الخلافة على منهاج النبوة
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيـد المـرسلين،
أما بعد: قال مولانا الحق تبارك وتعـالى: (وَنُريدُ أن نَمُنَ على الَذينَ اسْتُضْعفوا في الأرض ونجعـلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين * ونمـكـن لهـم في الأرض ونـري فـرعون وهـمـن وجنـودهـما منهـم مـا كانـوا يـحذرون). [القصص- 5]
عـن أبي أمامـة الباهـلي رضـي الله عنـه قـال: قـال رسـول اللـَّه صـلى اللـَّه عليـه وسلـم:
(لَيُنْقَضَنَّ عُرىَ الإسلام عروة عروة، فكلمـا انتقضت عروة تشبثَ الناسُ بالتي تليها، وأولهن نقضـاً الحكـم، وأخرهـن الصلاة) رواه أحمد، وروي كذلك عن فيروز الديلمي رضي الله عنه قال: قـال رسـول اللـَّه صلـى اللـَّه عليـه وسلـم: (لينقضنَّ الإسلام عروة عروة، كما ينقض الحبل قوة قوة). والقوة: الطاقة من طاقات الحبل، والجمعُ قوى، وقد وقع مـا نبأ به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فقد تركت فريضة الحكم بما أنزل الله تعالى، واعرض عامة أهل الأرض عن شريعـة الله المحكمة من زمن طويل، وما زال الناس يستخفون بالدين منذ ترك الحكم بما أنزل الله إلى يومنـا هذا،وما زالوا يضيعون عـرى الإسلام وفرائضه حتى بعضوا الدين أبعاضاً، فأخذوا بعضه وتركوا أكثـره كمـا فعلـت الأمـم السابقـة. وإن من أعظم الفرائض الضائعة فريضة الاعتصام بحبل الله جميعاً، وعقد البيعة لإمام واحد يقود الأمة المسلمة بكتـاب الله تعـالى ويكون أميراً للمؤمنين كافة، وخليفة على منهاج النبوة. هـذه الفريضة التي حال دون القيام بها الطواغيت من الحكام والملوك بعد أن تسلطوا جبراً على رقاب الناس ونبذوا شرع الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلوه شياطين الأنس والجن عليهم من القوانين الوضعية، والدساتير البشرية، والأحكـام الجاهلية، فجحـدوا آيات ربهم وعصوا رسله، وأتبعوا أمر كل جبارٍ عنيد، وكـل ذلك زاد في تفريق الأمة وانسلاخها من دينها القيم، وإن مما زاد الطين بلة تخبط الحركات والأحزاب المنتسبة للإسلام، وشدة اختلافها وتفرقهـا حتى اصبح الجاهل يحسب أن التفرق من الديـن، وأن الاختلاف رحمة، غير مكترث بقوله تعالىوإن هذه أمتكم أمـةً واحدة وأنا ربكم فاتقون* فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حـزب بما لديهم فرحون * فذرهم في غمرتهم حتى حين * أيحسبون أنـما نمدهم به من مال وبنين* نسارع لهم في الخيرات بل لايشعرون) [المؤمنون: 51- 56]. وقال جل ذكره: (إن هـذا القـرآن يهـدي للـتي هـي أقـوم) [الإسـراء: 9].
ولكن لإعراض الناس إلا من رحم الله عن هدي القرآن،ولظلمهم وتركهم فريضة الاعتصام بحبل الله تعالى، وتحـزبهم واعتصامهم بحبال الشيطان كالقوميـة والعرقية والوطنية وتركهم الولاء والبراء في الله تعالى، لذلك كلـه ظهر الفساد في البر والبحر، وإن من هدي القرآن للتي هي أحسن أقوم أنه قد بين لنا الأسس والضوابط التي يجب أن يبنى عليهـا التجمع والتحـزب، والولاء و البراء، والحب والبغض، قال مولانا الكريم سبحانه وتعالى: (إن الذين أمنـوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهـم وأنفسهـم في سبيل الله والذين آووا ونصروا ألئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكـم مـن وليتهـم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكـم في الدين فعليكـم النصر إلا على قـوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير * والذين كفروا بعضهـم أولياء بعض إلا تفعلوه تكـن فتنـة في الأرض وفساد كبير) (الأنفـال: 71-72). أي: إن لـم تجانبوا المشركين وتقطعوا الموالاة بينكم وبينهم وتوالوا المهاجرين وتعتصموا معهم بحبل الله جميعاً فإنه ستقع فتنة في النـاس، وهـو التباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين فيقع بين النـاس فساد منتشر عريض طويل، كمـا هـو حـال عامـة أهـل الأرض اليوم، ولكن شاء الله سبحانه بكرمه ومنـه ورحمته بهذه الأمة أن يتم نوره ولو كره الكافرون، ففي الوقت الذي كان فيه الطاغوت يسلم البيت الأبيض جلله الله بالسواد لخليفته بعد أن ثبت قواعد وأركان - ما يسمى بالنظام العالمي الجديد - شاء الرب تقـدست أ سماءه أن تدرك لعنته هذا النظـام- البئيس- وأبقى الله تعـالى عليهم ما يخزيهم، وذلك باجتماع مجموعة من المهاجرين والأنصار كانوا قد تجمعوا للجهاد في سبيل الله تعـالى فتواثقوا على نصرة الديـن، والقيام بـه لا عن طريق الأحزاب المحدثة مـن بدع الديمقراطية باسم الإسلام، ولكن بالسعي إلى جمع كلمة الأمـة الإسلامية، وإدراك البقية الباقية من أنفاسها وقواتها وجمع شوكتها تحت إمرة إمام واحد لا شرقي ولا غربي، ولكن يكون حنيفـاً مسلمـاً على ملـة إبراهيم عليه السلام، يقودهم بكتاب الله وسنة رسولـه صلى الله عليه وسلم، وتواثقوا على الخروج من ولاية الطاغوت والأنظمة الكفرية المعمول بهـا في الأرض كافة، والدخول في ولاية الواحد الأحد رب السموات والأرض والملائكة والجن والناس أجمعين،كي تكون يد الله جل ذكره فوق أيديهم، فإن العزة والقـوة لله جميعاً وفي الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي أن النبي صلـى الله عليـه وسلم قال: (يد الله على الجماعة) وكفى بالله هادياً ونصيراً.
* * *
بيان وجوب الاعتصام بحبل الله تعالى ووجوب عقد البيعة لإمـام واحـد
قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفـرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتـم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفـا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءاياتهِ لعلكم تهتدونَ * ولتكن منكم أمـةٌ يدعون إلى الخير ويأمرونَ بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئكَ هم المفلحون) [آل عمران: 102-105]. فهذا نص محكم قاطع، وخطاب للأمة المسلمة جميعاً، فيه وجـوب الاعتصام بحبل الله جميعاً، من غير قيدٍ ولا شرطٍ، فمن قيد هذا الأمر المطلق بقيد من هواه أو شرط فيه شرطاً من عند نفسه كمن يشترط توفر الشوكة- ابتداءً لأن الشوكـة والتمـكين ثمـرة للاعتصام والبيعة وليست شرطاً- فقد نادى على نفسه بما يكره حيث أقام نفسه مقام المعقب على أحكم الحاكمين، قال سبحانه: (والله يحكم لا مُعَقِّبَ لحكمه وهو سريع الحساب) [الرعـد: 41]. وقال جل ذكره: (وما كان ربك نسيا) [مريم: 64]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين البخاري ومسلم: (مـا بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائـة شرط. كتاب الله أحق شـرط الله أوثق). اعلم أن هـذا شرط شيطاني للحيلولة دون اعتصام الأمـة، فإن التفريق هو الذي يذهب الشوكة ويأتي بالفشل، وعنـد الضعف يتحتم الاعتصام لرأب الصدع وتكميل البعض، وجمع الكلمـة والقـوة، واقرأوا إن شئتـم قـول الحـق تبـارك وتعـالى:
(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) [الأنفال: 46] ريحكم أي: قوتكم.
ثم أعلم أن النبي صلى اله عليه وسلم قد بين للأمة كيفية الاعتصام بياناً لا مزيد عليه كما قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكـر لتبين للنـاس مـا نزل إليهـم ولعلهـم يتفـكـرون) [النحل: 44]. ودونـك بعـض الأحـاديث النبويـة التي تبين فقـه الآيـة:
الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كانتْ بَنُـو إسْرَائيـل تَسُوسُهمُ الأنبياُء، كُلَمَـا هَلَكَ نَبيٌ خَلَفـَهُ نَبيٌ، وإنَـهُ لا نَبيَ بَعْـدْي، وسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُون، قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: فُـوْا بِبَيْعـةِ الأول فالأول وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم) رواه الشيخان. فهذا الحديث يبين كيفية الاعتصام بحبل الله جميعاً وذلك بعقد البيعـة لإمـام واحـد لا غير، ونصرته وإعطـائه حـق السمـع والطاعـة فـي غير معصيـة.
الحديث الثاني: عـن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما). رواه مسلم. فهذا الحديث والذي قبلـه يدلان دلالة قاطعة على حرمة تعدد الرؤوس في الإسلام، وأنه يجب أن يكون للأمة رأس واحد، وهو- الإمام الأعظم- وأنـه إذا بويـع لخليفـة بعـد خليفـة فبيعـة الأول صحيحـة يجب الوفـاء بها، وبيعة الثاني باطلـة يحرم الوفـاء بهـا، وأنـه لا يجـوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحـد، سـواء اتسعـت دار الإســلام أم لا.
الحديث الثالث: عن عـرفجة بن شريح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ستكون بعدي هنات وهنات- أي فتن وشرور- فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائناً من كان فاقتلوه!! فإن يد الله على الجماعة،فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض). رواه مسلم والنسائي وهذا لفظ النسائي، وفي هذا الحديث فوائد عزيزة وجليلة منها:
1. أن النبي صلـى الله عليـه وسلـم نبأ بوقـوع الفتن من بعده وقـد كـان مـا قـال فهـذا علـم مـن أعـلام النبـوة.
2. أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل من يريد أن يفرق أمر أمته صلى الله عليـه وسلم كائناً مـن كان، وأن كان يبدو صالحاً.
3. فيـه أن الحفاظ على وحـدة الأمـة الإسلاميـة أعظم حرمة عنـد الله مـن صيانـة دم المسلـم المفـرق للجماعـة.
4. أن يد الله العظيمة الكريمة على الجماعة، وفيه دلالة قاطعة على أن الشوكة والهداية إنما يكونان لجماعة المسلمين ذات الـرأس الواحد وإن قل عددهم، وما أكثر القصـص التي قصها علينا المـولى جـل ذكـره في كتابـه مـما يؤكد هـذا المعنى.
5. أن على رأس كل حزب من الأحزاب التي تفرقـت عن جماعة المسلمين شيطاناً يركض وراءها كما قال تعالى: (فانسلـخ منها فأتبعـه الشيطان فكـان مـن الغاوين). [الأعراف: 175]
الحديث الرابع: عن أبي بكرة رضي الله عنـه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم مر برجل ساجد وهـو ينطلق إلى الصلاة فقضوا الصلاة ورجع عليه وهو ساجد- يعني أنه لم يلحق بجماعة النبي صلـى الله عليه وسلم جماعة الإمام الأكبر- فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من يقتل هذا؟) فقام رجل فحسر عن يديـه فاخترط سيفـه وهزه وقال: يا نبي الله بأبي أنت وأمي كيف أقتـل رجلاً ساجداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله !! ثم قال: (من يقتل هذا؟) فقام رجل فقال: أنا، فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه فهزه حتى أرعدت يده، فقال: يا نبي الله كيف أقتل رجلاً ساجداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو قتلتموه لكان أول فتنة آخرها) رواه أحمد والطبراني بسند صحيح على شرط مسلم،وقد روي نحوه عن جماعة من الصحابة وفي المسند (3/15) بسند صحيح من حديث أبي سعيد الخدري، وفيـه تسميـة مـن هم بقتله ولفظه:
أن أبا بكر الصديق جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهب إليه فاقتله!!) قال: فذهب أبـو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: (اذهب إليه فاقتله!!) فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر فكره أن يقتله، قال: فرجع فقال: يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعاً فكرهت أن أقتـله، قال: (يا علي أذهب فاقتله!!) قـال: فذهب علي فلم يره، فرجع علي فقال: يا رسول الله لم أره قال: فقال النبي صـلى الله عليـه وسلم: (إن هـذا وأصحـابه يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمـرق السهم مـن الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم مـن فوقـه- أي موضع الوتر منه- فـاقتلوهـم هـم شـر البـرية). وفي الحديث فوائد منها:
1. أن أول فتنـة في الإسـلام فتنـة تفـريـق المسلمين، والخـروج مـن جـماعـة المسلمـين.
2. فيه أن المفرق للأمة قد يكون شديداً في بعـض الدين، حافظاً لكتاب الله،كما هو حال كثير من الأحزاب المصرة على التفرق والشقاق،والمعرضة عن إقامة الدين والاعتصام بحبـل الله ولـن يقوم بهذا الدين إلا من أحاطه من جميع جوانبه أي: يأخذه كاملاً.
3. أن التورع عن قتل من يفرق أمة محمد صلى الله عليه وسلم سبب في بقاء الفتن والشرور وفشوها كما حدث لعثمان رضي الله عنه.
الحديث الخامس: عن الحارث الأشعري رضي الله عنـه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن، السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم)، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام ؟ قال: (وإن صلى وصام) وفي رواية (وزعم بأنه مسلم! فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين، المؤمنين، عباد الله) رواه أحمد والترمذي وصححه ومن فوائد الحديث:
1. أن كل دعوى تفرق جماعة المسلمين دعوى جاهلية مهما حاول أصحابها أن يلبسوها لبوس الدين بزعمهم.
2. فيـه وعيد شديد لمن فارق الجماعة، وهذا يشمل كذلك من لم يدخلها ابتداءً وأصر علـى ذلك كما في الحديث الآتي:
الحديث السادس: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليـه وسلـم يقـول: (مـن خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة لـه، ومـن مات وليس فـي عنقـه بيعـة، مـات ميتـة جـاهـلية). رواه مسلم
هذا وفي البـاب آيات وأحـاديث كثيرات طيبـات مباركـات وفيما ذكـرنا كـفاية، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
والمقصود: أن يعلم أن مجموعة من المهاجرين والأنصار تواثقوا على إقامة الدين والاعتصام بحبل الله، وعقد البيعة لإمام واحد، يكون أميراً للمؤمنين جميعاً وهم يعلمون أن للإمام الأعظم حقوقاً وواجبات، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عـن رعيته …) الحديث. ومن اطلع اليوم على حال الأمة وقـد مضى عليها أمد بعيد في ظل سيادة القوانين الوضعية، والتفرق الشديد عَلِمَ عِلْمَ اليقين أن مـن أوجب الواجبات نصرة أمير المؤمنين والجهاد معه لإعلاء كلمة الله تعالى بالمال والنفس، وأن مـن أوجب الواجبات على أمير المؤمنين أن يقود المسلمين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن ينبذ كافة القوانين والمناهج المخالفة للشرع وأن يكفر بالطواغيت والمشركين، فلا يتولى أحداً منهم وأن يتبرأ من النظام الكفري المسَّمى بالنظام العالمي الجديد، وأن يتبرأ من هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن والحكومات التي اقتسمت ولاء الناس، والأنظمة جميعاً التي تشاقق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن يدخل بالمؤمنين في ولاية الله سبحانه، وأن يجمع المسلمين تحت راية واضحة جلية لإعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الإمـام جنة- أي وقاية للأمة كالترس- يقاتل مـن ورائه- أي تحت رايته- ويتقى بـه).
ومن أوجب الواجبات عليه أن يحكم بما أنزل الله تعالى، وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك كان حقاً على المسلمين أن يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوا إذا دعوا) ا هـ.
وقد صدق في ذلك فإن الله تعالى يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [المائدة: 44]. وقال جل ذكره: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبـع أهوائهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فأعلـم أنمـا يريـد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) [المائدة 49-50]
ولا يجوز لأمير المؤمنين أن يتعصب لمذهب دون مذهب، أو عالم دون عالم، ولكن يكون ميزانه كـتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عليهما يعرض الأقوال والمسائل كلها، فما وافق الكتاب والسنة مقبول وما خالـف الكتاب والسنة مردود، فإن الله قد أمرنا بالاعتصام بحبله سبحانه، وحبله هو الوحي المنزل على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) [النساء: 82]. وقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله ورسولـه إن كنتـم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) [النساء: 59] وقال جل ذكره: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما).
وقد علم المهاجرون والأنصار كافة وجوب طاعة أمير المؤمنين ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة). كما علموا أنه لا يجوز الخروج عليه ما لم يروا كفراً بواحاً، و في الصحيحـين عن عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعـة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرةٍ علينا، وأن لا تنازع الأمـر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عنـدكـم فيـه مـن الله برهـان).
ثم ليعلـم المسلمـون كـافـة أنـه بفضـل اللـَّه ورحمتـه توصـل القائمـون علـى هـذا الأمـر مـن المهاجـرون والأنصـار إلى عقـد البيعـة العظمـى وذلـك بعــد جهـود متـواصلـة مـن البحـث والإعـداد وعقـد مواثيـق النصـرة وقـد ارتضـوا أن يبـايعـوا الشيـخ:
أبـا عيسى محمـد علي بـن عيسى بن موسى بن أحـمـد الرفاعي الهـاشـمـي الـقرشـي، مـن ولـد أبي الحسن رفاعة المكي بن السيد المهدي بن السيد محمد أبو القاسم بن السيد الحسن العالم المحدث الذي فرضت عليه الحكومة العباسية الإقامة الجبرية في مكة المكرمة بن السيد الحسين بن السيد أحمد المرتضى المكنى بأبي سبحة بن السيد موسى الثاني بن السيد الأمير إبراهيم المرتضى أمير اليمن في عهد المأمون بن السيد موسى الكاظم بن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد الجاد علي زين العابدين بن الحسـين الشهيد المظلوم بـن أمير المؤمنين علـي بـن أبـي طـالـب كرم الله وجهه، وزوجته فاطمة الزهراء بنـت رسـول الله صلى الله عليه وسلم.
وقـد أصبـح بذلـك أميـراً للمؤمنـين كافـة، بعـد أن شغـر هـذا المنصـب زمنـاً طـويـلاً، ووجـب على أمـة محمـد صلـى الله عليـه وسلـم السمـع والطاعـة لـه مـا لـم يأمـر بمعصيـة وعـدم الخـروج عليـه مـا لـم يـروا كفـراً بواحـاً لهـم فيـه مـن اللـَّه برهـان، ووجـب علـى كـل مسلـم أن يلـزم جماعـة المسلمـين ومبايعـة الإمـام الأعظـم ونصرتـه وبـذل النفـس والنفيس للقيام بالدين والجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، حتى تخرج الأمـة مـن عبادة الطاغوت والخضوع لقوانينـه الجائـرة إلى عبـادة الواحد الأحد والخضوع لكتابه الكريم قال تعالى: (ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) [الروم]
* * *
بين يدي ميثاق البيعة
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى الشيخان وغيرهما من أئمة السنة في الصحاح والمسانيد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنـه أنـه قال: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر،فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم! قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن!! قلت: ومـا دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر!! قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال: هم مـن جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعـة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فأعتزل تلك الفرق كلها، ولـو أن تعـض بأصـل شجـرة حـتى يدركـك المـوت وأنـت علـى ذلـك.
وفي الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مـن كـره مـن أميره شيئاً فليصبر فإنـه مـن خرج من السلطـان شبراً مـات ميتـة جـاهـليـة.
نـص الـبـيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين. الشيخ المكرم: أبـو عيسى: محمد علي بن عيسى بن موسى بن أحمد الرفاعي الهاشمي القرشي نصرك اللـَّه العـلي القـدير. السـلام عليـكـم ورحـمة اللـَّه وبركـاتـه.
أمـا بعـد: فنحن القائمون على أمر إقامة الخلافة من المهاجرين والأنصار لما رأينا حال الأمـة الإسلاميـة وما أصابها من الوهن والتمزق والاختلاف، بعد أن مضى عليهـا سنون دون أن يكون لها إمام يحكمها بما أنزل الله تعالى، وما زال منصب الخليفة شاغراً لفساد أكثر المكلفين،وقعود هم عن نصرة الدين،ولغلبة الطواغيت والمشركين وأتباعهم من علماء السوء والدجالين، المعطلين لـدين الله تعالى، وقد أجمعوا أمرهم على محاربة الإسلام، وفصل القرآن عن السلطان، تشبهاً بالأحبار والرهبان، وإنا لما رأينا ضياع الدين مع قلة الناصرين رأينا أنه يجب علينا أن نكون كالحواريين إذ قالوا: (نحن أنصار الله) [الصف: 14]. ولذلك تنادينا وتجمعنـا وتواثقنا على نصـرة الدين، وإيقاظ الأمـة للقيام بأداء الفريضة الغائبة، وائتماراً بأمر الله عز وجل وأمر رسولـه صلى الله عليـه وسلم في وجوب عقد البيعة لرجل يقود الأمة بكتاب الله وسنـة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنا نبايعك علـى أن تكـون أميراً للمؤمنين جميعاً، وخليفة على منهاج النبوة، تقيم الدين وتقودنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولك علينا السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، ما أستطعنا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيـه من الله برهان. وإنا والله لنعلم أنك لم تأخذها عن مسألة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتهـا من غير مسألة أعنت عليها). وإنا ندعوك لقبولها نصرة للديـن وصيانة للأمة الجريحة، ووالله لن نقول كما قال قوم موسى لموسى: (أذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) [المائدة: 24] ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك، فامض بنا على بركة الله تعالى، لنصرة دينه على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين المهدين مـن بعده أبو بكـر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعـاً، وإنا إن شاء الله لسمعك الذي تسمع بـه، وبصرك الذي تبصر بـه، ويدك التي تبطش بها، ورجلك التي تمشي عليها، وإنا على هذا الميثـاق مـا أستطعنا (فمـن نكـث فإنـما ينـكـث علـى نفسه) [الفتح: 10]. وإنا نذكر أنفسنـا وإياكـم والمؤمنين كافـة بقولـه تعـالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله) [الصف: 14]. وقوله تعالى: (إن الله اشترى مـن المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنـة يقاتلـون في سبيل الله فيقتلـون ويقتلـون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده مـن الله فأستبشروا ببيعكـم الـذي بايعتـم بـه وذلك هـو الفوز العظيـم) [التوبة: 111]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
11 شوال 1413 هـ
* * *
www.aljamah.com
website1424@************