محمد زين العابدين رستم
دكتوراه في الحديث
ومهتم بقضايا الفكر الإسلامي
يتبع ----
- 1
كانت الرحلة إلى إسبانيا الأندلس العربية الإسلامية حلما راودني مذ عقلت على نفسي قارئا نهما للتراث الأندلسي الذي كتبه الأعلام في الدين و الفكر والأدب في هذه الجهة الغربية من الوطن الإسلامي الكبير...وكان شوقي يزداد إلى زورة إلى أرض الفردوس المفقود كلما ازددت قراءة لكل أثر أندلسي...وكانت النفس مع شوقها تخشى هذا اللقاء المرتقب إلى تلك الأرض الطيبة المباركة التي مشى عليها ودرج عمالقة الفكر الإسلامي من أعلام العالم، وجهابذة الدنيا طرا....لقد كانت النفس تخشى من أن يكون هذا اللقاء مُهلكا لها....إذ ربما طار العقل...وذهب التصون...وتفلت الإنضباط ...عندما تجابه بالحقيقة التي لطالما قرأتها في الكتب من أن الإسلام انحسر ضياؤه عن الجزيرة الأندلسية...وأن قرطبة وغرناطة وإشبيلية والمرية وطليطلة...وسرقسطة ومرسية ودانية وطلبيرة ومجريط كلها مدن لا وجود لها اليوم في عالم الناس...إلا من جهة ما تبقى من أسمائها من حروف ميتة محرفة على ألسنة الإسبان....إنها الصدمة إذن التي تخشى منها النفس عندما يقال لها إن الأرض التي مشى ودرج عليها بقي بن مخلد ومحمد بن وضاح ناشريْن الحديث في أرض أندلس اغتصبت في أرضين كثيرة سرقت من هذه الأمة....إنها الرجة إذن التي قد تصاب بها النفس عندما يقال لها إن الثرى الذي كان ابن حزم القرطبي وابن عبد البر الإشبيلي، وابن سكرة الصدفي السرقسطي، وابن الدلائي العذري المري، وابن بشكوال القرطبي وابن الزبير الغرناطي... قد مسخت حباته...وبدلت ذراته...ونسفت أجزاؤه..فالأرض قد زلزلت...والسماء قد نسفت...والبحار قد فجرت..والناس قد هجرت وشردت وقتلت وأبيدت....كانت هذه المعاني وغيرها تختلج في صدري وتدور في خلدي وأنا أصل إلى مطار مدريد قادما إلى الديار الإسبانية في مهمة رسمية ضمن الوفد المغربي الذي سيقيم دروسا وعظية لأفراد الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا...