[align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم
الأدلة على جهل البعض بأبجديات الشرع
أولاً: اعتقاد البعض أن الدخول في الإسلام، والنطق بالشهادتين، عاصم من الردة والخروج عن الدين
ثانياً: اعتقاد البعض أن هذ الدين ليس فيه كفر، أو شرك، أو بدعة.
ثالثاً: اعتقاد البعض أن الإسلام مثل النصرانية، تراتيل وترانيم تماماً، فم لله لله والكل لقيصر
رابعاً: الخلط بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية الساقطة التي ل تقوم إل على أنقاض الإسلام.
خامساً: عدم التمييز بين الفرقة الناجية والفرق المبتدعة
سادساً: تبني العامة من المسلمين الآن بم في ذلك العلمانيون، ونفر من الإسلاميين، وغيرهم للفكر الإرجائي
سابعاً: الخلط بين خلاف التنوع وخلاف التضاد
ثامناً: اعتقاد أن خلاف العلماء مصدر من مصادر التشريع
تاسعاً: جعل أقوال العلماء حجة على النصوص
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد خير المرسلين، وعلى آله، وصحبه، وأزواجه، وأتباعه الطيبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد...
من العجيب الغريب، والخطأ الفاحش المريب، التزام جل الناس وإلزامهم غيرهم التخصص في كل المجالات بحيث لا يتكلم المرء، ولا يفتي إلا في مجال تخصصه: إن كان طبيباً أو مهندساً، أو بناءً.. إلخ، إلاَّ في الدين فإنَّ كثيراً من الناس يبيحون لأنفسهم الكلام والفتوى فيه لكل من هب ودب، سيما العاملين في الإعلام ومن يعرفون بالباحثين على الرغم من أن شرع الله عز وجل أولى وأحرى أن يلتزم فيه بذلك.
لقد أمر الله العامة بسؤال الخاصة فقال: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" [1]، سيما في مسائل التشريع والتكفير، والحلال والحرام، حيث كان السلف الصالح يحذرون الخوض في ذلك، ويتدافعون الفتيا فيها.
بينما اليوم تجد مثلاً صحفياً غراً جاهلاً بأبجديات الشرع يتكلم ويفتي في مسائل لو عرضت على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مثلاً لجمعا لها أهل بدر، ولجلسا يستخيران ويستشيران فيها مدة من الزمن، وفي نفس الوقت تجد هذا الغر وأمثاله يتطاولون على العلماء، ويثربون ويحرجون عليهم، إذا بينوا حكم الشرع في نازلة من النوازل، أو في مسألة من المسائل.
هذا من المصائب العظام، والطوام الجسام، التي عمت بها البلوى في هذه الأزمان تصديقاً لنبوة خير الأنام محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، القائل: "سيأتي على الناس سنوات خداعات [2]، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة"، قيل ما الرويبضة؟، قال: "الرجل التافه [3] في أمر العامة"[4].
وأعجب من هذا أن أحدهم يصرح بأنه ليس عالماً بالشرع، ولا متخصصاً فيه، ثم تجده بعد هذا الاعتراف يفتي ويتكلم في أعوص مسائل الشرع، ويخطئ ويتجاسر على العلماء، ويصمهم بالجهل، والحمق، والغلو، ونحو ذلك.
هذا التسيب الفكري، والخواء العقدي، والتعدي على دين الله، والتطاول على أتباع الرسل من العلماء وطلاب العلم، والتجرؤ على الكلام في الدين بغير علم، تولى كبره في هذا العصر من يعرف ظلماً بالمفكرين الإسلاميين، وهم العلمانيون المتزيون بالإسلام، المتخرجون على أيدي المستشرقين، الوارثون لهم الناشرون لشبههم وضلالاتهم، الذين فرختهم بعض الحركات الإسلامية، عليهم من الله ما يستحقون.
بداية الصفحة
الأدلة على جهل البعض بأبجديات الشرع
يظهر جهل كثير من طائفة الإعلاميين صحفيين وغيرهم، ومن يعرف بالباحثين والمفكرين، ومن قبل سدنة هذا الفكر المنحرف، من العلمانيين المتزيين بالإسلام، المتصدرين لبعض الأحزاب والجماعات، الذين فتحت لهم وسائل الإعلام المتهتك أبوابها، من فضائيات، وصحف، ومجلات، وعقد الندوات، والمحاضرات، وشهود المؤتمرات، بينما يحرم من ذلك أهل الحل والعقد من العلماء الربانيين، والفقهاء الحكماء، بل لا يمكنون من الرد والتعقيب على المفترين على الإسلام وعليهم، وإن فتح لبعضهم زوروا وحوروا كلامهم مما جعل الكثير من هؤلاء الأخيار يعزف ويمتنع من الظهور فيها لهذه الأسباب.
إذا جيء بمن يمثل الشرع في بعض البرامج (الرأي والرأي المعاكس) لا يأتون إلاَّ بالرزية والنطيحة في مواجهة عتاد العلمانيين، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون والمنافقون.
يتمثل هذا الجهل الفاضح بأبجديات الشرع عند هؤلاء القوم ــــ ردنا الله تعالى وإياهم إليه رداً جميلاً ـــــ لمن يتتبع ما يقولون ويكتبون بإيجاز في الآتي:
بداية الصفحة
أولاً: اعتقاد البعض أن الدخول في الإسلام، والنطق بالشهادتين، عاصم من الردة والخروج عن الدين
جهلاً أو رداً لقوله تعالى وحكمه على نفر من المسلمين خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بالكفر بعد الإيمان: "وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ" [5].
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليقول الكلمة، لا يلقي لها بالاً من سخط الله عز وجل يهوي بها في النار سبعين خريفاً" [6] ولقوله كذلك:"يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً" [7].
والكفر يكون بإثبات ما نفاه الله ورسوله، أو نفي ما أثبتاه، وبعبارة أخرى: إنكار ما هو معلوم من الدين ضرورة.
ويكون بالقول والفعل والاعتقاد، جاداً كان المرء أم هازلاً، إلاَّ أن يكون مكرهاً لقوله تعالى: "إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ" [8]، مع توفر الشروط وانتفاء الموانع، ويكون بالفعل والترك.
بداية الصفحة
ثانياً: اعتقاد البعض أن هذا الدين ليس فيه كفر، أو شرك، أو بدعة.
يستنكر البعض على أهل العلم إذا قالوا: إن هذا العمل كفر أو شرك أو بدعة، وأن اليهود والنصارى والشيوعيين كفار، وأن من استغاث بغير الله في أمر لا يستطيعه إلا الله فقد أشرك، ومن ابتدع في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً فهو مبتدع جهلاً، أو رداً لقول الله عز وجل: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" [9].
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال واللات فليقل لا إله إلا الله" [10]، ولقوله كذلك: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" [11].
علماً أن الإكفار [12] ملك لله ولرسوله فلا يكفر إلا من أكفراه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في نونيته (الشافية الكافية):
الكفر حق الله ثم رسولــــــــــــه بالنص يثبت لا بقـــول فـــلانوهنا يجب التنبيه على أمور هي:
من كـان رب العالمين وعبــــده قـد كفراه فــــذاك ذو كفــــران
1. أنه لا ينبغي لكل أحد أن يخوض في مسائل التكفير والتضليل والتفسيق، فقد ضلت في ذلك أفهام وزلت أقدام.
2. الإكفار منه ما هو بدعي، وهو الإكفار بكبائر الذنوب، وقد ابتدع ذلك المعتزلة وقلدهم فيه من بعدهم.
3. لا حرج في إكفار من أكفره الله ورسوله مطلقاً كان أم معيناً، فكما نقول: للزاني: زانٍ، وللمرابي: مرابٍ، نقول لمن أكفره الله ورسوله كافر.
بداية الصفحة
ثالثاً: اعتقاد البعض أن الإسلام مثل النصرانية، تراتيل وترانيم تماماً، فما لله لله والكل لقيصر
نسبة لروح الانهزام التي سرت في المسلمين، والتشبه بالكفار الذي عم وطم، إلى أن وصل إلى أصل الدين، حيث يعتقد البعض لطغيان العلمانية أن الإسلام مثل النصرانية تماماً حيث أقصوه عن جوانب الحياة المختلفة، وحصروه في جانب العبادات، أما إسلام الوجه واليد واللسان: " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" [13]، فلا يريده أحد، ومن ثم شرع لهم بعض من لا خلاق لهم وقسموا لهم الدين إلى ثوابت ومتغيرات، والسنة تشريعية وغير تشريعية حتى يردوا ما لا تهواه أنفسهم ويوقعهم في حرج مع الكفار، فقد ابتغواالعزة في غير الإسلام فأذلهم الله وأهانهم، ورحم الله عمر بن الخطاب ورضي الله عنه القائل: (لقد اعزنا الله بالإسلام، فمن ابتغى العزة في غيره أذله الله).
ولهذا فهم ينكرون على الذين يطالبون بتحكيم شرع الله والتحاكم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون لهم: ما للدين والسياسة؟! فالسياسة لها رجالها العلمانيون، بل بلغت الوقاحة والجرأة ببعض هؤلاء أن وصفوا أهل العلم بأنهم فقهاء الحيض والنفاس، لا يحل لهم أن يفتوا أو يتكلموا في غير ذلك. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.
فالذي يعتقد ذلك فعليه أن يعجل بتجديد إسلامه قبل أن تجتمع عليه سكرتا الفوت والموت.
بداية الصفحة
رابعاً: الخلط بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية الساقطة التي لا تقوم إلا على أنقاض الإسلام.
من الجهل الفاضح، والمغالطات البينة، الخلط سواء كان متعمداً، أو غير متعمد، بين النظام الشوري الإسلامي وبين الديمقراطية الغربية التي أسقطها حماتها في بلادهم، وفي تدخلهم للقضاء على الديموقراطية عندما جاءت بما لا يهوون في تركيا والجزائر وغزة. أما الإنقلاب العسكري إن قام به أحد العملاء أمثال برويز مشرف فمرحباً به وأهلاً ومن ثم تصبح حمايته والدفاع عنه من قوى الاستكبار واجب.
لقد أضحت الديمقراطية وأمست وباتت صنم هذا العصر، تُعبد من دون الله لأنها تحلل لهم ما يشتهون وتحرم عليه ما لا يريدون، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لعدي بن حاتم رضي الله عنه: "تلك عبادتهم إياهم".
ومن العجيب المحزن المريب، أن نفراً من الإسلاميين من الباحثين والإعلاميين في السودان وخارجه أضحوا من المسوقين المحامين المدافعين عن الديمقراطية أكثر من أصحابها، وعزوا كل فساد في العالم الإسلامي في هذا العصر لغياب الديمقراطية، وإليك هذه المقتطفات للتدليل والتمثيل لما ذكرت من أحد الباحثين الإسلاميين، وهو الأخ الدكتور عبدالوهاب الأفندي ردنا الله وإياه إلى الحق رداً جميلاً ،وذلك من مقال له بعنوان: (عود على بدء: لمن تقوم الدولة الإسلامية) الذي أرسله لي بالبريد الإلكتروني الأخ الفاضل الدكتور سراج الدين عبد الباري وفقه الله.
وقبل الشروع في ذكر تلك المقتطفات أود أن أؤمن على كلامه في وجود الظلم، وعدم تطبيق العدل، وشيوع المحسوبية والفساد، وعدم الاكتراس برفع المعاناة عن العباد في ديار الإسلام، ولكني أخالفه في سبب ذلك فأنا أرده لغياب الإسلام عن الساحة، وهو يرده لغياب الديمقراطية، وفي ذلك مدح وثناء على الديمقراطية، وانتقاص واختزال للإسلام، لم يقصده الباحث بالطبع، ولكن هذا لازم كلامه:
1. رده لمسالب التجربة المعاصرة في تطبيق الشريعة في البلاد التي سماها لغياب الديمقراطية حيث قال: (وما يجمع بين هذه التجارب هو غبياب الديمو قراطية، مما يعني عزل السلطة عن الجماهير... إلخ)، لماذ نرد فضل قيمة العدل إلى غياب الديمقراطية ولا نعزيه لغياب الإسلام؟! يقول تعالى: "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ" [14]، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [15].
وهل هناك عدل وإنصاف أجل وأرفع مما جاء به رسولنا الكريم: عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم [16] فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قالوا: من يجترأ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟! ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" [17].
وهاك شيئاً من عدل عمر وإنصافه، قال ابن الجوزي: (وعن أبي حاتم عن العتبي، قال: بعث عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب. ثم صعد المنبر وعليه حُلة، والحُلة ثوبان.. فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟، فقال سلمان: لا نسمع، فقال عمر: لم يا أبا عبدالله؟، قال: إنك قسمت علينا ثوباً وعليك حُلة، فقال: لا تعجل يا أبا عبدالله. ثم نادى: يا عبدالله، فلم يجبه أحد. فقال: يا عبدالله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: ناشدتك الله، الثوب الذي ائتزرت به أهو ثوبك؟، قال: اللهم نعم، قال سلمان: فقل الآن نسمع) [18].
قل لي بربك: هل أفرزت الديمقراطية أمثال هذا العدل؟، بل ما نراه من الطغيان والتجبر والتسلط على ديار الإسلام ومع التبجح بالحرية الشخصية أمورٌ يندى لها الجبين، وليس فيها من العدل والإنصاف مثقال ذرة، فما لكم كيف تحكمون؟، ولماذا تحملون الإسلام تصرفات بعض الحكام؟، والإسلام بريء من ذلك كله.
أخشى ما أخشاه أن يكون سلوك بعض المسلمين هذا في الذب والدفاع عن الديمقراطية سببه الدعاية الفارغة التي بثها المستشرقون من التزام روح التجرد في البحث، وهم أبعد الخلق عن التجرد، لأنهم يضخمون الزلات والهفوات، ويسكتون عن الحسنات. ويكتفون في كتابتهم عن الإسلام على كتب السفهاء، والمجان من الكتاب والأدباء أمثال أبي الفرج، ومن المُحْدَثين من مصنفات تلاميذهم.
كان الواجب أن يكون ولاء المسلم لدينه أولاً من غير أن يظلم غيره، أما أن يظهر محاسن النظام اللاديني، ويغض الطرف عن النظام الرباني بسبب ردة فعل من ممارسات بعض الحكام فهو ظلم بين، ومجانبة للحق.
2. إمعاناً من إعجاب البعض بالديمقراطية وحذرهم وخوفهم من مخالفتها مثال ذلك ما قاله الدكتورالأفندي وفقه الله في كلام مفاده: أن الشريعة لا تطبق إلا إذا رضيها كل المسلمين حيث قال: (إن المحاولات المعاصرة لتطبيق الشريعة تغفل عن أن المهمة الأولى للدين هي إنقاذ البشر من سوء المصير في الدار اللآخرة)، هذا حق، ثم أردفه بقوله: (وهذا لن يتأتى إلا إذا كان تطبيق أحكام الشريعة برضا وقبول الناس، لأن تطبيق الشريعة قهراً لا يحقق هذا الغرض، بل العكس، بل ينغص على الناس حياتهم الدنيا دون أن ينفعهم في آخرتهم)، وهذا خطأ فادح وفيه نظر واضح، لأننا لو اخذنا بهذا المبدأ ربما لا نطبق الشريعة إلى يوم القيامة، وهل الديمقراطية التي يُفتخر ويُعتز بها هل رضيها كل المحكومين بها؟، وما نسبة عدد الذين يشاركون في العملية الإنتخابية في أمريكا وأوروبا مثلاً؟.
هل تعلم أخي الكريم أن الذي كرهوا استخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما، أكثر بكثير من الذين رضوا ذلك، وقد عدا استخلافه من أصدق الفراسات في الدنيا، وكان عمر مثالاً لأعدل الحكام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في هذه الأمة، فكيف بمن هم دون هؤلاء الأخيار بمراحل؟.
قال ابن مفلح: (لما استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما قال لمعيقيب الدوسي: ما يقول الناس في استخلاف عمر؟، قال: كرهه قوم ورضيه قوم آخرون، قال: فالذين كرهوه أكثر، أم الذين رضوه؟، قال: بل الذين كرهوه، قال: إن الحق يبدو كرهاً، وله تكون العاقبة "وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" [19]) [20].
أتدري أخي لو اجري استفتاء على تطبيق شرع الله أو نبذه، فمن أجراه أو أباه كلهم يكون قد كفر كفراً أكبر مخرج من الملة. وهل تعلم أن من الناس من يقاد إلى الجنة بالسلاسل، يؤسر ثم يسلم ويحسن إسلامه فيدخل الجنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل" [21].
ولهذا قال عثمان رضي الله عنه: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
أما ما يتوهمه بعض الخاطئين من ظاهر قوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" [22] من أن المسلم له حق الدخول في الإسلام والخروج منه أنى شاء، وينفون بذلك حد الردة ذلكم السياج المنيع لحماية الإسلام، والقول الراجح أن الآية منسوخة بآيات القتال، والقول الآخر أنها خاصة بأهل الكتاب إذا عرض عليهم الإسلام، فلهم قبوله ولهم إن اختاروا البقاء على كفرهم وضلالهم أن يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون [23].
3. يتمادى الدكتور الأفندي في تثمينه لقدر الديمقراطية وجعلها هي الحامي الوحيد للدولة الإسلامية قائلاً: (أما خلاصة الكتاب [24] فهو نقد لفكرة الدولة الإسلامية كما راجت في الأدبيات [25] الإسلامية الحديثة والمطلوب أن يكون التركيز على قيام (دولة المسلمين) وأن تكون الديمقراطية هي عماد هذه الدولة).
4. ثم قال معلقاً قيام دولة الإسلام ورجوعه إلى الساحة مرة أخرى على مستحيل: (فتطبيق الأحكام الإسلامية (حتى لو كان تطبيقاً صحيحاً وسليماً مئة بالمئة) على قوم كارهين لها لن يخلق مجتمعاً فاضلاً كما يتمنى البعض، بل سيخلق مجتمعاً مشوهاً).
5. ألم اقل لكم إن الديمقراطية أضحت الآن وأمست وباتت صنماً يعبد من دون الله عند بعض الإسلاميين، دعك عند غيرهم؟.
بداية الصفحة
خامساً: عدم التمييز بين الفرقة الناجية والفرق المبتدعة
عدم التمييز بين الفرقةالناجية المنصورة، أهل السنة والجماعة، وبين الفرق الجهنمية [26] المبتدعة، بل أصبح الكل عند العرب صابون كما في المثل.
حيث أضحى الآن عند بعض الإسلاميين وغيرهم أن مصدر الإسلام ليس الوحيين، الكتاب والسنة وما صدر منهما من قياس وإجماع، وإنما عبارة عن كل التراث الإسلامي بعجره وبجره، بما في ذلك زخم وضلالات الجهمية، والمرجئة، والروافض، ومن لف لفهم، ومرد ذلك كله إلى الجهل بأبجديات الدين.
بداية الصفحة
سادساً: تبني العامة من المسلمين الآن بما في ذلك العلمانيون، ونفر من الإسلاميين، وغيرهم للفكر الإرجائي
من غير انتساب له وذلك بسبب انتشار فكر الصوفي المنحرف حيث لا وجود لصوفية معتدلة بعد محي الدين ابن عربي، ومن ثم اختزل كثير من المنتسبين للإسلام الإسلام في مجرد النطق بالشهادتين، واتخاذ ذلك جواز سفر لكل المعاصي والمخالفات الشرعية ولسان حالهم: (لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة)، فجعلوا التكاليف عبثاً، والدين فوضى لا يحد بحد.
الذي يطالع وسائل الإعلام وما ينشر فيها في بعض الأحيان من كفر بواح، من غير نكير، وكذلك ما يدور في أركان النقاش في الجامعات من الكفر والإلحاد، والسب لله، ولرسوله، ودينه، والسلف الصالح يدرك ذلك جيداً.
بداية الصفحة
سابعاً: الخلط بين خلاف التنوع وخلاف التضاد
يجهل ويخلط كثير من الإعلاميين وبعض من يُعرف بالمفكرين الإسلاميين [27] بين خلاف التنوع الجائز السائغ وبين خلاف التضاد المحرم الممنوع، ولذلك تجدهم يخبطون خبط عشواء في تناول أي أمر من أمور الدين، يمزجون ذلك بنوع من الغرور والكبر.
بداية الصفحة
ثامناً: اعتقاد أن خلاف العلماء مصدر من مصادر التشريع
عند هذه الطائفة من الناس أن خلاف العلماء يعتبر مصدراً من مصادر التشريع فما من مسألة من مسائل الدين إلا ويقولون فيها خلاف، ومن ثم يجوز للمرء أن يأخذ فيها بأي قول من أقوال أهل العلم، ولو كان ذلك من الزلات والسقطات، والأقوال الشاذة المنكرة التي يعوزها الدليل وينقصها النظر السديد، ومعلوم من الدين ضرورة أن الحق عند الله واحد لا يتعدد فمن وافقه من أهل العلم المجتهدين فله أجران ومن لم يوفق له فله أجر اجتهاده، أما المتطفلون على الاجتهاد الذين لا يملكون أداة واحدة من ادواته لا يؤجر أحدهم وإن صادق الحق.
بداية الصفحة
تاسعاً: جعل أقوال العلماء حجة على النصوص
بسبب الجهل بالدين يجعل البعض أقوال بعض أهل العلم المقتدى بهم حجة على النصوص بدلاً من أن يستدل لها من النصوص، فما وافق النص قبل وما خالفه رد ورفض.
عاشراً: يغفل كثير من هذه الطائفة عن أمر مهم وخطر، وهو ما قرره السادة العلماء المقتدى بهم أمثال مالك وغيره من أنه لا صلاح لآخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً، وأن الدين تم وكمل فماذا بعد التمام والكمال إلا النقصان والخسران؟.
هذا ما عليه أهل الإسلام، أهل الحق والعدل قديماً وحديثاً فماذا بعد الحق إلاَّ الضلال؟.
وأخيراً أقول لأولئك النفر ولغيرهم أن الذي يدعون إليه ويسعون إلى تحقيقه، ليس هو الإسلام الذي بعث به خاتم الرسل الكرام، وإنما هو إسلام آخر سمه ما شئت أمريكياً، أو علمانياً، فلا مشاحة في تلقيب الباطل ووصفه.
وأخيراً أقول كما قال إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله: اللهم من كان من هذه الأمة يظن أنه على الحق، اللهم فرده للحق حتى يكون من أهله.
والله أسأل أن يؤلف بين قلوب المسلمين، ويريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه الطيبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وكتبه
الأمين الحاج محمد
رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان
رئيس رابطة علماء المسلمين
الرابع من صفر الخير 1432هـ
بداية الصفحة
1.سورة النحل: 47.
2.المراد بذلك أهل تلك السنوات، الخداع، والمكر، والحيلة، والتدليس، والتلبيس.
3.الغر، الجاهل، المبتدع.
4.رواه ابن ماجة في كتاب الفتن، باب شدة الزمان رقم: [4036]، قال محققه محمد فؤاد عبدالباقي: في الزوائد في إسناده إسحاق ابن أبي الفرات، قال الذهبي: في الكاشف مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات.
5.سورة التوبة: 65 ــ 66.
6.سورة النحل: 106.
7.البيهقي في شعب الإيمان ومشكاة المصابيح رقم [4835].
8.سنن الترمذي رقم [2197]، عن أنس.
9.سورة لقمان: 12.
10.متفق عليه.
11.أصح من التكفير.
12.سورة الأنعام 162 ــ 163.
13.سورة النحل: 90.
14.سورة المائدة: 8.
15.أي يشفع.
16.متفق عليه.
17.صفة الصفوة لابن الجوزي جــ1/535.
18.سورة طه: 132.
19.الآداب الشرعية لابن مفلح جـ1/71.
20.صحيح سنن أبي داود للألباني، رقم [26771]، وقال: صحيح، وصحيح البخاري.
21.سورة البقرة: 256.
22.انظر تفسير الآية في الجامع لأحكام القرآن.
23.كتابه الذي لخصه في هذه المقالة.
24.أي أدبيات هذه، الإسلام هو الإسلام، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
25.بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلها في النار إلا واحدة" قيل: ما الواحدة؟، "ما أنا عليه وأصحابي اليوم"، الحديث.
26.تجاوزاً.
[/align]