في القرآنالكريم:
لعل القرآن الكريم خير مرجع لتوضيحالتفضيل و المواهب. فلقد أثبت قرآننا الكريم ذلك فقال تعالى :" أنظر كيف فضلنابعضهم على بعض ، وللآخرة أكبر درجات و أكبر تفصيلا"[1] ، حيث ورد التفضيل في أشياء كثير مثل الرزق ، والعلم والمكانة و الحكمة و الكلام وغيرها وهناك أشياء لا تذكر كثيرة الله أعلم بها . ويظهر الإعجاز الإلهي في أن الإنسان يأتي لهذه الحياة خاليا من كل شيء ، قالتعالى : " و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ، وجعل لكم السمع والأبصاروالأفئدة ... "[2] ثم تظهر الاستعدادات للتعلم فتتجلى عطاءات الخالقعز وجل لعباده على التعلم أولا ، ثم تحويل هذا التعلم الى معرفة ، ثم الى تطبيقوعمل متميز موهوب. بمعنى التدرج في عمليات التعلم حتى تصل الى مرحلة الخبرة والاتقان . قال تعالى:" قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل ان يرتد اليكطرفك ، فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر ومن شكرفانما يشكر لنفسه و من كفر فان ربي غني كريم ."[3] وهنا تأتي أهمية الشكر و الحمد في حسن استغلالالموهبة . و قال تعالى: " فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا و علمناه منلدنا علما."[4] ، وعند اجادة عملية التطبيق تزدهر القدرة وتشكلأسلوبا حضاريا للخلافة على هذه الأرض ، قال تعالى:" وعد الله الذين آمنوا و عملواالصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذيارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلكفأولئك هم الفاسقون "[5]
من خلال دراسة تاريخ السلف الصالحy ، نستطيع الخروج بفوائد و دروس وعبر لعل منها ( ما يلائم موضوعنا) : أنرسول اللهrأشاد بصحابتهyحيث قالr:]خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم[وكان رسول اللهrينتقي من بين صحابتهyوفقا للفروق الفرديةوالمواهب الخاصة وبحسب طبيعة المهمة ، فمثلا كلف بلال بن رباحtبالأذان لصفات خاصة في صوتهt، و لقب خالد بن الوليدtب" سيف اللهالمسلول" لتفوقه القيادي وحنكته الحربية، وهكذا كان الوضع مع بقية الصحابة ذكورا وإناثاy. كان ذلك تحديدالمستوى الحد الأدنى للأداء حيث قال تعالى :" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت ..."[6] الآية كما كان الصحابةyيحرصون على أسلوب تعلم يرتكز على فلسفة متأصلة ، حيث يحرص الصحابيtعلى الحصول على عشرآيات لا ينتقل عنها حتى يحفظها ، ويدرسها ، ثم يفسرها، ويعمل بها ، بعد ذلك ينتقلإلى العشر التاليات.
من هنا نشعر أن التفضيلالرباني في القدرات يتدرج ليبدأ بالمعرفة و العلم التي تستدرج الاهتمام و الدافعيةلتصل بالمرء الى تطبيق و تنفيذ تلك المعارف لتكون علما وخبرة مجزية . كما كانالاهتمام بفوائد المهارة للمرء و المجتمع جنبا الى جنب ، فيحكى أن حائكا أتى هارونالرشيد ليعرض عليه مهارته في نضم ابر الخياطة بعضها في بعض ، و بعد أن عرض مهارته ودقته في التصويب ، أمر له أمير المؤمنين بمئة دينار ذهبية و مئة جلدة ، فسُئل عنسبب ذلك القرار، قال ان المئة الذهبية لمهارته ، والمئة جلدة لاضاعته الوقت في مالا يجدي .
إن المسلم مطالب بأفضل ما يستطيعجاء في الأثر :" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، من هنا نخلص ان الأداءالموهوب / المتميز كان هدفا تربويا حرصت عليه الشريعة الغراء قال تعالى :" وقلاعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين."[7] ، و كان من اسباب تفوق قرن الصحابة رضي الله عنهمأجمعين والله أعلم.)
[1] الإسراء 21
[2] النحل 78
[3] النمل آية 40
[4] الكهف 65
[5] النور 55
[6] البقرة 286
[7] التوبة 105
اعداد د/عبد الرحمن نورالدينحسن
مدير إدارة الرعاية و البرامج الإثرائية ، الإدارة العامة لرعاية الموهوبين