&&أغلى الجواهر.. كتاب الله&&
آياتُ نورٍ وخيرٍ وإيمان ، ومعجزة الإسلام الخالدة على الدوام ، هو حلية قلب المؤمن إن تحلّى به ، والنورُ السائرُ في دربه ، والمرافقُ له في حياته ، وبعد موته ، في قبره ، والقائدُ له إلى أعلى الجنان .
إنه القرآن الكريم ، منهاج حياة، ونظام حكم، ومصدر استلهام ، وهو منبع العلوم وأصلها .
أمرنا الله تعالى بتلاوته وتدبر معانيه ، وتطبيقه والعمل به ، ذلك أن في اتباعه سعادة البشريّة ، وانتصار الحق ، وإعلاء لكلمته ، ونصرة للخير ، ونشر لدين الله تعالى .
قال الله تعالى : " إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا " الاسراء آية 9
وهو الذي : " لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ"-. فصلت آية 42
في لفظه البلاغة والبيان ، وفي معانيه قيمٌ ومبادئ وأخلاق ، سار عليها نبيّ الأمة صلى الله عليه وسلم ، وسيسير عليها المسلمون إلى يوم الدين .
إن بحثتِ في معالي الأخلاق ، فلن تجدي أروع من كتاب الله تستخلصين من آياته دعوة للصدق والبرّ والتقوى والإخلاص وإعمار الأرض بالخير والطاعات .
وقد كان نبيّنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم خير من تخلّق بأخلاق القرآن .
سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنها وعن أبيها ـ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ( كان خلقه القرآن ) .
وإن أردتِ أن يخاطبكِ الله تعالى فافتحي كتاب الله وتأمّلي آياته ، ترغيبٌ وترهيب ، وعدٌ ووعيد ، إصلاحٌ للنفس وتنقية للقلب .
أنصت إلى آيات تنادي : ( يا أيها الذين ءامنوا ... ) تأمل معانيها ، إنها موجّهة لكِ ولكلّ مؤمن بالله ، وحاول أن تفهميها وأن تتدبّر مضمونها ، واعقد العزم على التطبيق .
وإذا مرّت بكِ آيات ترهيب فاستحضر القلب ، وليمتلئ خشية ورهبة ، ولتسأل الله الجنة ، ولتستعيذ به من النار .
وهكذا عوّدي النفس على التلاوة الصحيحة أولاً ، فهي مفتاح الفهم للآيات ، ومن ثمّ تخشّعي في التلاوة ، واقرئي بتدبّر ، ولا تمرّي على الآيات مرور الغافلين ، فبعض الصحابة كانوا يقضون الليلة يتفكّرون في آية ، وبعضهم كانوا يتهجدون بآية يرددونها ويبكون من خشية الله ، لأنهم كانوا يشعرون بأنها تخاطبهم حقاً ، فيحضر القلب ، وتتنزل السكينة ، ويكون الخشوع والإيمان دافعين لحسن الخلق وحسن العبادة وحسن العمل .
:فضائلُ القرآن عظيمة لمن يستشعرها ، وكنوزه كثيرة لمن يبحث عنها ، وإنّ بعضاً من فضائله :
أولاً / رفع الدرجات في الجنة:
عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (يقال لصاحب القرآن قرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)"رواه أحمد وأبو داود والترمذي "
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران)"متفق عليه"
ثانياً/ الفوز بالشفاعة:
فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال:سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)"رواه مسلم"
ثالثاً/ القرب من الله :
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن لله أهلين من الناس). فقيل: من أهل الله منهم؟ قال: (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) رواه الإمام أحمد وابن ماجه "
رابعاً/ الفوز برضى الله تبارك وتعالى : فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: ياربِّ حلّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: ياربِّ زده. فيلبس حُلة الكرامة. ثم يقول: ياربِّ ارض عنه. فيرضى عنه. فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكلِّ آية حسنة) رواه الترمذي والحاكم
تلك هي فضائله فكيف نزهد به ؟ وكيف لا تتوق أرواحنا إليه لنرتشف من عذب معينه فيرتوي القلب .
يقولُ الشاعر :
وإنَّ كتابَ الله ِأوثقُ شافع ٍ **** وأغنى غَنَاء ٍ واهبًا متفضلا
وخيرُ جـليسٍ لا يُمَلُ حديثه*** وتردادُه يـزدادُ فيه تجملا
وللصحابة أحوالٌ مع كتاب الله بها نقتدي ، وعلى سناها نسيرُ ونهتدي ، وعن تعلّقهم بالقرآن وعلمهم به يقول ابن مسعود:"
ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، وفيمن نزلت، ومتى نزلت، وهل نزلت بليل أو نهار أو بسفر أو حضر، ولو كنت أعلمُ أحداً أعلمُ مني بكتاب الله تضرب إليه أكباد الإبل لرحلت إليه". فهاهي الصلة وطيدة منهم بكل شيء متعلق به.
أما العلم والعمل فها هو عبد الرحمن السلمي يخبرنا فيقول:"كان الذين يُقْرِؤونَنَا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون بنا العشر من الآيات حتى نعرف ما فيها من العلم والعمل فتعلمنا العلم والعمل معاً ".
تلك أحوالُ الصحابة ، فماذا عن أحوالنا الآن ؟ لماذا الزيغُ يسري في جسد الأمة ؟ ولم نشتكي قسوة القلب ، وجفوة البعد عن الله ؟ أوليس من أهم أسباب انحراف السّلوكِ عدم التأثّر بالقرآن ؟!
نقرأ فلا نتدبّر ، وإن تدبّرنا لا نعمل ، ونسابقُ في الحفظ ولكن لا نطبّق ، ولأجل هذا انتكست الأمّة ، وغرقت في الحضيض .
ولعلّ شهادة ابن عمر رضي الله عنهما تشعرنا برهبة تدفعنا لأن نعمل بالقرآن ، ولأن نقتدي به أحسن اقتداء ..
فعن عبد الله بن عمـر – رضي الله عنهما - : " كنّا صدرَ هذه الأمّـة ، وكان الرجـل من خيـار أصـحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مامعـه إلا السّـورة من القرآن أو شبـه ذلك ؛ وكان القرآن ثقيـلاً عليهم ، ورُزقوا العمـل بـه . وإنّ آخـر هذه الأمّـة يُخفّف عليهم القرآن حتّى يقـرأ الصّبـيّ والأعجمـيّ ، فلايعملون بـه " .
فلنسأل الله تعالى أن يبصّرنا بكتاب الله ، فإن عطاء القرآن عظيم لمن يحصل عليه ، وهو في الدنيا نورٌ ، وهو في الآخرة حياةٌ ونعيم .