بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك يا أخي في الله أبو سالم على هذا الموضوع المهم جداً
وأشكر أخي الزاد على تثبيت هذا الموضوع لا إهميته ولكي يستفيد منه أكبر عددٍ ممكن فبارك الله فيكم جميعاً وهذا لحرصكم على الدعوة ونحسبكم كذلك ولا نزكي على الله أحداً
ومن باب المشاركة في هذا الموضوع أضع أمامكم هذه الكلمات أسأل الله أن ينفع بها الجميع وهي كلمات بعنوان العقل الدعوي
لكاتب يسمي نفسه ذو المعالي بتاريخ 12/11/1423هـ
************************************************
العقل الدعوي
إن الناظرَ في أحوال الأمم و تجاربها يَلْحَظُ فيها أنها قد قامت على إحدى قاعدتين :
الأولى : الكيانُ الأممي .
الثاني : العقل الأممي .
و حين النظر ثانيةً إلى تلك نلْحَظُ تفاوتاً بيِّناً ين نتائج تينك القاعدتين .
إن الاعتماد في الإنتاج على الكيان أو الجسم لن يَعْدُوَ نتاجه ذلك الكيان ، بل ينتهي بنهايته ، و أما الاعتماد على العقول الفعَّالة ، و الابتكارات المُخْتَرِعة فإنه سَيُوَرِّثُ أكبرَ نتاجٍ تنتفع به الأمم ، و يدومُ معها في أحوال الزمان و تقلُّبَاته .
من ذلك يتضحُ أن نجاح أي أمرٍ إنما هو بتدعيمه بإدارة العقل ثم بالجسم المنفذ لما تُمْلِيْه تلك الإدارة .
و حتى يتحقق هذا لابد من تفعيل القُدُرات العقلية ، و حثِّها على الإنتاج الفكري إما بتحديث أو بتجديد .
تحديثٌ لمقومات تدفع بعجلة نجاح ما نريده ، و تجديد لكل قديم قد كرَّته الأيام .
و إن أحوجَ شئٍ إلى تلك القُدُراتِ العقلية ( الدعوةُ إلى الله ) ، فهي من أعظم الوظائف الإسلامية ، و من هذه الحيثية كانت الحاجة إلى تفعيل العقول لخدمتها توسيعاً لها في نطاقٍ أكبر في الأرض .
و ليتبين لنا مدى الحاجة إلى هذه العقول و الإدارة العقلية الفعالة في ( الدعوة إلى الله ) ليس علينا إلا أن نقوم بالنظر في أدوات تبليغ الدعوة ، فإننا نرى فيها : قصوراً واضحاً ، و قِدَماً بيِّناً ، و معها لا نكاد نصل إلى ما نريده إطلاقاً إلا شيئاً يسيراً .
و نحنُ في العمل الدعوي نقومُ بأعمال البدن و الجوارح ، أما ما يتعلَّق بأمور التفعيل العقلي و التدبير الذهني للمجالات الدعوية فهذا مما نفتقده في حياتنا الدعوية .
و هل ننتظرُ حتى يخرجَ لنا من أهل الإسلام مَنْ يُتْقِنُ الإدارة العقلية ؟!
لا ، و إنما علينا الاستغلال للتقنيات الفنية الخادمة في المجال الدعوي ، فهي مرْتعٌ خَصْبٌ لتوسيع نطاق العمل الدعوي من خلالها ، و ذلك لما تميزت به من ميْزَات مهمة :
الأولى : الاتساع و البُعْد .
الثانية : السهولة و اليُسْرُ في التعامل معها .
الثالثة : الإقبال ليها مِنْ قِبَل العامة .
و فيها كفايةٌ للكشف عن أهميتها ، و تحريضٌ على استغلالها . و الأخذ بها طلبٌ مُلِحٌّ في الجانب الدعوي .
و ما أحسن أن يقوم فئات في مجتمعٍ مُسْلِمٍ بأعباء الدعوة إلى الله _ تعالى _ و يقوم آخرون بأمر التدبير الإداري العقلي للدعوة ، إذ أننا نرى إهمالاً في الإدارة الدعوية واضحاً لا يكادُ يُنكر ، و إليكَ جوانبُ من ذلك :
أولاً : الجانب الإداري ، فالإخلال في هذا الجانب كبير و بيِّنٌ و يفقد أموراً ثلاثة :
1- الإدارة .
2- التخطيط .
3- الأهداف .
فغالبُ الأعمال الدعوية سائرة بعمايةٍ و غَبَشٍ ، و موفقةٌ ببركة الله _ تعالى _ و حفظه لها ، و إلا فإن أمثالها لا يُحالفه التوفيق ، و لا أرمي بذلك أن الدعوة قيامها بهذه الأمور مُغْنٍ عن توفيق الله _ تعالى _ و لكن هي من ألأسباب التي بها يكون تحقيق العمل و إيصاله .
و هذه الأمور لا يُوجد لها في العمل الإداري أيةُ أثرٍ ، و إن كان ففي نظريات بدائية عن تصورات شخصية ، فليست قواعد مُقَنَّنَةٌ عند الإداريين فيُعْتَمَدُ عليها ، و هل هذه ذاتُ جدوى في العمل ؟!
و تكمن أهميةُ هذه الأمور إذا أبصرنا نتائجَ العمل في خواتيمه ، و رأينا الفوضوية و الخلل في الثمار .
إن الأعمال التي يقوم بها المرءُ في حياته لابد لها من مقاصدَ و غاياتٍ و أهدافٍ يُسْعى إليها ، و الأهداف ضمانات للمسيرة العملية في أيةِ عمَلٍ يعمله المرء .
و الأهداف نوعان :
أولهما : أهدافٌ زمنية ، و هي الأعمالُ التي يتمُّ إنجازها في غضون زمان مُعيَّنٍ ، و الأهداف هذه قسمان :
الأول : أهداف بعيدة المدى .
الثاني : أهداف قصيرة المدى .
و الأول غالباً ما يكون للأعمال التي تتمتع بالشمولية و الكِبَر ، و الثاني دون ذلك .
ثانيهما : أهداف كيفية ، و يُرادُ منها الصفات و الكيفيات التي تكون عليها الأهداف و الأعمال الدعوية و هي قسمان :
أولهما : ما يتعلَّق بذات العمل الدعوي كـ :الوسائل و الغايات .
ثانيهما : ما يتعلَّق بالذوات المتعلقة بالعمل الدعوي ، و هذا شيئان :
أ- القائمين بالعمل ، وصفهم ، قُدُراتهم ، أعمالهم .
ب- المُوَجَّه إليهم العمل الدعوي .
فالعنايةُ بهذه الأهداف يضمن لنا إحكام العمل الدعوي ، و من ثَمَّ يَطيبُ النتاج و يُزهرُ الجنى .
و لِتمامِ المقصود على أحسن أوجهه لابد من رعايةِ أمرين :
الأول : الواقعيةُ ، فلا يكون : التخطيط و الإدارة و الأهداف من باب الخيال ، و إنما إظهاره في أرضِ الواقع مهم للغاية ، و _ أيضاً _ مراعاة أحوال الواقع المُعاش .
الثاني : المرونة ، و تعني : يُسْرُ التعامل معَ الطوارئ و العوارض في مجال تنفيذ الأهداف ، فإن الدقة في التخطيط الداعية إلى التخبط ليست من حُسْنِ الإدارة في شيء .
فالمرونة تجعلُ العمل يسير سيراً مضبوطاً و لا يكون في مسيره غضاضةٌ و لا إشكاليةٌ ، و أما حَصْرُ الأهداف في زمنٍ و مكانٍ و طريقة بالتحديد الدقيق ففيه مَضَرَةٌ و مَشَقَةٌ .
فالمشقةُ بعدم الإتيان بالهدف فيما حُدِّدَ له حيث العوارض التي تعترضُ الأهداف .
و أما المضرة فبالسابق : المشقة ، و بتخلف تنفيذ العمل .
و حاصل المرونة أن يكون ذلك الثلاثي ( الإدارة ، التخطيط ، الأهداف ) مطاطيةً فكيفما كانت الأمور جاء العمل و تحقيق الهدف معها .
و قَيْدُ المرونة : أن يكون بقدر معقولٍ متناسبٌ مع أحوال الزمان .
و الجانبُ الثاني : العمل الواقعي ، إن أعمالنا الدعوية في الميادين الواقعية تعيشُ نوبَةً من الخلل المستطير المُنْبيء عن خطورة كامنة ، جرَّ تلك الخطورة عدمُ حُسْنِ تصرُّفٍ في أداء العمل الدعوي في ميادينه .
فكثيراً ما نأخذُ قواعدَ و أصولاً دعويةً و نقتنع بها ، و نتعرَّفُ على أساليب كثيرةً في الدعوة لكن الخلل في تطبيق هذه الأمور .
بل الأدهى من ذلك كله أننا نَرْكُدُ على حالٍ واحدة و ندوم عليها ، فلا نفكر بتقديم أساليب حديثة منها يكون اتساع نطاق الدعوة ، و بها يكون التأثير البليغ في المجال الدعوي .
إننا نحرصُ على أمورٍ و أساليب دعوية كثيرةٍ بِدائية لها أثرٌ بالغ _ بتوفيق الله _ ، و لكننا في الوقت ذاته نريد الانتقال من هذه الدائرة الضيقة إلى دائرةٍ أوسع و أشمل .
نتحسَّرُ حين نرى أهل الكفر و دعاة الباطل قد سبقونا بمفاوز في أساليب نشر دعواتهم ، و اتسعت رقعُ دعواتهم و أفكارهم في الأرض ، بل من بني الجِلْدَةِ مَنْ سبقَ إلى أفكارٍ متعددة النطاق ، متسعة الساحة.
لستُ داعياً إلى سلوك ما تقرر في دين الله تحريمه ، و إنما أطالبُ بأن نسلك أموراً مباحةً و جائزٌ الأخذ بها ، و هي كثيرة _ و لله الحمد _ و لن يَتَبَصَّرْها إلا مَنْ فتحَ الله على قلبهِ فأبصرَ حقائق الدعوة إلى الله .
إن أسلوب : الشريط المسموع ، و المطوية ، و الكُتَيِّب و غيرها قد شرب منها الزمن حتى رَوِيَ ، و ملَّت الناس رؤيتها ، و التنويع بينها و أخواتها من أساليب التبليغ و الدعوة مطلوب .
و مثلها أسلوب الإلقاء للحديث فالعادة القديمة في الحديث و الكلام لابد من تجديدها و تطويرها إلى أساليب أُخَرَ توحي بانبعاث النفس نحو الكلام المُلْقَى ، و تسلبُ الفؤاد ، و تسحر القلب .
و يأخذُ المجرى ذاته المجلات و الصحافة الإسلامية فليس من المعقول أن تكون في الذنب و الباطل في الرأس ، و ليس منه كذلك أن تطرحَ طروحاتٍ مجتها الأنفس ، و سئمتها الأعين ، و الذي عليها للأمة الإسلامية أن تنتقل من الطور و الطراز القديم إلى التجديد الدائم المستمر .
و مثلَ هذا يكون الحديث عن الإعلام الإسلامي ، فأينه و التطور ؟ و أينه و التقنيات الإعلامية التي أصابت العالم بتخمة منها ؟
لا شيء ، و أستغفر الله ، هذه هي الإجابةُ المحزنة .
إننا لسنا بأقلَّ من أهل الغواية و الردى : عقلاً ، و ذكاءً ، و قُدْرَةً ، و نستطيع أن نأتي بمثل ما أتوا به بل بأكثر و الله يقول : { و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا و إن الله لمع المحسنين } .
فهما قيدان للهداية بهما يكون التوفيق نحو السداد ، و بدونهما لا يكون شيئٌ :
الأول : بذلُ الجهد .
الثاني : الإحسان في العمل .
فلم يبقَ عُذْرٌ لنا في التخلف عن ركب التقنية المتطور ، و ليس لنا أيةَ حجةٍ إذا أشبعنا أمتنا بما لا ينشر أصولها في أرجاء الأرض .
نؤمنُ بأن دين الله _ تعالى _ سيعمُّ أرجاءً كبيرة ، و أن المستقبل لهذا الدين ، و لكن نؤمنُ أيضاً أنه لا يكون ذلك إلا بأسباب تتفاقم مع حجم الزمن الذي تعيشه الأمم ، و الأساليب التقليدية لا يُؤْبَه بها .
من هنا تكون البدايةُ في السعاية بالدعوة نحو الأمام ، و تطوير تقنياتها ، و إيجادُ عقولٍ مُدَبِّرَةٍ مُفَكِّرَةٍ تضيء للدعوة طُرُقاً و دروباً ، و نُحْدِثُ من السالكين سبيل الدعوة أقواماً تنفيذيين لأفكار تلك العقول .
و غضُ الطَرْفِ عن الخلافيات التافهة مهم جداً في مسيرة العمل الدعوي .
أرجو أن أكون وضعتُ نقاطاً على أحرفٍ ، و رمقتُ بعين النصح مواضع الداء ، و أفلحتُ في وصف الداء .
************************************
اخوكم ومحبكم في الله
أبو الزبير .