، ومشاعرهم وولائهم وغير ذلك. ومستند هؤلاء أن المرحلة الأولى للدعوة تقتضي ذلك، ثم تأتي القضايا الأخـرى لاحـقاً بعـد تثبـيت العقيدة. هذا الاتجاه المــحدود لو تعززت وجهته في برنامجنا الدعوي فستنتهي بنا حتماً إلى حصر الدعوة الإسلامية بشمولها في نوع من الجهد الكلامي، ومن ثم إتاحة الفرصة تماماً أمام التيارات المنحرفة لصياغة الواقع الاجتماعي، وبنيان الأمة وَفْق مناهجهم الفاسدة. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو قومه إلى التوحيد الخالص في مكة، وكان يجتهد في تصحيح الانحرافات الاجتماعية كلها في الواقع الذي يعيشه، ويقرن ذلك كله بالتوحيد، وحسبنا في السور المكية التي تعالج الظواهر الاجتماعية قوله ـ تعالى ـ: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 1 - 6]، أرأيت كيف ترتبـط الدعـوة إلى العدل والنـزاهة بالإيمان بالله واليوم الآخر؟
الثانية: معرفة الزمان، والوعي العميق بالواقع الاجتماعي الذي تتحرك فيه الدعوة وتتنـزل به الأحكام، وقديماً قال الصالحون: «رحم الله امرأً عرف زمانه، فاستقامت طريقته». إنّ البصيرة النافذة بأحوال الزمان، وأحوال الناس فيه، والعلاقات التي تتحكم في سلوك الناس الاجتماعي، والضغوط التي تفعل فعلها في الواقع، وهموم المسلمـــين وما عمت به البلوى وما لم تعم، والأخطار المحدقة بالأمة من خارجها ومن داخلها، ومواقع القوة أو الضعف فيها وفي أعدائها، ونحو ذلك من أحوال..، إنَّ المعرفة بهذه كلها مطلب شرعي لا تستقيم الدعوة ولا تنضبط أحكام الشريعة بدون تحصيله، وبــدون هذا الفقه للواقع لا يمكن لمسلم تنـزيل قاعدة (المصالح والمفاسد)، ولا أصل (لا ضرر ولا ضرار)، ولا أصل (ارتكاب أخف الضررين)، ولا باب (سد الذرائع)، ولا باب (الضرورات العامة وما تعم به البلوى)، وغير ذلك الكثير من مقتضيات الدعوة وأصول الأحكام. ومن دخل في شيء من هذا كله بدون معرفة بالزمان، وبصيرة بأحوال المسلمين، وفِقْهٍ لواقعهم؛ فهو مغامر وضارب في عمــاية، ولا يؤمَن جانـب دعوته وفتـواه أن تودي بالمسلمين إلى موارد التهلكة والفساد.
وحاصل الكلام هنا: أن معرفة الزمان، والبصيرة بالواقع، وفقهَ أحوال الناس وهموم الأمة الداخلية والخارجية؛ مطلبٌ شـرعـي ملحٌّ، ولا سيما في هذه الأيام، ولا تستــقيم دعــوة ولا يهدى بيان بدون اعتماد هذا الأصل، وإنّ من يخالفون في ذلك يلحقون أبلغ الضرر بالدعوة الإسلامية، ويفتحون باباً واسعاً لفتنة الناس وإفقاد الأمة فاعلية هذه الدعوة.
الثالثة: الوعي التام بأصناف المدعوين ونفسياتهم وطبائعهم؛ إذ إن المدعوين لا يكونون على صورة واحدة مطردة، ولكنهم ينقسمون إلى أصناف عديدة: فمنهم من يرضى بالدعوة ويُقبل عليها ويتفاعل معها، ويثني على أصحابها ويدعو لهم؛ ومنهم من يغلق قلبه أمامها ويصمّ أذنيه عن سماعها؛ ومنهم من يرفضها ويتوجه إلى الداعين بالاتهام والسخرية والاستهزاء والانتقاد، ويجعلهم هم السبب في رفض الدعوة فيتَّهمهم بالتزمُّت والتعصب والعنف والقسوة والإيذاء؛ ومنهم ـ وبخاصة إذا كان صاحب مركز أو سلطان ـ مَن يرفض الدعوة ويتهم أصحابها، ثم يوقع بهم الإيذاء والتعذيب والاضطهاد، ويصدر في حقهم الاتهامات والانتقادات والإشاعات. وعلى الداعية أن يكون على وعي وبصيرة بحقيقة كل صنف، ويُوجِد عندهم القناعة بالدعوة والقبول لها، ويعمل باستمرار على تحسين أسلوبه في عرضها وتقديمها، وطريقته في التعامل مع الآخرين، ويستخدم أفضل الأساليب وأجودها وأجملها، ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن.
ولا سبيل لنجاح الداعية في مهمته حتى يكون على قدر كبير من أمرين اثنين هما: التحصيل العلمي الصحيح والمخزون الإيماني، بجانب الخلق الدمث النبيل.
• أصول العمل الدعوي في ظل سُلطات غير إسلامية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «إن مقارنة الفجار إنما يفعله المؤمن في موضعين؛ أحدهما: أن يكون مكرهاً عليها، الثاني: أن يكون في ذلك مصلحة دينية راجحة على مفسدة المقارنة، أو أن يكون في تركها مفسدة راجحة في دينه؛ فيدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصل المصلحة الراجحة باحتمال المفسدة المرجوحة»[10]، وتقول القاعدة الأصولية: «إذا اجتمعت المصلحة والمفسدة فالعمـل على أرجحـهما». وذلك أن الدعـوة في ظل سلطات لا تُحكِّم الشريعة لا تحصل فيها المصلحة إلا بتحصيل المضرة، ولا تُزال المضرة أو تدفع إلا بإزالة المصلحة ودفعها، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما»[11]. وفي ضوء هذا يمكن تلخيص أصول الموازنة بين المصالح والمفاسد عند تزاحمهما في أصلين اثنين هما:
1 ـ احتمال المفسدة الصغرى: إما لدفع مفسدة كبرى، وإما لتحقيق مصلحة كبرى.
2 ـ تفويت المصلحة الصغرى: إما لتحقيق مصلحة كبرى، وإما لدفع مفسدة كبرى.
وهذا نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ كان نائباً لفرعون مصر، وهو وقــومه مشــركــون. قال ـ تعالى ـ: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إنِ الْـحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 39 - 40]، وفعل يوسف ـ عليه السلام ـ من العدل والخير ما قدر عليه، ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان، بل إنه طلب من فرعون أن يجعله على خزائن الأرض، مع العلم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسُنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهــل بيته، وجنــده ورعيَّتــه، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكــــن يوســــف ـ عليه السلام ـ يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله؛ فإن القوم لم يستجيبوا له، لكنه فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
• أخلاقيات الداعية في ظل سلطات غير إسلامية:
إن طبيعة العلاقات بين الداعية والمدعوين في دولة غير إسلامية تفرض عليه أخلاقيات عملية، يتوقف عليها نجاح مهمته الدعوية، نذكر من أهمها ما يلي:
1 ـ هندسة الأوضاع والنظم السياسية والاجتماعية التي تحكم بها السُّلطات في هذه الدولة، ورصد ردود أفعالها تجاه مواقف الدعاة المختلفة، وتشخيص نفسياتها وطريقة تفكيرها، والتنبؤ بطريقة ردِّ فعلها لأيِّ تصرف قد يصدر من الدعاة، كل ذلك بطريقة إيجابية، ومن ثم عرض رؤية صحيحة وإيجابية لموقف المسلمين من تلك السلطات، وذلك لكسب ثقتهم في أنشطة الدعاة.
2 ـ توظيف حاجات السلطات لما يملكه الدعاة من إمكانات وقدرات بشرية ومادية، وذلك عن طريق إشعارها بدور الدعاة المسلمين، ومساهمتهم في تنمية المجتمع وتطويره، من خلال تنفيذ مشاريع خيرية وإنسانية من: بناء مستشفيات، ودُور أيتام، وحفر آبار في الأرياف، بحيث تدرك السلطات حاجاتها الملحة إلى الدعاة، وأنهم ليسوا مجرد حمل ثقيل عليها يستفيد بكل شيء ولا يفيد في شيء، وهذا لا شك أنجع طريقة للدعوة.
3 ـ التعايش مع غير المسلمين في المجتمع بشكل سلمي وتحمُّل أذاهم، وترك مواجهتهم بشكل مادي، ولو ترتب على ذلك وجود واحتمال مفاسد تؤثر على سير الدعوة، في مقابل تجاوز رسم صورة ذهنية خاطئة للدعوة ـ أو الإسلام كلياً ـ لدى المجتمعات غير الإسلامية، مما قد يترتب عليه صدهم عن دين الله.
4 ـ العمل على رفع مستوى المسلمين المعيشي والثقافي والتعليمي، مما قد يمكنهم من الوصول إلى بعض المراكز الحساسة في البلاد، فإذا ولّى الحاكمُ غيرُ المسلم الداعيةَ منصـباً فإنَّ عليـه تولِّيـه، قال عـز الدين بن عـبد السـلام: «ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولّوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله؛ جلباً للمصالح العامة ودفعاً للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده تعطيلُ المصالح العامة وتحمُّل المفاسد الشاملة؛ لِفــوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها»[12].
5 ـ الحذر من تسخير انتشار الإسلام ودعوته لمصالح أحزاب سياسية معينة، أو لتحقيق مكاسب لكتل سياسية متصارعة؛ فلا يعلن الدعاة أنفسهم حــركات سيــاسية، حتى لا يؤدي ذلك إلى طوق الإسلام وقيد العمــل الدعوي، ولكن يجب أن تكون لهم مشاركة فعالة في التصويت لانتخابات حكام البلاد؛ لأن الحكام إذا تفاوتوا في الفسوق قدَّمْنا أقلهم فسـوقاً، لأنّا لو قدمنا غيره لفات من المصالح ما لنـا عـنه منـدوحة، ولا يجـوز تفـويت مصـالح الإسلام إلا عند تعذر القيام بها، ولو لم يشارك في هذا وأمثاله لضاعت المصالح بأسرها[13]. وقد قال الله ـ تعالى ـ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
6 ـ حُسن التعامل مع الأزمات، ومنع قيام التصورات الخاطئة في أذهان المدعوين، بتقديم توضيح لسلوك معين في المواقف ذات الاحتمالات المتعددة فهماً، وإثارة روح التساؤل، وإذكاء الرغبة في معرفة الخير والعلم، وعدم الظهور في صورة المنهزم أمام الأزمات، بل الحرص على اتخاذ مواقف حسنة.
7 ـ حسن اختيار من يقوم بالمهام الدعوية، ولا سيما في أوقات الأزمات، بحيث يكون ممن يضبط ردود فعله بحكمة تفادياً لما لا تحمد عقباه، فلا بد من ضبط الكلمة في التعامل مع السلطات والمجتمع غير الإسلامي، وضبط أسلوب التعبير والخطاب الموجه إلى المدعوين الذين لم يدخلوا الإسلام بعد، حتى لا تقع مفسدة راجحة، قال ـ تعالى ـ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].
8 ـ إيجاد القدوة العملية من عموم الدعاة أمام مجتمعاتهم بالمشاركة الفعالة في الأعمال الاجتماعية الشاقة، أو في إزالة تحرُّج خاطئ في نفوس أفراد المجتمع المدعوين.
9 ـ نشر تعاليم الإسلام السمحة، مع التركيز على جوانب سموِّ الإنسانية في شعائره، مثل: دعوته إلى العدالة، والمساواة بين الناس، وبغضه للتفرقة العنصرية.
10 ـ العمل على وحدة كلمة الدعاة وصفوفهم، فيقدِّم الإسلامُ للقبائل والأعراق والطبقات المختلفة في البلاد قوةَ الشعور بالوحدة، ويؤلف بين أبنائها، وإذا اعتنق أحدهم الإسلام احتضنه المسلمون في أحضان الجماعة المسلمة، ليصبح عضواً في مجتمع متماسك يشعر الفرد فيه بذاته وكرامته.