احداث 11 ايلول أيقظت «المارد» فغرق العالم في بحر من فوضى «الارهاب» والتخلّفلم يكن الهجوم الذي تعرضت له الولايات المتحدة الاميركية يوم الثلاثاء 11/9/2001، وادى الى تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وقسم من مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) واسفر عن خسائر بالغة سياسية واقتصادية وامنية... لم يكن الحدث الارهابي الاول او الابشع الذي تتعرض له البشرية في تاريخها القديم او الحديث والمعاصر، وما زالت الذاكرة تعج بصور واخبار قريبة لمآس انسانية بشعة خلفتها اعمال ارهابية جنونية تتحمل مسؤولية بعضها دول كبرى يفترض فيها انها تقود مسيرة الحضارة والمدنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا.
في ذكرى الهجمات... تفسيرات تثير الشبهة ومذكرات ورسائل تكشف خفايا واسرار العملية
الموظفون اليهود ابلغوا عدم الحضور الى برجي التجارة
واعتقال عناصر من الموساد راقبت المهاجمين
خلال عملية إستهداف البرجين في نيويورك وقبل دقائق من إنهيارهما
ولكن هذا الهجوم هو الحدث الاكبر على مستوى الولايات المتحدة نفسها وهي العظمى المهيمنة في عالم تشكل فيه القطب الاوحد المتحكم في القسم الاكبر من حركته السياسية والاقتصادية والاعلامية والعسكرية والحضارية، وقد اثار هذا الحادث من هوله ذهول العالم اجمع واستقطب تفاعل وتعاطف الجميع مع الولايات المتحدة وابداء الاستعداد لبذل الجهود المكثفة للقيام بما ينبغي من اجراءات محلية واقليمية ودولية لمواجهة ومحاربة الجهات التي تقف وراء الهجوم، وسرعان ما تسارعت الاحداث ليتصدر الرد العسكري الاميركي على الهجوم قائمة الاجراءات التي ستتخذ في الميادين المختلفة لمواجهته.
بالرغم من كون هذا الهجوم ليس الحادث الارهابي الاول الذي يشهده العالم وتعرضت له الولايات المتحدة الا انه تفرد بجملة من الخصائص ميزته عن غيره من الاحداث الارهابية التي شهدها العالم في تاريخه المعاصر سواء ما كان منها ذا طابع سياسي او عسكري او اقتصادي، بما في ذلك ما شهده من احداث الحربين العالميتين الاولى والثانية. وبقدر خصوصية وتفرد هذا الهجوم بقدر ما كانت الآثار وردود الفعل عليه بالغة ومتفردة، وكما ان الحروب الكبرى تكون دائماً بداية لتحولات عالمية كبيرة، فان هذا الحدث كان له ما بعده من التحولات الاقليمية والدولية.. لعل ابرز الجوانب التي تعكس خصوصية هذا الهجوم تتلخص بالنقاط التالية:
1- ان هذا الهجوم استهدف الولايات المتحدة الاميركية الدولة الاقوى في العالم والاكثر هيمنة على الاعلام والسياسة والاقتصاد، مما يعني قدرتها الفائقة على استقطاب وتجييش الموقف الدولي بكل مؤسساته، وتعبئة الرأي العام العالمي ضد هذا الهجوم وتحريك الجميع لاتخاذ الاجراءات المناسبة لتصفية المسؤولين عنه وكل من يمت لهم بأدنى صلة، وسوف تعمد الولايات المتحدة الى استثمار هذا الحدث بكل طاقاتها وفي كل الاتجاهات والمجالات لتتجاوز في اهدافها حدود الرد على الهجوم.
2- ان الهجوم اصاب وبنجاح مواقع حيوية واستراتيجية ضربت الولايات المتحدة في قلب مكانتها الدولية وهيبتها، مما يعني انهيار المزاعم الامنية الاميركية، وانها في الوقت الذي تتحرك فيه لبناء درع صاروخي يحميها من اي اعتداءات ارهابية خارجية جاءتها الاعتداءات من داخلها وبصورة لم تخطر على بال احد من حماة الامن والاستقرار الاميركي، الامر الذي سيدفع القيادة الاميركية الى القيام بمراجعات شاملة لمفهوم الامن المحلي ومؤسساته وبرامجه ضمن استراتيجيات جديدة تأخذ في اعتبارها التهديدات الداخلية بنفس القدر الذي تأخذه للتهديدات الخارجية.
3- ان هذا الهجوم لم يتم من قبل دولة او عدو محدد يمكن الرد عليه والحاق الهزيمة به بما يعيد لاميركا هيبتها ومكانتها المنهارة، وان اقصى ما يمكن لاميركا القيام به هو توجيه ضربات عسكرية استئصالية حاسمة للعناصر المشتبه في ضلوعهم في الهجوم، وهذا يعني محاولة القضاء على مجموعات زئبقية مكونة متناثرة تدرك اميركا استحالة القضاء عليهم، وحتى في حال نجاحها فان مثل هذا الرد لا يتناسب مع حجم الخسائر المادية والمعنوية التي اوقعها الهجوم ولا مع حجم ومكانة الولايات المتحدة الدولية وقوتها السياسية والعسكرية، وهذا يعني ان الرد لن يقتصر على هدف القضاء على المجموعات المسؤولة عن الهجوم، وانما سيتجاوز ذلك بكثير بما يتناسب وحجم الولايات المتحدة ويسمح لها باستعادة هيبتها ومكانتها.
4- ان الهجوم لم يأت من خارج الولايات المتحدة، وانما من داخلها وعبر مطاراتها وادواتها واجهزتها المدنية المختلفة، ولا بد ان يكون قد استغرق وقتاً طويلا من الاعداد والتدريب داخل الولايات المتحدة مما ينسف قدرات الاجهزة الامنية الاميركية.
5- ان الطريقة التي تم بها الهجوم اذهلت الجميع وفاقت جميع التوقعات، وهذا يعني ان الذهنية التي تفتقت عن مثل هذه العمليات يمكن ان تتفتق عن افكار جديدة اكثر خطورة وافدح آثاراً.
6- ان الهجوم استهدف الولايات المتحدة الاميركية فقط، دون غيرها من الدول وكان من الممكن توجيه عدة ضربات مماثلة متزامنة في اكثر من دولة في العالم، مما يعني ان الولايات المتحدة مستهدفة لذاتها كرد فعل على سياسات ومواقف وتصرفات معينة، فهي المعتدى عليها وهي المعنية قبل غيرها بالرد على الهجوم وتحديد الوسائل والاجراءات المناسبة التي تحقق اهدافه، وان تعارضت مع وجهة نظر حلفائها والمتعاطفين معها.
7- ان هجوما بهذا الحجم يعتبر درساً بليغاً لطرفي الصراع في الدول التي تعاني من توترات وازمات سياسية داخلية على اساس ديني او عرقي او حزبي، فهو درس للانظمة الحاكمة بضرورة مراجعة سياستها الداخلية التي تقف وراء اسباب التوتر والصراع وليس فقط مراجعة البرامج والسياسات الامنية التي تعالج بها هذا التوتر والصراع، وهو في الوقت نفسه درس للقوى المعارضة المتطرفة فيما يمكن ان تذهب اليه في عملياتها الموجهة ضد الانظمة الحاكمة التي تعارضها، وهذه القوى غالبا ما لا تحسب حسابات متزنة للنتائج والاثار التي تترتب على اعمال العنف التي تقوم بها.
العراق بعد خمس سنوات
بعد مضي خمس سنوات على تلك الهجمات، فإن الادارة الاميركية التي لا تخلو من العقائديين وعشاق المغامرات الحربية، تقف في ذروة المشهد الجديد، بعد ان خاضت حربا ضارية في افغانستان والعراق بينما تمتشر قواتها في الممرات المائية الحساسة والبؤر الملتهبة في العالم، لتجسيد مقولة «شرطي الارض».
وداخليا، تراجعت قيمة الحرية في اميركا لصالح عقدة الامن، وقليلون اولئك الذين يلتفتون اليوم الى ذلك التمثال الشهير في نيويورك الذي يمجد الحرية، بعد ان علقت بأذهانهم صورة الحريق الكبير في مانهاتن، بما يثيره من كوامن غضب تشبه في انبعاثها مشهد سحب الادخنة والغبار، المنطلقة من حطام البرجين الشاهقين.
ولعل النتيجة التي آلت اليها الحالة في غرب الاطلسي، هي ان اميركا باتت اليوم اعجز عن تصدير شعارات الحرية الى امم العالم، من اي وقت مضى، ويبدو ان التدهور قد طال ملفات حرية الرأي والحقوق المدنية، واصبح السياسيون الاميركيون منشغلين بتبرير الخروج الاميركي المذهل عن المعايير القانونية، سواء تعلق الامر بحزمة قوانين «مكافحة الارهاب» او برفض معاملة سجناء غوانتانامو كأسرى حرب.
حتى شعارات العولمة سقطت في واد سحيق بعد 11 ايلول 2001 اذ لم يعد هناك من يتباهى بالانفتاح والاتصالات العابرة للحدود وحرية تدفق التجارة ورؤوس الاموال.
ويكاد الحديث يدور اليوم عن تعزيز الاطواق الامنية، ومكافحة تسلل المهاجرين، وفرض الاجراءات الحمائية، لتعزيز صناعات الصلب مثلا، وتعقب رأس المال بشتى الصور، وهو المتهم بأنه شريان الارهاب وعصب الجريمة المنظمة.
بالمقابل، علت التحذيرات من «عولمة الارهاب» او «الارهاب المعولم»، وهو نمط يكثر الحديث عنه في سياق تبرير «العولمة الامنية» التي اخذت تطل برأسها بشكل لم يسبق له مثيل، لتدوس في طريقها الكثير من الحريات العامة والشخصية، وتمعن في انتهاك المجال الشخصي للافراد.
اسئلة كثيرة راودت الاذهان وما زالت، كل واحد منها يحمل في طياته العديد من التساؤلات : ما الذي حدث بالفعل؟ من فعلها، اصحيح هي القاعدة؟ لماذا؟ ولخدمة من؟ وماذا بعد؟ عشرات الاسئلة التي عرفنا الاجابة على بعضها وبعضها الاخر يبقى يراوح ما بين التخمين واليقين.
قيل الكثير عن خلفيات واسرار هجمات 11 (ايلول)، ونسجب عنها اقاويل وادعاءات عديدة، بعضها اقرب الى الاساطير، حتى ان مؤلفا فرنسيا مغمورا حقق اكبر مبيعات الكتب عبر العالم، سنة 2002، بكتاب ادعى فيه انه لم تسقط اي طائرة على مبنى البنتاغون بل ضرب بصاروخ! وتم تداول شائعات كثيرة زعم بعضها ان عددا من الانتحاريين التسعة عشر اتصلوا بذويهم بعد الهجمات، وقالوا بأنهم ما يزالون احياء، وادعى البعض الاخر بوجود ايد اسرائيلية في الهجمات، سواء بمراقبة او تتبع الانتحاريين او بإصدار تحذير مسبق قيل انه وجه الى الشهود الموجودين ببرجي مركز التجارة العالمي في صباح التفجير لاخطارهم بضرورة مغادرة المكان،
اتهامات بلا ادلة
بالرغم من ان كل هذه الاقاويل لقيت رواجا كبيرا لدى هواة «نظرية المؤامرة»، الا ان اية قرائن او ادلة ملموسة لم تأت لتؤكدها طوال السنوات الاربع المنقضية منذ هجمات 11 ايلول، لكن رواج مثل هذه الاقاويل التي لا سند مؤكداً لها، لا يمنع بأن هناك «مناطق الظل» مريبة، وخاصة فيما يتعلق باداء اجهزة الامن والاستخبارات الاميركية في الفترة التي سبقت 11 (ايلول)، حيث فشلت الاجهزة الاميركية في احباط الهجمات.
فقد بينت التحقيقات اللاحقة وفي ما يلي مجموعة من الوثائق التي لو لم تتعرض للاهمال او التجاهل لكان بامكان واشنطن تجنب كارثة 11 ايلول.
المذكرة السرية الاولى
الوثيقة الاولى عبارة عن مذكرة سرية رفعتها الاستخبارات المركزية الاميركية الى الرئيس بوش، يوم 6 (آب) 2001، اي قبل الهجمات بـ 35 يوما، وجاء فيها ان اسامة بن لادن قرر ضرب الولايات المتحدة ونقل «المعركة» الى داخل ترابها الوطني انتقاما من هجمتها الصاروخية ضد قواعده في افغانستان، سنة 1998، وذكرت الوثيقة بمحاولات بن لادن السابقة لتوجيه ضربات ارهابية داخل الولايات المتحدة، مؤكدة ان الفشل لا يمنعه من معاودة الكرة، وانه متعود على تحضير هجماته قبل سنوات عدة من موعد تنفيذها، لكن الاهم من ذلك ان الوثيقة كشفت ان السفارة الاميركية في الامارات العربية المتحدة تلقت اتصالا مفاده ان عناصر من «القاعدة» يوجدون في الولايات المتحدة ويعدّون لهجوم ارهابي، وتضيف الوثيقة ان مكتب التحقيقات الفيدرالي يجري حوالى 70 تحقيقاً متعلقاً بنشاطات انصار بن لادن فوق التراب الاميركي، وان تلك التحقيقات رصدت تحركات مريبة تتعلق بخطف طائرات!
المذكرة السرية الثانية
)