أيها الأخ المبــارك :
إن أعظم سلاح بأيدي المؤمنين هو الدعاء ، و الله ـ جل وعلا ـ لا يرد من يدعوه ، ولا يخيب من يرجوه ، لكن لابد للمؤمن أن يستحضر أسباب إجابة الدعاء ، من إجابة المطعم والملبس ، وحسن الظن بالله ـ تعالى ـ ، والاعتراف بالذنب ، والعزم في المسألة ، والشدة في الدعاء ، وتحري أوقات الإجابة 0
فإذا ما استحضر العبد هذه الأسباب ، ولجأ إلى رب الأرض والسماء فان الله ـ تعالى ـ لن يخيبه أبدا ، وسيكون لدائه اثر ، إما في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة ، و الله ـ تعالى ـ يفتح لنا أبوابه لنتوجه إليه وندعوه ، ويعلن الاستجابة لمن يدعوه ، وينذر الذين يستكبرون عن عبادته بما ينتظرهم من ذل وتنكيس في النار ، فيقول ـ سبحانه ـ: ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) " غافر : 60 " 0
إن إخلاص القلب لله ، والثقة بالاستجابة أدب لابد أن يراعى في الدعاء ، وقد كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول : " أنا لا احمل هم الإجابة إنما احمل هم الدعاء ، فإذا ألهمت الدعاء كانت الإجابة معه " وهي كلمة القلب العارف ، الذي يدرك أن الله ـ تعالى ـ حين يقدر الاستجابة يقدر معها الدعاء ، فهما ـ حين يوفق الله ـ متوافقان متطابقان 0
هاهو الإمام بقي بن مخلد ـ رحمه الله ـ كان رجلا صالحا عابدا زاهدا مجاب الدعوة ، تأتيه امرأة فتقول له : إن ابني قد أسرته الإفرنج ، واني لا أنام الليل من شوقي إليه ، ولي دويرة أريد أن أبيعها لاستفكه ، فإن رأيت أن تشير على أحد يأخذها لأسعى في فكاكه بثمنها ، فليس يقر لي ليل ولا نهار ، ولا أجد نوما ولا صبرا ولا قرارا ولا راحة ، فقال : نعم ، انصرفي حتى انظر في ذلك إن شاء الله ، واطرق الشيخ وحرك شفتيه يدعو الله ـ عز وجل ـ لولدها بالخلاص من أيدي الإفرنج ، فذهبت المرأة فما كان إلا قليلا حتى جاءت الشيخ وابنها معها فقالت : اسمع خبره يرحمك الله ، فقال : كيف كان أمرك ؟ فقال إني كنت فيمن يخدم الملك ونحن في القيود ، فبينما أنا ذات يوم امشي إذا سقط القيد من رجلي ، فأقبل الموكل بي فشتمني وقال : لم أزلت القيد من رجليك ؟ فقلت : لا و الله ما أزلته ولكنه سقط ولم اشعر به ، فجاءوا بالحداد فأعادوه وأجادوا وشدوا مسماره وأبدوه ، ثم قمت فسقط أيضا فأعادوه وأكدوه فسقط أيضا ، فسألوا رهبانهم عن سبب ذلك فقالوا : له والدة ؟ فقلت : نعم ، فقالوا : إنها قد دعت لك وقد استجيب دعاؤها ، أطلقوه ، فأطلقوني وخفروني حتى وصلت إلى بلاد الإسلام ، فسأله بقي بن مخلد عن الساعة التي سقط فيها القيد رجليه ، فإذا هي الساعة التي دعا فيها الله ـ تعالى ـ له ففرج عنه 0
وهكذا نجد أن من توكل على الله كفاه ، ومن التجأ إلى الله أجاب دعاءه وحفظه مهما اجتمعت عليه شياطين الإنس والجن 0