وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدرى رضي الله عنهما : أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلي الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ، حتى نفد ما عنده ، فقال لهم حين نفد كل شيء أنفق بيديه: (( ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر))
كان من خلق الرسول الكريم- عليه الصلاة والسلام- أنه لا يسأل شيئاً يجده إلا أعطاه ، وما عهد عنه أنه صلي الله عليه وسلم منع سائلاً، بل كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويعيش في بيته عيش الفقراء، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع
فهو عليه الصلاة والسلام أكرم الناس واشجع الناس.
فلما نفد ما في يده أخبرهم أنه ما من خير يكون عنده فلن يدخره عنهم؛ أي: لا يمكن أن يدخر شيئا عنهم فيمنعهم، ولكن ليس عنده شيء.
ثم حث النبي صلي الله عليه وسلم على الاستعفاف والاستغناء والصبر، فقال: (( ومنيستعفف يعفه الله، ومن يستغن الله، ومن يتصبر يصبره الله- عز وجل)).
هذه ثلاثة أمور:
أولا: من يستغن يغنه الله، أي: من يستغن بما عند الله عما في أيدي الناس؛ يغنه الله عز وجل. وأما من يسأل الناس ويحتاج لما عندهم ؛ فإنه سيبقي قلبه فقيراً - والعياذ بالله- ولا يستغني.
والغني غني القلب، فإذا استغني الإنسان بما عند الله عما في أيدي الناس؛ أغناه الله عن الناس، وجعله عزيز النفس بعيداً عن السؤال.
ثانياً: من يستعفف يعفه الله، فمن يستعف عما حرم الله عليه من النساء يعفه الله عز وجل.
والإنسان الذي يتبع نفسه هواها فيما يتعلق بالعفة فإنه يهلك والعياذ بالله؛ لأنه إذا أتبع نفسه هواها وصار يتتبع النساء؛ فإنه يهلك، تزني العين، تزني الأذن، تزني اليد، تزني الرجلن ثم يزني الفرج؛ وهو الفاحشة والعياذ بالله.
فإذا استعف الإنسان عن هذا المحرم أعفه الله- عز وجل- وحماه وحمي أهله أيضاً.
ثالثاً: من يتصبر يصبره الله، أي يعطيه الله الصبر.
فإذا تصبرت، وحسبت نفسك عما حرم الله عليم، وصبرت على ما عندك من الحاجة والفقر ولم تلح على الناس بالسؤال فإن الله- تعالي- يصبرك ويعينك على الصبر. وهذا هو الشاهد من الحديث؛ لأنه في باب الصبر.
ثم قال النبي صلي الله عليه وسلم (( وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر)) أي: ما من الله على أحد بعطاء من رزق، أو غيره؛ خيراً واوسع من الصبر؛ لأم الإنسان إذا كان صبوراً تحمل على كل شيء. إن أصابته الضراء صبر، وإن أعرض له الشيطان بفعل المحرم صبر، وإن خذله الشيطان عن ما أمر الله صبر.
فإذا كان الإنسان قد من الله عليه بالصبر؛ فهذا خير ما يعطاه الإنسان ، وأوسع ما يعطاه، ولذلك تجد الإنسان الصبور لو أوذي من قبل الناس، لو سمع منهم ما يكره، لو حصل منهم اعتداء عليه، تجده هادي البال ، لا يتصلب ، ولا يغضب، لأنه صابر على ما ابتلاه الله به؛ فلذلك تجد قلبه دائماً مطمئناً ونفسه مستريحة.
ولهذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم (( ما أعطي أحد عطاء خيرا واوسع من الصبر)) والله الموفق.
من شرح شيخنا ابن عثيمين رحمه الله