حضرة المعلم الفاضل : .............
جميلة هي الحياة حينما يسخرها المرء لخدمة وطنه ، وتحلو أكثر حين يرى ثمرات عمله وفواغي غرسه ، وأنا يا معلمي الحبيب ثمرة من ثمرات غرسك يدك ، تعلمت بين يديك حروفي الأولى في الحياة ، ربيتني فأحسنت تربيتي ، وأدبتني فأكرم به من أدب ، رعى الله أيامي الجميلة معك عندما كنت على مقاعد الدراسة ، وأنت تروي أحلامي بغيث العطاء ، وتدفعني يداك الحانيتان برفق إلى المناهل الصافية والمعين العذب .
مناهجنا الجامدة تحولت معك إلى نبض تتدفق فيه الحياة ، وتنتعش معه عقولنا الغضة الطرية ، كنت أستحي أن أصارحك بإعجابي الشديد بك وبشخصيتك التي كانت تلج علينا عظمة وإجلالا ، لك في نفسي يا معلمي الحبيب هيبة تضفي على إعجابي مزيدًا من الحب والوفاء ، حتى بعد أن أصبحت أبًا ، وأنا اليوم طبيب ، أملك عيادة كبيرة ، لكنها ليست بحجم قلبك وصبرك وعطائك ، حتى زملائي في الثانوية ، لا زلت أتواصل مع أغلبهم ، وكلهم يثنون عليك ، ويذكرونك بخير .. لم ينسك أحد يا مربينا الفاضل ، طلابك بالأمس أصبحوا اليوم مهندسين ، ومعلمين ، وأطباء ، ورجال أعمال ، وأدباء ؛ لكننا نحمل فكرًا واحدًا ترسخ في أذهاننا مذ علمتنا أبجديات الحياة ، مذ سعيت بإخلاص لتقتلع الجاهلية العمياء التي نشأ أغلينا عليها .
لا زلت أتذكر كلماتك الحماسية يا أستاذي العزيز : " سيعز الله المسلمين ، وسنكون ملوك الدنيا لأننا سادة ، والسادة لا تسحقهم أذناب البهائم . كونوا على قدر المسؤولية يا أبنائي .. الإسلام بحاجة إلى عطائكم ، أنتم الجند وأنتم القادة " . وإن كنت أنسى فلن أنسى ذلك عندما ذرفت عيناك الدمع وأنت تؤكد : " بإذن الله سلنتقي جميعًا في المسجد الأقصى .. سنصلي سويًا في المكان الذي بارك الله حوله ، لنعمل لذلك اليوم يا أحبائي " ، حينها ضحك ماجد الذي كان ترتيبه الأخير في الصف ، وقال : " إنك تحلم يا أستاذ " ، فرددت عليه بكل ثقة : " لعلك الإمام حينها يا ماجد " .
منك وحدك تعرفنا إلى نجوم الدنيا الذين طمسهم الإعلام في غياهب الجب ، ومنك وحدك اكتشفنا غوامض كثيرة ما كنا لنعرفها لولا مــنّــة الله علينا بمعلم مثلك ..
سأزورك يوما يا أستاذي برفقة طفلي الصغير ، لابد أن أعرفه إليك ، لابد أن يراك ، لأني سأعلمه فكرك ذاته الذي غرسته في قلب والده ، أرأيت يا معلمي ؟ هذا امتداد عطائك .
تلميذك : ..........
من ( هموم معلم ) لــ وحيدة أحمد عبدالله الملا .