[align=right]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى آله وصحبه أجمعين
المجاز في القرآن والسنة النبوية بين الإجازة والمنع
[align=right]الباحث : عمر خطاب عمر الرشيدي
ماجستير قسم البلاغة والنقد كلية اللغة العربية بالقاهرة[/align]
مقدمة
رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد
القرآن كلام الله عز وجل المتعبد بتلاوته المنزَّل على سيدنا محمد قال تعالى ]وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُبِينٍ[ [الشعراء192: 195]، فهو معجزة رسول الله ، وكما نعلم أن الله يؤيد رسله بمعجزة نبغ فيها قومه، فمثلا قوم سيدنا موسى نبغوا فى السحر لذلك أيده الله بمعجزة العصا التى صارت حيَّة واكتشف السحرة أنفسهم أن ما جاء به موسى ليس سحرا فآمنوا معه، وكذلك حال عيسى ، لأن زمانه كان زمن الطب، فكانت معجزته وهى إحياء الموتى، فلما كان زمن النبى زمن الفصاحة والبيان، جعل الله معجزته من جنس ما كان يُولعون به وبأشرفه، فتحدّاهم بالقرآن كلاما منثورا، لا شعرا منظوما، فأيد الله خاتم الأنبياء والمرسلين بمعجزة نبغ فيها قومه فقد أُوتى العرب البلاغة والفصاحة والبيان وبرعوا فى قرض الشعر حتى إنهم كانوا يعقدون فى سوق عكاظ مباريات أدبية يلقى فيها كل شاعر إنتاجه الأدبى من الشعر، ويقوم النقاد باختيار القصائد الجيدة، ويتم تعليقها على الكعبة، ولما بُعث رسول الله وأُنزل عليه القرآن تحدّى العرب أن يأتوا بمثله فعجزوا أو أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا أو أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا.
فالقرآن نزل بلغة العرب، وجاء على طرائقهم فى البيان والكلام فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبى أن يسألوه عن معانيه، وعمَّا فيه مما فى كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص، وفى القرآن مثل ما فى الكلام العربى، من وجوه الإعراب، ومن الغريب، والمعانى، فلم تستغلق عليهم عباراته وأثّرت فيهم تأثيرا بالغا فهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه قبل إسلامه حينما قصد أن يقتل سيدنا محمدًا وقابله بعض الصحابة فأخبره أن أخته وزوجها قد أسلما فذهب سيدنا عمر مسرعا إلى بيت أخته فلما شعرت به أخفت الصحيفة فأخذها منها بقوّة وقرأ ما فيها فتأثر تأثرا شديدا وكان داعيا قويا إلى إسلامه.
وقد كانوا يجدون له وقعا فى القلوب وقرعا فى النفوس يرهبهم ويحيرهم فلم يتمالكوا إلا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف.
«عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله فلما قرأ عليه القرآن كأنه رقّ له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه، فقال: له يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله - بكسر القاف وفتح الباء، قال: الوليد لقد علمت قريش أنى من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له وكاره، قال: وماذا أقول فوالله ما فيكم من رجل أعلم منى بالشعر لا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذى يقوله شيئا من هذا ووالله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمنير أعلاه مشرق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته، قال أبو جهل للوليد: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، فقال: الوليد دعنى أفكر فلما فكر، قال: هذا سحر يأثره عن غيره» ([1]).
ومن هذه الظواهر المجاز وهو: «إسناد اللفظ إلى غير ما هو له فى الحقيقة» فنجد أن من العلماء من أنكر هذه الظاهرة فى القرآن الكريم وفى الحديث الشريف، وحتى فى اللغة بوجه عام. ومنهم من أكثر منها وبالغ فيها ليترك لنفسه العنان فى تأويله كيف يشاء. فوقع الأمر بين الإفراط والتفريط .
وفى هذا البحث نتناول هذه القضية إن شاء الله تعالى، وما هى الأسباب التى دعت المنكرين إلى إنكاره؟ وما هى الردود التى رُدَّ بها عليهم؟ وقبل كل شىء ذكرت نبذة مختصرة عن المجاز وما يشتمل عليه، فإن أصبت فلله الفضل والمنة، وإن كانت الأخرى فمن نفسى، وأسأل الله التوفيق والسداد.
منهج البحث
1) الفصل الأول قمت بتعريف المجاز، وما يشتمل عليه.
2) الفصل الثانى بدأت بذكر آراء المجوزين للمجاز، ولم أتوسع فيه كثيرا لكثرة عدد من قالوا بالجواز وعدم القدرة على حصرهم، وإنما ذكرت بعض العلماء ممن لهم قدم راسخ فى كل فن من الفنون، وآثرت أن أذكر رأى الأستاذ مصطفى صادق الرافعى لمكانته ودوره فى الدفاع عن القرآن الكريم.
3) ثم ذكرت أراء المنكرين لورود المجاز فى القرآن، وقسَّمتهم إلى ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى قبل الإمام ابن تيمية، ومرحلة الإمام ابن تيمية، ومرحلة ما بعد الإمام ابن تيمية.
4) الفصل الثالث ذكرت الردود التى رُدّ بها على المنكرين، وناقشت هذه الردود، وهل وافقهم الصواب فى إنكارهم هذا أم لا؟
5) قمت بتعريف الأعلام التى وردت داخل النصوص، وعرفت العلم حتى لو بلغ شهرة كبيرة، مع تخريج الآيات، والشواهد الشعرية.
6) ذكرت فى الخاتمة الرأى الصواب - من وجهة نظرى القاصرة.
الفصل الأول
تعريف المجاز وما يشتمل عليه
تعريف المجاز:
كلمة مَجَاز بوزن «مَفْعَلٌ من جازَ الشىءَ يَجُوزه، إذا تعدَّاه، وإذا عُدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة، وُصف بأنه مجاز، على معنى أنهم جازوا به موضعَه الأصلىّ، أو جاز هو مكانه الذى وُضع فيه أوَّلاً»([2]).
لذلك نعلم أن لكل مجاز حقيقة «لأنه لم يصح أن يطلق عليه اسم المجاز إلا لنقله عن حقيقة موضوعة له إذ المجاز هو اسم للموضع الذى ينتقل فيه من مكان إلى مكان فجعل ذلك لنقل الألفاظ من الحقيقة إلى غيرها وإذا كان كل مجاز لا بد له من حقيقة نقل عنها إلى حالته المجازية فكذلك ليس من ضرورة كل حقيقة أن يكون لها مجاز فإن من الأسماء ما لا مجاز له كأسماء الأعلام لأنها وضعت للفرق بين الذوات لا للفرق بين الصفات»([3]).
فيم يستعمل؟
«المجاز أولى بالاستعمال من الحقيقة فى باب الفصاحة والبلاغة لأنه لو لم يكن كذلك لكانت الحقيقة التى هى الأصل أولى منه حيث هو فرع عليها»([4]).
فائدته:
إن لم يكن فى المجاز زيادة فائدة على الحقيقة لا يُعدل إليه ولكن فائدته هى: «إثبات الغرض المقصود فى نفس السامع بالتخييل والتصوير حتى يكاد ينظر إليه عيانا ألا ترى أن حقيقة قولنا: زيد أسد، هى قولنا: زيد شجاع، لكن فرق بين القولين فى التصوير والتخييل وإثبات الغرض المقصود فى نفس السامع؛ لأن قولنا: زيد شجاع لا يتخيل منه السامع سوى أنه رجل جرىء مِقْدام، فإذا قلنا: زيد أسد يخيل عند ذلك صورة الأسد وهيئته وما عنده من البطش والقوة ودق الفرائس وهذا لا نزاع فيه. وأعجب ما فى العبارة المجازية أنها تنقل السامع عن خلقه الطبيعى فى بعض الأحوال حتى إنها ليسمح بها البخيل ويشجع بها الجبان ويحكم بها الطائش المتسرع ويجد المخاطب بها عند سماعها نشوة كنشوة الخمر حتى إذا قطع عنه ذلك الكلام أفاق وندم على ما كان منه من بذل مال أو ترك عقوبة أو إقدام على أمر مهول وهذا هو فحوى السحر الحلال المستغنى عن إلقاء العصا والحبال».([5]) وقال ابن رشيق (ت 463 هـ)([6]) فى العمدة: «المجاز فى كثير من الكلام أبلغ من الحقيقة، وأحسن موقعاً فى القلوب والأسماع، وما عدا الحقائق من جميع الألفاظ»([7]) .
منزلة المجاز وقيمته فى لغة العرب
قال ابن رشيق فى العمدة متحدثا عن منزلة المجاز وقيمته فى لغة العرب بقوله: «العرب كثيراً ما تستعمل المجاز، وتعده من مفاخر كلامها؛ فإنه دليل الفصاحة، ورأس البلاغة، وبه بانت لغتها عن سائر اللغات»([8]).
أقسام المجاز
ينقسم المجاز إلى مجاز عقلى، ومجاز لغوى.
أولا المجاز العقلى:
«هو الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه لضرب من التأويل إفادة للخلاف لا بواسطة وضع»([9]).
وبعبارة أخرى: هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له، أى غير الملابس الذى ذلك الفعل أو معناه له، يعنى غير الفاعل فيما بنى للفاعل، وغير المفعول فيما بنى للمفعول، بتأول متعلق بإسناده. مثل: (أنبت الربيع البقل).
وحاصله أن تنصب قرينة صارفة للإسناد عن أن يكون إلى ما هو له، كقولنا: فى عيشة راضية، فيما بنى للفاعل وأسند إلى المفعول به، إذ العيشة مرضية، وسيل مفعم، فى عكسه، اسم مفعول من: أفعمت الإناء: ملأته، وأسند إلى الفاعل([10]).
ثانيا : المجاز اللغوى:
هو الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له بالتحقيق فى اصطلاح به التخاطب، مع قرينة مانعة عن إرادته، أى إرادة معناها فى ذلك الاصطلاح([11]).
وينقسم المجاز اللغوى إلى مفرد ومركب:
أما المفرد فهو: «كلُّ كلمة أريد بها غيرُ ما وقعت له فى وَضْع واضعها، لملاحظةٍ بين الثانى والأوّل، فهى مجاز. وإن شئت قلت: كلُّ كلمة جُزْتَ بها ما وقعتْ به فى وَضْع الواضع إلى ما لم توضع له، من غير أن تستأنف فيها وضعاً، لملاحظةٍ بين ما تُجُوّز بها إليه، وبين أصلها الذى وُضعتْ له فى وضع واضعها»([12]).
وينقسم المجاز المفرد إلى مرسل واستعارة:
«والمجاز ضربان: مُرْسَلٌ، واستعارة؛ لأن العلاقة المصحَّحة إن كانت تشبيه معناه بما هو موضوع له فهو استعاره، وإلا فهو مرسل، وكثيرا ما تطلق الاستعارة على استعمال اسم المشبه به فى المشبه، فيسمى المشبه به مستعارا منه، والمشبهمستعارا له، واللفظ مستعارا»([13]).
والمجاز المرسل له علاقات كثيرة نذكر منها:
1) السببية والمجاورة: مثل استعمال اليد فى النعمة فى قولهم: (كثرت أياديه لدىّ)، (له علىّ يد)، وقوله «أَسْرَعكنّ لُحوقا بى أَطْوَلُكُنَّ يَدًا»([14]).
2) الجزئية: ومنها تسمية الشىء باسم جزئه، مثل قوله تعالى ]قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا[ [المزمل: 2]
3) الكلية: مثل قوله تعالى ]يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِى آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ[ [البقرة: 16].
4) السببية: ومنها تسمية المسبب باسم السبب كقوله تعالى: ]فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ[ [البقرة: 194]
5) المسببية: ومنها تسمية السبب باسم المسبب كقولهم: (أمطرت السماء نباتا)
6) اعتبار ما كان: ومنها تسمية الشىء باسم ما كان عليه مثل قوله تعالى: ]وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ[ [النساء: 2]
7) اعتبار ما يكون: ومنها تسمية الشىء باسم ما يؤول إليه مثل قوله تعالى: ]إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا[ [يوسف: 36]
8) المحلية: ومنها تسمية الشىء الحالّ باسم محله مثل قوله تعالى: ]فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ[ [العلق: 17] ،أى أهل ناديه.
9) الحالية: ومنها تسمية المحل باسم حالّه مثل قوله تعالى: ]وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللَّهِ[ [آل عمران: 107]
10) الآلية: ومنها تسمية الشىء باسم آلته، كقوله تعالى ]وَاجْعَلْ لِى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الْآخِرِينَ[ [الشعراء: 84]
وأما المركب فهو: «اللفظ المركب المستعمل فيما شُبِّه بمعناه الأصلى تشبيه التمثيل للمبالغة فى التشبيه، أى تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور بالأخرى، ثم تدخل المشبهة فى جنس المشبه بها مبالغة فى التشبيه، فتذكر بلفظها من غير تغيير بوجه من الوجوه» ([15]). كما يقال للمتردد فى أمر: إنى أراك تقدم رجلاً وتأخر أخرى([16]).
وهو نوع من أنواع الاستعارة لأن التجوز فيه وقع فى المثبت دون الإثبات للمبالغة فى التشبيه، مثل قولهم (فلان طويل اليد) أى: عظيم القدرة([17]).
الاستعارة: وهى ادعاء معنى الحقيقة فى الشيء للمبالغة فى التشبيه، مع طرح ذكر المشبه من البين، كقولك: لقيت أسداً، وأنت تعنى به الرجل الشجاع، ثم إذا ذكر المشبه به مع ذكر القرينة يسمى: استعارة تصريحية وتحقيقية، والاستعارة فى الفعل لا تكون إلا تبعية، كنطقت الحال([18]).
(يتبع)
[/align]